وثيقة للمعارضة السورية في جنيف تطالب بـ«نظام جمهوري تعددي»

تضمنت مقترحات دستورية رداً على ورقة قدمها وفد الحكومة

غير بيدرسن (د.ب.أ)
غير بيدرسن (د.ب.أ)
TT

وثيقة للمعارضة السورية في جنيف تطالب بـ«نظام جمهوري تعددي»

غير بيدرسن (د.ب.أ)
غير بيدرسن (د.ب.أ)

ردت «هيئة التفاوض السورية» المعارضة على وثيقة قدمها وفد الحكومة السورية في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، بتقديم ورقة لـ«المبادئ الوطنية كمضامين دستورية» في أربع صفحات، تضمنت الكثير من العناصر، بينها أن يكون النظام السياسي «جمهورياً» يقوم على «التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام الدستور ومبادئ السيادة الوطنية».
وانتهت أول من أمس اجتماعات الجولة الرابعة للجنة، بإعلان المبعوث الأممي غير بيدرسن: «يسعدني جداً أن اللجنة اتفقت وأظن أنها المرة الأولى التي تنجح في ذلك، إذ اتفقنا على برنامج اجتماعنا المقبل وموعده» في 25 يناير (كانون الثاني) المقبل.
والتقت اللجنة الدستورية المؤلفة من 45 شخصاً، يمثلون مناصفة السلطات السورية والمعارضة والمجتمع المدني، الاثنين، في جنيف، للمرة الرابعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وأوضح بيدرسون أن المحادثات خلال الاجتماع المقبل «ستتناول المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية للدستور».

الصفحة الأولى من الوثيقة التي قدمها وفد «هيئة التفاوض السورية» المعارضة في جنيف
كان رئيس وفد الحكومة السورية أحمد الكزبري، إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، قدم إلى فريق المبعوث الأممي وثيقة تضمنت مواقف أكثر تشدداً وتفصيلاً من الأوراق الحكومية السابقة، بينها مطالبتها ممثلي «هيئة التفاوض» المعارضة والمجتمع المدني بـ«رفض الأعمال الإرهابية»، بما في ذلك «الإرهاب الاقتصادي»، ومساواة الوثيقة بين «داعش» و«الإخوان المسلمين»، إضافة إلى «إدانة الاحتلال الأجنبي من تركيا وإسرائيل وأميركا»، من دون أي إشارة إلى إيران وروسيا. كما صعدت الوثيقة ضد «الإدارة الذاتية» الكردية لدى رفضها «أي أجندة انفصالية».
في المقابل، قدم رئيس وفد «الهيئة» هادي البحرة، وثيقة مضادة من أربع صفحات، لخصت مداخلات وفد المعارضة للدستور السوري المقترح. وحسب النص، الذي حصلت «الشرق الأوسط» عليه، فإن «الدولة السورية دولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة، وتلتزم بمبادئ حسن الجوار، وبناء أفضل العلاقات مع محيطها الإقليمي والدولي، اعتماداً على مبدأ السيادة الوطنية والقانون الدولي، وتلتزم بإعادة الجولان المحتل بكافة الوسائل المشروعة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي». وأن الدولة «تتمتع بكامل السيادة الوطنية على قدم المساواة مع غيرها من الدول، وتلتزم بعدم التدخل في شؤونها».
واقترحت الوثيقة أن يكون «نظام الحكم في الدولة جمهورياً ديمقراطياً تداولياً، يقوم على التعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وأن الشعب السوري متعدد القوميات والأديان، يملك السيادة وهو مصدر السلطات، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بنفسه ولنفسه، ويمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور، وأن يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية، وعن طريق صناديق الاقتراع بدون تدخل خارجي، وفقاً لحقوق الدولة السورية»، إضافة إلى «مناهضة جميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية، وتلتزم بمكافحتها ومعالجة أسباب انتشارها».
كما اقترحت إحداث هيئتين، واحدة للمهجرين وثانية لحقوق الإنسان. وقالت: «لا يجوز حرمان أي عضو من الشعب من جنسيته»، مضيفة أن «هذه المضامين الدستورية المقترحة صالحة للبناء عليها وصياغتها لتكون ضمن المبادئ الأساسية في الدستور الجديد للبلاد، وأن تكون محل إجماع الشعب بكل أطيافه ومكوناته، مع تأكيدنا أن لا وجود لمبادئ وأسس يمكن وصفها بالوطنية خارج إطار الدستور».
وتجري اجتماعات اللجنة الدستورية بموجب مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي بداية العام الماضي، لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي نص على إصلاح دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية.

 



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.