القضاء اللبناني يغرق في ملفات «الإثراء غير المشروع»

TT

القضاء اللبناني يغرق في ملفات «الإثراء غير المشروع»

تسارعت وتيرة فتح ملفات الفساد في لبنان، التي تستهدف كبار الموظفين، وقيادات عسكرية وأمنية، وقد تطال وزراء وسياسيين في مرحلة لاحقة، وبدا تحريك هذه القضايا دفعة واحدة أنه أشبه برسائل إلى بعض القيادات والأحزاب، في وقت يشكو فيه معارضون من أنه «لم ينطلق أي تحقيق مسلكي أو إداري أو قضائي بالوزارات والإدارات التي تشكّل مكمن الهدر، وسبباً رئيسياً لتراكم الدين العام».
وفي جديد الملفات القضائية التي برزت الدعوى التي تقدّمت بها هيئة القضايا في وزارة العدل أمام ​النيابة العامة التمييزية، ضد 17 موظفاً في ​وزارة المهجرين​ بجرم الإثراء غير المشروع، بالاستناد إلى تصريح هؤلاء عن ممتلكاتهم حديثاً، سندا إلى قانون الإثراء غير المشروع المعدّل، حيث باشرت النيابة العامة التمييزية درس آلية التحقيق في هذا الإجراء غير المسبوق، والمستند إلى قانون جديد يمكن من خلاله ملاحقة كل موظفي​الدولة​ والرؤساء والوزراء والنواب أمام ​القضاء​ العدلي.
ولا تشكّل هذه الدعاوى إحراجاً للمدعى عليهم فحسب، بل تربك النيابات العامة، إذ كشف مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «قانون الإثراء غير المشروع الجديد، يسمح لأي كان بالادعاء على أي موظّف من دون دليل»، مشيراً إلى أن «شكوى هيئة القضايا ضدّ كبار الموظفين في وزارة المهجّرين، انطلقت على أثر تصريح هؤلاء عن أموالهم، واستناداً إلى التفاوت بين معيشتهم وأوضاعهم الاجتماعية وبين الرواتب التي يتقاضونها». ورأى أن «الإرباك الحقيقي يتمثّل بقدرة هيئة القضايا على التقدّم بدعاوى من دون دليل، والطلب إلى النيابة العامة البحث عن الأدلة التي تدين كبار الموظفين وحتى الوزراء الذين فقدوا حصاناتهم بمقتضى هذا القانون».
وبموجب القانون الجديد، يتعيّن على الموظفين إثبات مصادر ثرواتهم بعد الادعاء عليهم جزائياً ودعوتهم إلى التحقيق، بمجرد بروز المظاهر الاجتماعية عليهم، واعتبر نقيب المحامين الأسبق والوزير السابق رشيد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحملة لا تنعزل عن حفلة الوهم المسماة (التدقيق الجنائي)، ولا عن تعطيل تشكيل الحكومة». وقال «لا أجزم بأن الأداء القضائي لن يتأثر بالضغوط السياسية». ولفت درباس إلى أن «الوسيلة الفضلى أنه عندما يتهمك أحد بالإخفاق والفشل في إدارة الدولة، أن تتهمه بالفساد». وشدد نقيب المحامين السابق على أن «ما نشهد الآن يعبّر عن الصورة الحقيقية لانهيار الدولة، وما نسمعه من أصوات هو ارتطام أعضاء هذه الدولة بالأرض».
وكانت النيابة العامة في بيروت ادعت يوم الثلاثاء الماضي، على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، و6 جنرالات آخرين متقاعدين، بينهم مديرو المخابرات السابقون، بجرم «الإثراء غير المشروع وصرف النفوذ وجني الثروات المالية». وحدد قاضي التحقيق الأول في بيروت يوم الخميس المقبل موعداً لاستجوابهم، فيما اعترفت المديرية العامة للأمن العام في بيان أنها «بدأت بإجراء تحقيق منذ عشرة أيام مع عسكريين يُشتبه بقيامهم بعمليات اختلاس». وأكدت أن التحقيق «يتم بسرية تامة بإشراف القضاء المختص لتحديد المتورطين، وقيمة المبالغ المختلسة في حال وجودها». وهنا أوضح المصدر القضائي أن «الادعاء على قهوجي ورفاقه، جاء بالاستناد إلى معلومات موثقة بينها أجوبة من مصارف تكشف الأرقام الكبيرة لودائعهم في البنوك». وأكد أنه «بمراجعة الدوائر العقارية ثبت امتلاك كلّ منهم عدداً من العقارات والمنازل الفخمة».
من جهته، عبّر رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي والخبير القانوني بول مرقص، عن خشيته من «تصفيات سياسية تقف وراء هذه الملفات». وعبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن اعتقاده بأنه «لم تنضج بعد الإرادة السياسية لدى الأحزاب اللبنانية، للتضحية بزبائنها في الوزارات والإدارات والصناديق». وعن الخلفية الحقيقية وراء تحريك هذه الملفات، اعتبر مرقص أن «الطبقة السياسية في لبنان تبعث برسائل إلى المجتمع الدولي، وإظهار أنها جادة في عملية الإصلاح ومحاربة الفساد، لكن الرأي العام الداخلي لم يتلقف مثل هذه المبادرات ولم يقتنع بها، وأخشى أن يكون المجتمع الدولي لديه القناعة نفسها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.