بعد مشوار دام 75 عاماً.. رحيل فاتن حمامة

الشاشة العربية تفقد سيدتها الأولى

سيدة الشاشة العربية في شبابها مع النجمين حسين رياض وماري منيب
سيدة الشاشة العربية في شبابها مع النجمين حسين رياض وماري منيب
TT

بعد مشوار دام 75 عاماً.. رحيل فاتن حمامة

سيدة الشاشة العربية في شبابها مع النجمين حسين رياض وماري منيب
سيدة الشاشة العربية في شبابها مع النجمين حسين رياض وماري منيب

بعد تضارب لعدة ساعات، أكدت مصادر طبية وفنية أمس وفاة «سيدة الشاشة العربية» الفنانة المصرية الكبيرة فاتن حمامة عن عمر يناهز 84 عاما.
ولدت فاتن في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية شمال العاصمة المصرية عام 1931، وبدأت مشوارها الفني المتألق مبكرا، حيث شاركت بدور رسخ في عقول الجماهير كطفلة ابنة 7 سنوات مع الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب في فيلم يوم سعيد عام 1940، لتخطف أبصار الجماهير والنقاد ومخرجي السينما. وتشير أوراق التاريخ إلى أن فاتن حمامة جرى اختيارها للفيلم من قبل المخرج محمد كريم عقب فوزها في مسابقة أجمل طفلة في مصر.
ونظرا لإعجاب طاقم الفيلم بالطفلة الجميلة واللبقة، طلب عبد الوهاب من كريم الاستعانة بها مجددا في فيلم رصاصة في القلب عام 1944، قبل أن تشارك في فيلم ثالث بعنوان دنيا في عام 1946، لتثبت أقدامها في عالم الشاشة الفضية.
ودخلت فاتن إلى معهد السينما في القاهرة، حيث لاحظ يوسف وهبي موهبتها الناشئة وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم «ملاك الرحمة» (1946)، وبهذا الفيلم دخلت مرحلة جديدة في حياتها وهي الميلودراما، وكانت عمرها آنذاك 15 سنة فقط وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين بها. واشتركت مرة أخرى في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي في فيلم «كرسي الاعتراف» (1949)، وفي نفس السنة قامت بدور البطولة في الفيلمين «اليتيمتين» و«ست البيت» (1949)، وحققت هذه الأفلام نجاحا عاليا على صعيد شباك التذاكر.
كانت الخمسينات بداية ما سمي العصر الذهبي للسينما المصرية، وكان التوجه العام في ذلك الوقت نحو الواقعية وخصوصا على يد المخرج صلاح أبو سيف. وقامت فاتن بدور البطولة في فيلم «لك يوم يا ظالم» (1952) الذي اعتبر من أوائل الأفلام الواقعية واشترك هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي. وكذلك اشتركت في أول فيلم للمخرج يوسف شاهين «بابا أمين» (1950) ثم في فيلم صراع في الوادي (1954) الذي كان منافسا رئيسيا في مهرجان كان السينمائي. كذلك اشتركت في أول فيلم للمخرج كمال الشيخ «المنزل رقم 13» الذي يعتبر من أوائل أفلام اللغز أو الغموض. وفي عام 1963، حصلت فاتن على جائزة أحسن ممثلة عن فيلم «لا وقت للحب».
وفي عام 1947، تزوجت فاتن من المخرج عز الدين ذو الفقار، وأسسا معًا شركة إنتاج سينمائية قامت بإنتاج فيلم موعد مع الحياة (1954)، الذي كان باكورة إطلاق النقاد لقب سيدة الشاشة العربية عليها. وظلت منذ ذلك اليوم وحتى آخر أعمالها، وجه القمر عام 2000، صاحبة أعلى أجر على صعيد الفنانات. وانتهت العلاقة مع ذو الفقار بالطلاق عام 1954، بعد إنجابها ابنتها نادية، ثم تزوجت عام 1955 من الفنان عمر الشريف، ومنه أنجبت ابنها الوحيد طارق.
وشهد عام 1966 غياب فاتن عن مصر إثر ما قيل وقتها عن تعرضها لمضايقات سياسية، وعادت إلى القاهرة عام 1971، حيث مثلت فيلم إمبراطورية ميم الذي حصلت على دورها فيه على جائزة مهرجان موسكو عام 1972. ثم واصلت فاتن أفلامها الاجتماعية، بأفلام على غرار «أريد حلا» و«أفواه وأرانب».
ويرى معظم النقاد أن فاتن بلغت مرحلة النضج الفني مع فيلم «دعاء الكروان» (1959) الذي اختير واحدا من أفضل ما أنتجته السينما المصرية، وكانت قصته مستندة على رواية لعميد الأدب العربي طه حسين. ومن هذا الفيلم بدأت بانتقاء أدوارها بعناية، وتلاه تمثيلها بطولة فيلم «نهر الحب» (1960) الذي كان مستندا على رواية ليو تولستوي الشهيرة «آنا كارنينا»، وفيلم «لا تطفئ الشمس» (1961) عن رواية إحسان عبد القدوس، وفيلم «لا وقت للحب» (1963) عن رواية يوسف إدريس.
وحصلت فاتن حمامة على كثير من الأوسمة والتكريمات طيلة حياتها، وكان آخر ظهور علني لها في مايو (أيار) الماضي، حين التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال فترة ترشحه للرئاسة مجموعة من الفنانين، وحرص على تحيتها ومصافحتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».