الرئيس المنتخب يبحث عن مرشح لـ«العدل»

يتطلع إلى شخصية تستطيع تحقيق استقلالية الوزارة

TT

الرئيس المنتخب يبحث عن مرشح لـ«العدل»

يواجه الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، معضلة حساسة تتعلق بالتحقيقات الفيدرالية الجارية حول ابنه، هانتر، والخطوات التي ستتخذها وزارة العدل ومن سيتولى منصب الوزير في إدارته، إذ سيتولى الشخص القادم إلى هذا المنصب متابعة تلك التحقيقات، فيما سيكون على بايدن أن يتخذ إجراءات لحماية الوزارة من الاتهامات بالتحيز السياسي.
ومما يزيد الموقف تعقيداً أن من سيتولى المنصب الجديد سيكون عليه السير على حبل رفيع بين الإشراف على التحقيقات المتعلقة بهانتر وفي الوقت نفسه الإشراف على التحقيقات المتعلقة بعلاقات ترمب وحملته الانتخابية بروسيا وما يتعلق بالملاحقات القضائية المتوقعة ضد ترمب بعد خروجه من البيت الأبيض. ويعد منصب وزير العدل أو المدعي العام منصباً مهماً للغاية، ويواجه بايدن أسئلة صعبة حول كيفية التعامل مع التحقيقات والملاحقات القانونية المتعلقة بالرئيس دونالد ترمب ومحاميه وأقرب أصدقائه، فهل سيقدم بايدن ومن سيختاره في وزارة العدل على ملاحقة ترمب والتحقيق في سجله الضرائبي؟ وهناك ألغام أرضية خلّفتها أيضاً إدارة ترمب بما يتعلق بعلاقات ترمب وروسيا خلال الحملة الانتخابية لعام 2016.
ويدفع مواجهة أحد أفراد عائلة بايدن المقربين تحقيقاً جنائياً فيدرالياً إلى إلقاء نظرة جديدة على المرشحين المحتملين لمنصب المدعي العام الذي سيقف في موقف حساس من تحقيقات هانتر، وعليه أن يتخذ قراراً قانونياً لا تشوبه شائبة في هذا التحقيق. وتوكد الديناميكيات الدقيقة في لعبة الاختيار ضرورة أن يكون الفائز بهذا المنصب مرشحاً له مصداقية عالية وله خلفية في العدالة والاستقلالية ولديه القدرة على السير بمهارة فوق أرضية مليئة بالألغام. ويوجد حتى الآن أربعة متنافسين على منصب وزير العدل منهم قاضي محكمة الاستئناف الفيدرالية ميريك جارلاد، ونائبة المدعي العام السابقة سالي بيتس، والسيناتور الديمقراطي عن ولاية ألاباما دوج جونز، الذي فقد مقعده في مجلس الشيوخ في انتخابات الشهر الماضي.
وتعد سالي بيتس أحد أبرز المرشحين المنافسين على هذا المنصب في إدارة بايدن لكنها واجهت انتقادات بمواجهتها مع الرئيس ترمب في إدارته ودورها في التحقيقات حول روسيا، وينظر إليها الجمهوريون بوصفها شخصية حزبية ومن المرجح أن يؤدي اختيارها إلى معركة لتأكيد اختيارها داخل مجلس الشيوخ. وكان من بين المرشحين للمنصب حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، الذي ذاع صيته في أثناء مواجهة وباء «كورونا» وانتقاداته لإدارة ترمب في مواجهة الوباء وحالات الإغلاق، إلا أن كومو واجه يوم السبت الماضي اتهامات بالتحرش الجنسي من إحدى المساعدات التي عملت معه في السابق، بما قد يزعزع فرص اختياره.
وتحتوي القائمة أيضاً شخصيات مثيرة للجدل منها القاضي ميريك جارلاند الذي اختاره الرئيس السابق باراك أوباما، ليحل محل القاضي أنتوني سكاليا في المحكمة الدستورية العليا عام 2016، لكن هناك احتمالات أن يرفض زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، التصديق على اختياره. ويقول المسؤولون السابقون في وزارة العدل إن المرشحين المحتملين لمنصب وزير العدل ليسوا مجهزين للتعامل مع هذه القضايا الشائكة التي خلّفتها إدارة ترمب، وإن اختيار بايدن لهذا المنصب قد يتطلب منه النظر في كيفية تعامل وزارة العدل مع القضايا الحساسة على نطاق واسع حتى يحافظ على استقلالية الوزارة بعد سنوات من تآكل الثقة فيها تحت إدارة ترمب.
ويقول نيك أكرمان، المدعي الفيدرالي السابق: «على الرئيس المنتخب العثور على شخص فوق مستوى الشبهات لتولي منصب المدعي العام ويوافق عليه الجميع بحيث لا يشكك أحد في نزاهة قراره، وقد حان الوقت لإخراج السياسات الصعبة الحقيقية». وسيواجه المرشح لشغل منصب المدعي العام في إدارة بايدن ضغوطاً لإجراء تغييرات سريعة في وزارة العدل، وسيخوض معارك من الكونغرس حول إصلاح العدالة الجنائية الشاملة والمتعلق بإنهاء العنصرية ضد السود خصوصاً بعد أن شهد العام الجاري احتجاجات عمّت أرجاء الولايات المتحدة ضد الظلم العنصري ووحشية الشرطة في أعقاب مقتل جورج فلوريد.
وتعهد بايدن خلال حملته الانتخابية وفي خطاب النصر بالتصدي للعنصرية المنهجية والتمييز في نظام العدالة الجنائية، وسيكون لديه بعض السلطات لتشكيل الشرطة الفيدرالية والشرطة داخل كل ولاية. ويقول باحثو العدالة الجنائية إن بايدن أشار إلى بدء تحقيقات قوية في أنماط سوء سلوك بعض أفراد الشرطة والتي يمكن أن تمهد الطريق لتغييرات طويلة الأجل لوضع معايير لجهاز الشرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟