الموت يُغيّب الكاتب المصري نبيل فاروق... «رجل المستحيل»

الكاتب الراحل نبيل فاروق
الكاتب الراحل نبيل فاروق
TT

الموت يُغيّب الكاتب المصري نبيل فاروق... «رجل المستحيل»

الكاتب الراحل نبيل فاروق
الكاتب الراحل نبيل فاروق

غيّب الموت، الأربعاء، الكاتب المصري، نبيل فاروق رمضان، إثر إصابته بأزمة قلبية، عن عمر يناهز 64 عاماً. ومن المقرر تشييع جنازته، الخميس، من مسجد طلعت مصطفى في مدينة الرحاب (شرق القاهرة).
وعبّر عدد كبير من الكتاب والإعلاميين عن حزنهم الكبير لرحيل فاروق، ونعت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية، فاروق، وقالت في بيان إن فاروق «يمثل علامة بارزة في الكتابة الروائية البوليسية التي تربّت عليها أجيال من أبناء مصر والتي ساهمت في تشكيل وعيهم وفكره». كما نعى سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، الكاتب الكبير، وأكد أن مؤلفات فاروق البوليسية «ستظل شاهدة على هذا المبدع المتميز وتراثا تتوارثه الأجيال. وتظل شاهدة على إبداعه الفني».
نبيل فاروق المولود في فبراير (شباط) عام 1956 تخرج في كلية الطب، واشتهر بالأدب البوليسي والخيال العلمي، وصدرت له مجموعة كبيرة من القصص ضمن سلسلة روايات مصرية للجيب وقدّم سلاسل قصصية عدة، من أشهرها «ملف المستقبل»، و«رجل المستحيل»، و«كوكتيل 2000»، وتميزت مؤلفاته بانتشار لافت في العالم العربي.
بدأ نبيل فاروق اهتمامه بالقراءة منذ طفولته، وكان والده يشجعه على ذلك. بدأ محاولات الكتابة في المدرسة الإعدادية. وانضم إلى جماعة الصحافة والتصوير والتمثيل المسرحي في المدرسة الثانوية. وحصل على جائزة من قصر ثقافة طنطا عن قصة «النبوءة»، وذلك عام 1979، والتي أصبحت في ما بعد القصة الأولى في سلسلة «كوكتيل 2000».
ويرى كتاب ومثقفون مصريون، من بينهم إيهاب الملاح، أن للكاتب الراحل بصمة مميزة في مجال الأدب المصري، خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ويقول لـ«الشرق الأوسط«، «نجح فاروق في ترسيخ مبدأ أهمية القراءة لدى صغار السن الذين كنت أنا من بينهم في نهاية السبعينات من القرن الماضي؛ إذ كنا نرى إعلانات مؤلفاته المطبوعة على الغلاف الخلفي للكتيبات المدرسية بشيء من الانبهار، وبدأنا طريقنا في عالم القراءة والأدب من خلال أعماله الشيقة والممتعة«، لافتاً إلى «أنها كانت جسراً قوياً للعبور إلى أشكال الأدب كافة».
ويؤكد الملاح، أن «فاروق تميز بطابع خاص في معظم مؤلفته، حيث السرد المشوق، والممتع، كما تميز بحفاظه على صورة الضابط المصري الوطني، لدرجة جعلت الكثير من أبناء جيلنا والأجيال اللاحقة يحلمون بالالتحاق بجهاز المخابرات المصري من فرط ما قرأوه من أعمال الأديب الراحل».
ووفق الملاح، فإن «الأديب الراحل ظل محافظاً على مكانته الأدبية في مجال أدب الخيال العلمي نحو عشر سنوات خلال حقبة الثمانينات، حتى ظهر الأديب والطبيب الراحل أحمد خالد توفيق في أوائل التسعينات من القرن الماضي، والذي استطاع سحب البساط تدريجياً من تحت قدمي فاروق، لكنه ظل صاحب مكانة مرموقة ومهمة في عالم الأدب المصري خلال العقود الماضية».



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وسط الأجواء المثقلة بالهموم والخوف أعادت رسالة هاتفية بعض الأمل إلى سكان مدينة بيروت، معلنةً عودة أمسيات «مترو المدينة». يتحدث أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، مع «الشرق الأوسط» عن ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها إلى ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطلَ هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إنْ توقّفت النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إنْ تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة، «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».