الرئيس اللبناني يدعو القضاء لمتابعة اتهامات الفساد الموجهة لمسؤولين

«الاشتراكي» يحذر من انتقائية التحقيقات ويصف عهد عون بـ«الكارثة»

الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى (دالاتي ونهرا)
TT

الرئيس اللبناني يدعو القضاء لمتابعة اتهامات الفساد الموجهة لمسؤولين

الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مجتمعاً أمس مع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى (دالاتي ونهرا)

دعا الرئيس اللبناني ميشال عون إلى تفعيل عمل الجهاز القضائي ومتابعة الاتهامات التي توجه إلى المسؤولين، في وقت شكك «الحزب التقدمي الاشتراكي» في الاتهامات والتحقيقات التي تحصل أخيرا تحت خانة «الإثراء غير المشروع» واعتبر أن عهد عون «كارثة على لبنان».
والتقى عون رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وعدداً من أعضاء المجلس حيث كان عرضا للأوضاع القضائية وعمل المحاكم، وأكد على «ضرورة تفعيل العمل القضائي والإسراع في النظر في القضايا العالقة أمام المحاكم»، مشيرا إلى أن «الاتهامات التي توجه إلى المسؤولين لا يجوز أن تبقى من دون متابعة والاستماع إلى مطلقي هذه الاتهامات على سبيل الشهادة على الأقل لإثبات البينات والأدلة التي في حوزتهم».
ويأتي كلام عون في وقت تنشر في الفترة الأخيرة تقارير إعلامية حول فساد المسؤولين على مختلف المستويات، وبروز اتهامات وتحقيقات مع بعض المسؤولين والموظفين في المؤسسات العامة، وهو ما رأى فيه «الحزب التقدمي الاشتراكي» انتقائية ونتيجة ضغوط على القضاء.
وشن النائب في «الاشتراكي» بلال عبد الله، هجوما على رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر»، واصفا إياه بـ«التيار الليموني» على خلفية الاتهامات التي وجهت إلى وزارة المهجرين وموظفين محسوبين على «الاشتراكي» متحدثا عن محاولات للنيل من فريقه السياسي وعن غرف سرية في القصر الجمهوري.
وقال «فيما يخص بعض ما تتداوله وسائل الإعلام عن الإنجازات البطولية الدونكيشوطية للتيار الليموني البرتقالي حول وزارة المهجرين وصندوق المهجرين، ليس لدينا أي مانع في أن تكون هناك محاسبة من أي فاسد من أي قطاع، ومنها وزارة المهجرين».
وأضاف «نعرف أن هذا الملف كان شائكا، ملف يرتبط بالمصالحة الوطنية الداخلية، والأكيد أنه حصلت تجاوزات. لا نخفي هذا الموضوع، لكن الانتقائية الكيدية التي يمارسها بعض الوزراء، وزراء الصدفة السابقين والحاليين، للنيل من فريق سياسي نمثله نحن، لن نسمح بها مع احترامنا لكل ما يسمى محاربة الفساد».
وأشار إلى أن قانون الإثراء غير المشروع لم تعين له هيئة بعد، سائلا «هل يجوز أن يبحث في ملف شخص متوف منذ عشر سنوات؟ وأكد «هذه الانتقائية مورست بالضغط على القضاء، ونعرف الغرفة السرية في القصر الجمهوري ومن يديرها وكيف تتوجه انتقائيا».
وأكد أن أي متهم، أكان اشتراكيا أو غير اشتراكي يثبت أنه فاسد، مكانه السجن. لكن الانتقائية والكيدية باستخدام القوانين أمر غير مسموح. ودعا إلى «فتح كل الملفات لكن نتمنى على القضاء العادل ومجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز أن يأخذوا هذا الملف في الإطار الصحيح والتصويب الصحيح والتحقيق الدقيق».
وكانت هيئة القضايا في وزارة العدل قد تقدمت بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية، ضد 17 موظفا في وزارة المهجرين بجرم الإثراء غير المشروع.
ومن المعروف أن وزارة المهجرين كانت في معظم السنوات الماضية من حصة الحزب التقدمي الاشتراكي، وهي كانت أنشئت بعد الحرب اللبنانية للتعويض ماديا على المهجرين من بلداتهم عبر دفع مبالغ مادية لهم.
وفي موقف مشابه، وصف النائب في «الاشتراكي» أيضا وائل أبو فاعور عهد الرئيس ميشال عون بالكارثة على لبنان ليعود بعدها ويرد عليه النائب في «التيار الوطني الحر» سيزار أبي خليل.
وقال أبو فاعور في حديث تلفزيوني «إن التقييم الموضوعي لتجربة الرئيس عون يقول إنها كانت كارثية على لبنان ودمرت ما تبقى من الوحدة الوطنية»، معتبرا أن «جبران باسيل هو سر رئيس الجمهورية ولا يمكن الفصل بينهما».
ورأى أن «هناك تصرفا من قبل الرئيس عون تحديداً لا يوحي بشعور فعلي بحجم الأزمة التي يمر بها البلد»، لافتا إلى أن هذا العهد تلاعب بأسس تكوين لبنان وبالوحدة الوطنية وبعثر علاقات لبنان الدولية، قائلا «لا توجد دولة عربية مستعدة لأن تضع يدها معنا ونحن نعيش في مقاطعة عربية».
وهذا الاتهام استدعى ردا من أبي خليل رافضا ما رأى فيه تطاولا على رئيس الجمهورية، وكتب في تغريدة له على «تويتر» «طالعنا اليوم ربيب الميليشيا وملحق الإقطاع يتطاول ويقيم تجربة الرئيس عون وكأن الناس لا تعرف من تلاعب بكيان الوطن وبالاستقرار الأمني وعمل على ضرب الوحدة الوطنية عبر سياسة الغيتوات... استتروا».



جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
TT

جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

«نعيش الخوف المتواصل كل ليلة»... بهذه العبارة تلخص اللبنانية جمال خ، ما تعيشه في منطقة عين الرمانة المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية، وذلك في معرض وصف مشاعرها ومشاعر عائلتها على وقع القصف الإسرائيلي للضاحية. وعين الرمانة كما سكانها، تحمل ذكريات أليمة؛ فهي كانت منطلق الحرب الأهلية اللبنانية، ثم بقيت سنوات طويلة خط تماس مفتوحاً بين المتحاربين.

جمال لم تغادر منزلها حتى الساعة، وتصف إيقاع يومياتها قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نسارع لتأمين احتياجاتنا قبل الظهر على وقع صوت المسيّرات، ولكن اعتباراً من الثانية بعد الظهر، نلازم المنزل خوفاً من الغارات».

وتشبه حياة جمال وعائلتها يوميّات آلاف المواطنين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق المتاخمة للضاحية الجنوبية. وقد عاش أبناء هذه المناطق كل الحروب التي عصفت بلبنان ومآسيها، ويعيشون اليوم حرباً جديدة قد لا يكون لها تأثير مباشر عليهم لجهة التدمير، إنما لها كل التأثيرات الأخرى للحروب من خوف وقلق، وسماع دوي القصف والغارات التي تتركز خلال ساعات الليل.

أيام صعبة

وعاشت الضاحية عشرة أيام صعبة خلال الأسبوعين الماضيين، وكانت تتلقى كل ليلة تهديدات وطلبات لإخلاء الأبنية، كما نفذت فيها إسرائيل اغتيالات، استهدف أحدها أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، واستهدف آخر خليفته هاشم صفي الدين، وقياديين آخرين، منهم الشيخ نبيل قاووق الذي استهدفته غارة جوية في منطقة الشياح الموازية لعين الرمانة. لكن وتيرة قصف الضاحية تراجعت منذ يوم الخميس الماضي، حيث لم تُسجل أي غارة، رغم طلب إخلاء بعض الأبنية الصادر عن الجيش الإسرائيلي.

أطفال يلاعبون قطة في شاحنة تستخدمها عائلات نزحت من الجنوب اللبناني (إ.ب.أ)

وتقول جمال: «هذه الحرب تختلف عن حرب يوليو (تموز) 2006، والواضح أن نوع السلاح المستخدم يفوق بدرجات ما كان يستعمل في عدوان تموز»، مشيرة إلى أنه «مهما كانت المنطقة المستهدفة في الضاحية الجنوبية، فإن صوت الغارة يدوّي بشكل كبير ويُحدث هزات في زجاج الأبنية في المناطق المحيطة».

وتضيف: «في السنوات الأخيرة، اعتقدنا أننا ارتحنا من رعب الحروب، إلا أننا للأسف نعيش يومياتها، وبشكل أسوأ من كل ما مرّ على لبنان سابقاً».

تهجير جديد

وكما عين الرمانة، يعيش جيران الضاحية في مناطق الحدث وبعبدا والحازمية وفرن الشباك (تسكنها أغلبية مسيحية)، القلق نفسه.

وتقول إليز، التي تعيش في عين الرمانة وتعمل في الحدث: «لا أستطيع أن أصف الشعور الذي عشناه. بيتنا يفصله خط واحد عن منطقتي الشيّاح والضاحية. وقبل أيام شنوا غارة خلف البيت، وهذا ما شكّل رعباً لنا، خصوصاً أن والدي مريض. هربنا حاملين أحلامنا ومخاوفنا وذكرياتنا». وتضيف باكية: «إنها ليست المرة الأولى التي نتهجّر فيها، ولكن هذه المرة الجرح كبير، ونشعر وكأن العودة إلى البيت لن تكون آمنة مع كل الأحداث!».

حياة مختصرة

ويجمع سكان محيط الضاحية على أن «هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب التي مرّت بنا، ولا تقارَن حتى بحرب تموز من حيث الأصوات والخوف الذي نعيشه».

دخان بعد قصف على الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي (أ.ب)

وتقول برنا ن، التي تعيش في فرن الشبّاك: «بين الترقب والخوف، نتسمّر قبالة شاشة التلفاز. هذا مختصر يومياتنا». وتضيف: «التوتر والإرهاق من الخوف وعدم النوم يرافقنا منذ أسابيع، منذ بدء التطورات الميدانية التي تطول الضاحية».

أما زينة ع، التي تسكن في تحويطة فرن الشباك مع عائلتها المؤلّفة من طفلين، فتقول إن حياتها تم اختصارها بين الذهاب إلى العمل، والعودة بسرعة إلى البيت، «بعد أن أشتري ما ينقصنا سريعاً». وتتابع: «دائماً نحن مرتابون. نخاف الجلوس على الشرفات أو الخروج في المساء، وفي الليل نتناول الحبوب المهدئة علّنا نتمكن من النوم قليلاً، لكننا نفكر بأن وضعنا لا يزال أفضل من أهالي الضاحية الذين تهجّروا أو قُتلوا أو جُرحوا».

أقسى الحروب منذ 1975

في الحدث، يعيش إسكندر، الذي اختبر الحروب المتعاقبة على لبنان منذ عام 1975، ولم يترك بيته خلال تلك الحروب، لكنه بسبب تقدمه في السن، يعيش الآن حالة ترقّب وخوف وانتظار. ويقول: «نشاهد القصف وكأنه مسرح مفتوح أمامنا، لا سيما حين يستهدف القصف مناطق الليلكي وبرج البراجنة وحارة حريك».

ويصر إسكندر على عدم المغادرة. ورغم أن السكان لم يحصلوا على ضمانات، لكنه مطمئن إلى أنه «لا مخازن للأسلحة في المنطقة، ولا مراكز لـ(حزب الله)؛ لذلك يُفترض ألا نتعرّض لأي غارات».

أنقاض مبانٍ مدمرة بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

إبادة جماعية

ويؤكد إسكندر، الذي عاصر كل الحروب التي مرّت على لبنان، أن «ما نعيشه اليوم هو نوع من أنواع الجنون؛ فهي ليست معركة بين جيشين، إنما عملية إبادة جماعية».

وعلى رغم قساوة المشهد في عام 1982 عندما دخل الإسرائيليون إلى بيروت وحاصروا بيروت الغربية وضواحيها، «فإن ما نعيشه اليوم هو أقسى بأشواط». ويقول: «ما يحصل اليوم هو حصار مفروض من البحر والجو... حصار مطلق على الضاحية ومحيطها».

ولا ينفي إسكندر أنه «حزين على وطني، وعلى أولادي الذين غادر آخرهم قبل أسبوع!»، ويضيف بحرقة: «لقد تشتّتت العائلة اللبنانية!». ويسأل: «ألا يوجد صوت في كل العالم يدعو إلى إيقاف هذا الجنون وهذا القتل وهذه المذبحة التي تحصل بحق لبنان؟!»، متمنياً أن يرتاح لبنان من الحروب «بعد هذا العمر والتجارب المقلقة». ويتابع: «ألا يستحق لبنان أن يتم التعامل معه من قبل الدول بشكل أفضل؟!».