«علاج ميكروبي» لأمراض البيئة المستعصية

«علاج ميكروبي» لأمراض البيئة المستعصية
TT

«علاج ميكروبي» لأمراض البيئة المستعصية

«علاج ميكروبي» لأمراض البيئة المستعصية

كما أن هناك العديد من الطرق التي تستهدف علاج البشر بإعادة التوازن إلى المجتمع الميكروبي داخل الجسم «ميكروبيوم»، فإن الميكروبات تملك أيضاً الحل لأمراض البيئة المستعصية، وهو ما أكده فريق بحثي أميركي نجح في استخدامها في علاج أحد هذه الأمراض. ويثار القلق دوماً بشأن زوج من المواد الكيميائية المكلورة المعروفة باسم «ثلاثي كلورو الإيثيلين» و«البيركلورات»، حيث تستخدم الأولى على نطاق واسع كعامل لإزالة الشحوم، وتستخدم الأخرى في تصنيع الوقود.
ونظراً للاعتماد واسع النطاق على هذه المواد الكيميائية والتخلص غير السليم منها، فإنها وجدت طريقها إلى البيئة، ما يشكل مخاطر كبيرة على صحة الإنسان والنظم البيئية المحيطة، ففي جميع أنحاء أميركا على سبيل المثال، تشكِّل مواقع النفايات الخطرة تهديداً مستمراً لصحة الإنسان والبيئة، وتُعرف الحالات الأكثر خطورة بالمواقع الملوثة، أو «الصناديق الفائقة»، ويوجد منها حالياً أكثر من ألف حالة، ويعيش نحو 50 مليون أميركي على بُعد ثلاثة أميال من إحدى هذه المناطق، ما قد يعرّضهم لخطر متزايد للإصابة بالسرطان وأمراض خطيرة أخرى.
ولطالما كان العلاج البيولوجي لإزالة مواد «ثلاثي كلورو الإيثيلين» و«البيركلورات» شديدة السمية من تلك المواقع، يمثل تحدياً كبيراً للعلماء، خصوصاً عندما تكون موجودة في الخلائط، حيث تبقى هذه المواد الكيميائية المكلورة بعناد في البيئة، وأحياناً تلوث أنظمة مياه الشرب. وفي دراسة جديدة نُشرت في العدد الأخير من دورية «العلوم البيئية والتكنولوجيا»، اكتشف الباحثون في مركز «بيوديزاين سويت للتكنولوجيا الحيوية البيئية» بجامعة أريزونا، طريقة جديدة لتخليص البيئة من هذه المواد الكيميائية السامة، حيث تعتمد على إضافة «الحديد الزيروفالي» مع مزارع ميكروبية تحتوي على ميكروب غير عادي يُعرف باسم «ديهالوكوكويدس مكارتي -Dehalococcoides mccartyi»، إلى عينات التربة والمياه الجوفية من موقع للصناديق الفائقة الملوث في غوديير بولاية أريزونا.
ويصف الباحثون كيف يمكن لبكتيريا «ديهالوكوكويدس» أن تعمل بالتآزر مع «الحديد الزيروفالي»، لتحويل «ثلاثي كلورو الإيثيلين» و«البيركلورات» إلى منتجات نهائية حميدة أو أقل سمية قابلة للتحلل البيولوجي الميكروبي، حيث وجدوا أنه باستخدام تركيزات منخفضة منهما، تم تثبيط «ثلاثي كلورو الإيثيلين» وتحويل «البيركلورات» إلى أيونات الإيثين والكلوريد غير الضارة.
يقول سريفاتسان موهانا رانغان، المؤلف الرئيسي للدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة أريزونا يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني): «عادةً ما تحتوي البيئات الملوثة على أكثر من ملوث سام، ومع ذلك، لدينا معلومات محدودة لإدارة البيئات ذات الملوثات المتعددة، ويمكن أن يساعد التآزر بين التفاعلات الميكروبيولوجية والتفاعلات اللاأحيائية في تحقيق العلاج الناجح للملوثات المتعددة في وقت واحد في إطار زمني أقصر». ويضيف: «توضح دراستنا سيناريوهات العلاج الناجح لـ(ثلاثي كلورو الإيثيلين) و(البيركلورات) باستخدام المزارع الميكروبية، وتمهّد الطريق لحلول ميكروبية متقدمة لمعالجة التلوث بالمواد الكيميائية المكلورة في مواقع (الصناديق الفائقة) في جميع أنحاء البلاد».
ورغم أن الدراسة أُجريت على موقع داخل الولايات المتحدة فإنها تصلح للتطبيق في كثير من الدول، للانتشار الكبير لمادتي «ثلاثي كلورو الإيثيلين» و«البيركلورات»، كما يقول الدكتور أيمن حافظ، أستاذ الكيمياء بجامعة جنوب الوادي بمصر.
ويوضح حافظ في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الطريقة التي استخدمها الباحثون تأتي ضمن إطار التوجه العالمي نحو «المعالجة البيولوجية للملوثات»، وهي مفيدة لسببين: الأول أن تتجنب استخدام المواد الكيميائية في معالجة التلوث وإزالته، ومشكلة استخدام هذه المواد أنها يمكن أن تصل في النهاية إلى إمدادات المياه، كما أنها تسمح بإعادة تدوير النفايات واستغلالها بعد تخليصها من مسببات التلوث.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.