«البنتاغون» ينفي عدم التعاون مع فريق بايدن الانتقالي

«نيويورك تايمز»: عمل ترمب اليومي منصبّ على قلب نتائج الانتخابات

«البنتاغون» ينفي عدم التعاون مع فريق بايدن الانتقالي
TT

«البنتاغون» ينفي عدم التعاون مع فريق بايدن الانتقالي

«البنتاغون» ينفي عدم التعاون مع فريق بايدن الانتقالي

قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية إن قادة أجهزة المخابرات العسكرية سيبدأون الاجتماع مع أعضاء الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب جو بايدن، اليوم (الاثنين)، الأمر الذي من شأنه أن ينهي الأزمة التي كانت تهدد عملية نقل السلطة في أحد أهم الأجهزة الحكومية الأميركية.
ومن المقرر أن يلتقي مستشارو إدارة بايدن الجديدة مع مسؤولين في وكالة الأمن القومي ووكالة استخبارات الدفاع وغيرها من الأجهزة في مقرهم. وذلك بعدما أصدر «البنتاغون» ووزير الدفاع بالوكالة، كريستوفر ميلر، بيانات نفي يوم السبت، من أن يكون «البنتاغون» يقاوم منح فريق بايدن حق الوصول إلى الوكالات أو المعلومات حول عملياتها وميزانياتها. وقالت الوزارة في البيان: «اتهام مصادر مجهولة بأن وزارة الدفاع لم تفِ بالتزامها بنقل السلطة كاذب ومهين بشكل واضح».
وأتت تلك البيانات بعد يوم واحد من نشر صحيفة «واشنطن بوست» معلومات أفادت بقيام رئيس موظفي البنتاغون كاشياب برامود باتل، المعروف بـ«كاش»، وهو من أصول هندية ومن مؤيدي الرئيس دونالد ترمب، بمنع فريق الرئيس المنتخب من الوصول أو التواصل مع أي مسؤول في وكالات الاستخبارات الرئيسية في «البنتاغون»، رغم القرار الصادر في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من قبل إدارة الخدمات العامة الذي مهّد الطريق أمام الوكالات الحكومية لبدء التنسيق مع الإدارة المقبلة.
وكان فريق بايدن قد أعلن أنه حتى يوم الجمعة لم يكن قد شارك بشكل فعال في أي لقاء مع المسؤولين في وكالة الأمن القومي والوكالات الأخرى التي يديرها «البنتاغون»، مقابل التعاون المكثف مع المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية، ومكتب مدير المخابرات الوطنية، والوكالات المستقلة عن وزارة الدفاع.
في المقابل، أشار مسؤولان في البنتاغون إلى مشكلات «إجرائية» تتعلق بكيفية «تقديم طلب التعاون»، وقالا إن البنتاغون «اكتشف» طلب فريق بايدن في نهاية الأسبوع الماضي فقط. وأضافا أنه عندما مرت الطلبات من خلال وزارة الدفاع، تم منحها الموافقة وجدولتها بدءاً من الأسبوع المقبل. وأكّدا عدم إنكارها أو رفضها، بل تم توجيهها بحسب المسارات الصحيحة للموافقة عليها. وكان مسؤولون سابقون وحاليون في وزارة الدفاع قد أشاروا إلى أن الوزارة لا تزال تمتنع عن التعاون مع فريق بايدن، مما زاد من المشكلات التي تواجهه في إتمام عملية نقل السلطة، التي ترجع جزئياً إلى رفض ترمب الاعتراف بخسارته في انتخابات الشهر الماضي. ويواصل ترمب هجماته وتشكيكه بتلك الانتخابات، عبر استخدام تغريداته على «تويتر» بشكل مكثف، خصوصاً بعد تقارير أشارت إلى أن درجة اهتمام الجمهور بتغريداته قد تراجع بشكل كبير. وخلال الأسبوع الماضي، غرّد ترمب أو أعاد نشر نحو 145 رسالة على «تويتر» ينتقد فيها نتائج الانتخابات التي خسرها. في حين غرد 4 مرات فقط عن جائحة «كورونا» رغم عدد الإصابات القياسي لأعداد المصابين والوفيات، أعاد فيها التأكيد على صحة موقفه من التعاطي مع تفشي المرض، وبأن الخبراء كانوا مخطئين.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير عن أيام ترمب الأخيرة في البيت الأبيض، أنه بالكاد يظهر ليمارس نشاطه اليومي، وبأنه ألغى تقريباً كل اجتماعاته غير المرتبطة بجهوده لقلب نتائج الانتخابات. وأضافت الصحيفة أن ترمب يتجاهل كل الأزمات الصحية والاقتصادية، ويركز جهوده على مكافأة الأصدقاء ومعاقبة «الخائنين»، بمن فيهم بعض الحكام الجمهوريين ووزير العدل ومحطة «فوكس نيوز».
وفي اختلاف عميق مع سلوك الرؤساء السابقين، لم يقم ترمب حتى الساعة بالاتصال بالرئيس المنتخب جو بايدن، ولم يقم بدعوته إلى البيت الأبيض في تقليد يتبعه الرؤساء المغادرون. بل أشار ترمب إلى احتمال عدم حضوره حفل تنصيب بايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، في سابقة لم تحصل منذ عام 1869، وهو تقليد آخر يرمز إلى الانتقال السلمي للسلطة في الولايات المتحدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟