شكّل ادعاء المحقق العدلي القاضي فادي صوّان، في ملف انفجار مرفأ بيروت، على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب وثلاثة وزراء سابقين، نقطة تحوّل في مسار التحقيق المستمرّ منذ ثلاثة أشهر، والذي أفضى حتى الآن إلى توقيف 25 شخصاً بينهم مديرون عامّون وضبّاط كبار وموظفون في المرفأ وإدارات رسمية أخرى.
وسارعت قيادات سياسية ومرجعيات دينية إلى تطويق مفاعيل قرار صوّان والحدّ من تأثيراته، كي لا يشكّل مدخلاً لملاحقات مماثلة قد تطال رؤساء ووزراء وقضاة ومسؤولين، كانوا على اطلاع على وجود آلاف الأطنان من «نترات الأمونيوم» في مرفأ بيروت، وتبادلوا المراسلات بشأنها، وهو ما أشارت إليه مصادر مقرّبة من القاضي صوّان، أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «قائمة الاستدعاءات طويلة، وستشمل كلّ من يتوجب الاستماع إليه كشاهد، أو استجوابه كمدعَى عليه».
وحتى الآن لا يبدو أن القاضي صوّان في وارد إخلاء سبيل أيٍّ من المدعى عليهم الـ25، قبل ختم التحقيق وصدور القرار الاتهامي، وأفادت المصادر المقرّبة منه بأن «القائمة قد تطول في الأيام المقبلة، في ضوء المستجدات التي تطرأ على التحقيق»، معتبرةً أن المرحلة السابقة «اقتصرت على ملاحقة وتوقيف موظفين في المرفأ من إداريين وأمنيين وعمّال توفّرت الشبهات الكافية على ارتكابهم الإهمال والتقصير، والتراخي في اعتماد معايير السلامة في تخزين الأمونيوم، وتجاهل وجود الكثير من المواد الشديدة الاشتعال بالقرب منها». وشددت على أن المرحلة الجديدة «ستعتمد مبدأ محاسبة أصحاب القرار من وزراء وسياسيين ورؤساء أجهزة أمنية وحتى قضاة كانوا على تماسٍّ مباشر مع ملف النترات، ولم يتخذوا القرار المناسب بإزالتها رغم معرفتهم المسبقة بخطورتها».
وكان التحقيق العدلي في هذه القضية قد انطلق في 17 أغسطس (آب)، واستهله صوّان باستجواب مدير عام الجمارك بدري ضاهر، وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، واستتبعه باستجواب وتوقيف مدير عام الجمارك السابق شفيق مرعي، ثم رئيس مرفأ بيروت المهندس حسن قريطم، ومدير عام النقل البري والبحري المهندس عبد الحفيظ القيسي، ومسؤول المخابرات في المرفأ العميد طوني سلّوم، لتصل قائمة التوقيفات إلى 25 شخصاً بينهم كبار موظفي الجمارك في المرفأ، بالإضافة إلى ضابطين في أمن الدولة وضابطين في الأمن العام، عدا عن العمّال ومتعهدي الأشغال والصيانة.
ولم تقتصر الملاحقات القضائية على الموقوفين، إذ استجوب القاضي صوّان في مرحلة لاحقة ثمانية أشخاص مدعَى عليهم، تركهم بسندات إقامة، باعتبار أن المسؤولية التي أُسندت إليهم في ورقة الادعاء لا تستوجب التوقيف، في حين استمع إلى 41 شاهداً، أبرزهم رئيس الحكومة حسّان دياب، ووزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، وأسلافها: «ألبيرت سرحان، وسليم جريصاتي، وأشرف ريفي»، ووزير الأشغال الحالي ميشال نجّار وأسلافه: «يوسف فنيانوس، وغازي زعيتر، وغازي العريضي»، ووزير المال الحالي غازي وزني، والسابق علي حسن خليل.
ولم يستثنِ التحقيق عدداً من القضاة، سواء في هيئة القضايا في وزارة العدل الذين كانوا يتلقون مراسلات الأجهزة الأمنية والوزارات، أو قضاة الأمور المستعجلة الذين تلقوا مراسلات تطالبهم بإصدار قرار بإتلاف «نترات الأمونيوم» أو إعادة تصديرها إلى بلد المنشأ. كما شمل التحقيق عدداً من الشهود وعلى رأسهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للجمارك وضبّاط كبار حاليون وسابقون في الجيش اللبناني.
ولا تقف تداعيات الادعاء على رئيس الحكومة والوزراء، عند الرفض السياسي لهذا الإجراء، بل أسست لخلاف قانوني بين المحقق العدلي القاضي صوّان وبين النيابة العامة التمييزية التي تعدّ شريكاً أساسياً في التحقيقات كونها سلطة الادعاء، وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن إجراءات القاضي صوّان «خالفت المعايير القانونية واتباع أصول إجراءات الملاحقة»، معتبراً «أن لا صلاحية للمحقق العدلي في الادعاء على رئيس الحكومة ووزراء، خصوصاً أن بعض الوزراء يحظون بحصانة نيابية وحصانة من نقابة المحامين، والقاضي صوّان لم يطلب رفع هذه الحصانات قبل الادعاء»، مشيراً إلى أن «الاختلاف بات كبيراً بين رأي النيابة العامة التمييزية التي ستطلب في مطالعتها القانونية منع المحاكمة عنهم لعدم الاختصاص، وبين المحقق العدلي الذي يتجه لاتهامهم، ويبقى قراره نافذاً ومبرماً».
وفيما كان صوّان ينتظر تقرير الخبراء الفرنسيين الذين أجروا مسحاً شاملاً لموقع الانفجار وأرض المرفأ ورفعوا عينات من الأتربة والأبنية المحيطة ومن مياه البحر، لتحديد أسباب الانفجار وما إذا كان نتيجة استهداف خارجي أو خطأ تقني وإهمال أدى إلى اندلاع حريق أوصل إلى تفجير «نترات الأمونيوم»، بدأ التحقيق يسلك مسارات جديدة، بعد الادعاء على رئيس الحكومة ووزراء وعلى رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، وكشفت المصادر المقربة من القاضي صوّان أن «كلّ الادعاءات التي قد يلجأ إليها المحقق العدلي تبقى رهن تطورات الملفّ». ورأت أن «مسار التحقيق لن يتأثر بالحملات الإعلامية التي أعقبت الادعاءات ضدّ السياسيين».
وعمّا إذا كان الادعاء على رئيس الحكومة والوزراء الثلاثة، جاء ردّاً على تجاهل المجلس النيابي لقرار إحالة هؤلاء مع عدد من الوزراء وطلب ملاحقتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أكدت المصادر أن القاضي صوّان «طالب البرلمان بملاحقتهم عن المسؤولية السياسية، المسمّاة (الإخلال بالواجبات الوظيفية)، أما الادعاء عليهم من المحقق العدلي، فانحصر بالشق الجزائي، وتقصيرهم في المعالجة، وهم بهذه الحالة متساوون مع باقي الموقوفين والمدعى عليهم بالمسؤولية الجزائية».
أما بشأن امتناع المحقق العدلي عن الادعاء على وزراء عدل حاليين وسابقين كان قد أحالهم إلى المجلس النيابي وطلب ملاحقتهم، فاكتفت المصادر بالقول: «التحقيق لم ينتهِ بعد والأمور رهنٌ بخواتيمها».
المحقق العدلي في ملف المرفأ يشير إلى «لائحة استدعاءات طويلة»
جدل قانوني وقضائي حول ملاحقة رئيس الحكومة والوزراء
المحقق العدلي في ملف المرفأ يشير إلى «لائحة استدعاءات طويلة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة