ديبرصيون جبريميكئيل... الزعيم {الخجول} يقود تمرّد التيغراي ضد الحكم الإثيوبي

مدمن عمل يهوى التنس والاتصالات

ديبرصيون جبريميكئيل... الزعيم {الخجول} يقود تمرّد التيغراي ضد الحكم الإثيوبي
TT

ديبرصيون جبريميكئيل... الزعيم {الخجول} يقود تمرّد التيغراي ضد الحكم الإثيوبي

ديبرصيون جبريميكئيل... الزعيم {الخجول} يقود تمرّد التيغراي ضد الحكم الإثيوبي

لم يكن أحد يتوقع أن ذلك الرجل الذي يصفه أصدقاؤه بـ«مدمن العمل الخجول»، الذي يعشق العمل في الخفاء، والذي كان دائماً يقول إن «هدفه تحقيق التنمية التكنولوجية باعتبارها المحرك الرئيسي لتقدم شعبه»، سيكون اليوم تحت الأضواء بصفته محركاً للصراع في إقليم التيغراي الإثيوبي، وواحداً من الأسماء على قائمة المطلوبين
من قبل الحكومة الإثيوبية.
لكن على ما يبدو أن ديبرصيون جبريميكئيل، زعيم إقليم التيغراي، كان يعد لهذا الصراع منذ فترة، عندما دعا الشباب، في أحد المؤتمرات في ميكيلي، عاصمة الإقليم عام 2018، إلى «الاستعداد لكل الاحتمالات»؛ وذلك عقب هزيمته في الانتخابات أمام التحالف الحاكم الآن برئاسة آبي أحمد في أبريل (نيسان) 2018.
للعلم، معظم سكان إقليم التيغراي من المسيحيين الأرثوذكس، ويضم الإقليم الواقع في شمال إثيوبيا أنقاض مدينة أكسوم، إحدى المدن المسجلة على قائمة التراث العالمي، ويرجع تاريخها للفترة ما بين القرن الأول والقرن الثالث عشر، وتضم قلاعاً ومقابر ملكية وكنيسة، وتعتبر اللغة التيغرينية، هي اللغة الرئيسية في الإقليم، ومن أهم موارده
محصول السمسم.

ديبرصيون جبريميكئيل، الرجل الذي دفعت به الأحداث إلى واجهة السياسة الإثيوبية، من مواليد عام 1950 في إقليم التيغراي بشمال إثيوبيا. نشأ وترعرع في مدينة شيرا إندا بالإقليم، حيث عُرف بين أصدقائه بـ«فتى المدينة الذكي المتحفظ». وهو متزوج وأب لطفل، وهو إن كان يهوى ممارسة الرياضة – وبالأخص، كرة المضرب (التنس) – فإنه يعشق العمل والسياسة أكثر، حتى إنه كان يعمل في الإجازة، يوم السبت. وحقاً يصف جبريميكئيل حياته بأنها «غريبة»؛ إذ استطاع أن ينتقل من مقاتل غير نظامي، يختبئ في جبال التيغراي الوعرة، إلى سدة الحكم فيغدو وزيراً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ونائباً لرئيس للوزراء، ورئيساً لإقليم التيغراي. وهو دينياً ينتمي إلى أسرة مسيحية أرثوذكسية، ويعني اسمه الأول «جبل صهيون»، بينما يعني اسم والده «خادم القديس ميخائيل».
- بداية النضال
تميّز جبريميكئيل منذ صغره بتحصيله العلمي؛ إذ كان يوصف بأنه «أفضل طلاب الإقليم، وكان دائماً يحصل على درجات ممتازة». ويقال إنه برع منذ صغره في التكنولوجيا، حيث كان يصلح البطاريات والمعدات الكهربائية، واستطاع أن يصنع مصباحاً من الخردة عندما طالب في المرحلة الابتدائية. لكن يبدو أن طموح فتى المدينة السياسي، كان أكبر من طموحه العلمي؛ إذ ترك جامعة أديس أبابا في عقد السبعينات من القرن الماضي، لينضم مراهقاً إلى صفوف المقاتلين في الحرب التي كانت تقودها جبهة تحرير التيغراي ضد نظام الحكم الماركسي في إثيوبيا في ذلك الوقت. ومعلوم، أن جبهة تحرير التيغراي هي حركة ثورية إثيوبية قادت حرباً ضروساً لمدة 17 سنة، ضد نظام الحكم الماركسي، واستطاعت الانتصار... ومن ثم السيطرة على السلطة منذ عام 1991 وحتى مجيء آبي أحمد في انتخابات عام 2018، عندما خسرت فيها الجبهة والتحالف الذي تمثله بعدما أصبحت نموذجاً للقمع السياسي على مدار أكثر من 27 سنة.
بعد ترك جبريميكئيل الجامعة وصعود السياسي والعسكري ضمن صفوف جبهة تحرير التيغراي في السبعينات، تولى عام 2005 منصب مدير هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإثيوبية. وأطلق عام 2007 مشروعاً للبنية التحتية للاتصالات بتكلفة مليار ونصف المليار دولار، وفي عام 2012 عُيّن وزيراً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ونائباً لرئيس لوزراء. وبعدها، في عام 2015 ساهم في إطلاق منطقة تجارة حرة مع السودان، وفي عام 2017 قاد مشروع إنشاء حديقة تكنولوجية، وكان عازماً على إنشاء المزيد من حدائق التكنولوجيا، وفي العام نفسه انتخب رئيساً لجبهة تحرير التيغراي، ثم في يناير (كانون الثاني) عام 2018 انتخب نائباً لرئيس إقليم التيغراي.
ويبدو أن تميز جبريميكئيل العلمي، دفع قادة الجبهة في وقت مبكر إلى ضمه للوحدة الفنية، وهناك ساهم في تطوير قدرات الجبهة الاستخباراتية، وبالذات لجهة التجسس على محادثات الجيش الإثيوبي، والتشويش على اتصالاته اللاسلكية، وهو ما لعب دوراً كبيراً في تمكين الجبهة من الانتصار في الحرب. وعن تلك المرحلة يقول جبريميكئيل، ضمن تصريحات منشورة في كتاب «سياسة الاتصالات في أفريقيا» لإيجينو غالياردوني، إن «الاتصالات كانت محور المعركة، بل كانت عنصراً أساسياً في كفاحنا». ويضيف «كنا نحتاج فعلاً لتحويل الناس لجعلهم يفكرون بطريقة مختلفة، ودون اتصالات جيدة وعميقة لن تتمكن من تغيير الناس».
- إذاعة صوت الثورة
وبالفعل، لتطوير مهاراته الفنية، أرسلته الجبهة إلى إيطاليا بجواز سفر مزور لدراسة تكنولوجيا الاتصالات. وفور عودته عمل مع فريق من أعضاء الجبهة على إطلاق إذاعة باسم «ديمتسي وياني» - التي تعني «صوت الثورة» – عام 1980، وقادت هذه الإذاعة حرباً دعائية ضد النظام الماركسي الحاكم في البلاد بقيادة منغستو هيلا مريام. واشتهر جبريميكئيل في تلك الفترة كأحد «أبرز المقرصنين الإلكترونيين» الذين كانوا يقودون عمليات التشويش والقرصنة على أنظمة بث الراديو والتلفزيون للنظام. كما «كانوا يحمّلون معدات البث الصغيرة على الحمير والجمال ويختبئون في الجبال من أجل تفادي تعقبهم»، بحسب ما ذكره نيكول ستريملو في كتابه «الإعلام، الصراع، والدولة في أفريقيا».
وللعلم، ما زالت هذه الإذاعة موجودة حتى الآن، جزءاً من مجموعة إعلامية متعددة اللغات، مقرها ميكيلي عاصمة إقليم التيغراي. ولعبت هذه الإذاعة دوراً يستحق الذكر إبان الصراع الأخير، حين أصدرت بيانات ضد آبي أحمد؛ ما عرّضها للتشويش، قبل أن تعود للبث مرة أخرى.
من ناحية أخرى، عقب انتصار جبهة تحرير التيغراي، في حربها التي استمرت 17 سنة، وسيطرتها على الحكم عام 1991، التحق جبريميكئيل بجامعة أديس أبابا مجدداً، وحصل منها على شهادة البكالوريوس والماجستير في الهندسة الإلكترونية، ووفق المعلومات المتوافرة فإنه حصل على دكتوراه عن بعد من جامعة كابيلا (جامعة أميركية ربحية) عام 2011، عن «اتجاهات مستخدمي التكنولوجيا وفاعلية التكنولوجيا في مكافحة الفقر في إثيوبيا». ويظهر في تصريحات جبريميكئيل المتكررة اهتمامه الكبير بالتكنولوجيا والتحول الرقمي، لكنه في الوقت ذاته يرى أن تغيير عقل البشر وطريقة تعاملهم مع التكنولوجيا هو أهم تحدٍ يواجه عملية التحول الرقمي.
- اتهامات بالقتل والتعذيب والتجسس
ولكن، بعيداً عن التكنولوجيا، كانت سياسة ديبرصيون جبريميكئيل وطريقته في الإدارة ولا تزالان محل خلاف بين أنصاره ومعارضيه؛ ما يجعلك المرء عندما يقرأ عنه يشعر وكأنه أمام شخصين مختلفين، فهو بين أنصاره رجل خجول، ومتحفظ، وودود، ومجامل، وبخاصة مع الأجانب. ولقد قاد برامج إصلاحية، وساهم في تنمية البلاد تكنولوجيا، ودائماً ما يقول إن «بابه مفتوح للجميع»... ثم إنه هو خبير اتصالات مؤمن بأهمية التكنولوجيا في تنمية المجتمع. وسبق له أن قال في أكثر من لقاء، إن «التكنولوجيا هي محرك التنمية، ولا بد معها من تغيير العقول والثقافة، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه عملية التحول التكنولوجي».
ومما لا شك فيه أنه ساهم في تحسين الخدمات العامة بإطلاق برنامج دعم القدرات التكنولوجية، كما تولى خلال فترة وجوده في الحكومة الإثيوبية إدارة تحالف الطاقة الكهربائية، وحاول تحديث قطاع الطاقة الذي يخدم 115 مليون شخص، وأشرف على مشروع «سد النهضة»، واستمر في منصبه حتى تولي آبي أحمد الحكم. كذلك كان له دور مهم دور في توسيع خدمات تغطية الهاتف المحمول، وإنشاء حديقة لتكنولوجيا المعلومات في أديس أبابا.
غير أن لمعارضيه آراء أخرى فيه، فهو بالنسبة لهم هذا الرجل الذي كان واحداً من القيادات في إدارة جبهة تحرير التيغراي الأمنية، وحمل اسم 06. وهذه الإدارة متهمة بتعذيب وقتل مقاتلي الجبهة الذين لا يعتنقون آيديولوجيتها، وأيضاً المدنيون الذين يرفضون دعم الجبهة وأفكارها، ويُقال إن جبريميكئيل شارك مع زملائه في الإدارة الأمنية في قتل عدد غير محدود من المقاتلين.
في أي حال، بعدما التحق جبريميكئيل بالعمل السياسي عام 2005، عُيّن مديراً لوكالة المعلومات وتنمية الاتصالات الإثيوبية – التي كانت قد أسست عام 1995، وكذلك تولى منصب نائب مدير هيئة الاستخبارات الوطنية، وكان مسؤولاً عن إدارة برنامج للتحكم في الخدمات التكنولوجية الحكومية، وهو ما أتاح له مراقبة الإيميلات والمعلومات الشخصية للمعارضة والصحافيين، والمدنيين، وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان. ومن ثم، فإنه يتهم بكونه جزءاً لا يتجزأ من «سياسة حكومية» تهدف للسيطرة على الاتصالات واحتكارها من قبل الدولة، وقطع خدمات الإنترنت عن الشعب إبان الاحتجاجات. ومع أنه أصبح «الرجل القوي» بعد وفاة مِلِس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا في الفترة من عام 1995 وحتى 2012، فإن المراقبين يرون أن المقارنة بين الرجلين ليست في صالح جبريميكئيل؛ إذ إن زيناوي كان متحدثاً لبقاً ولسناً، بعكس جبريميكئيل الذي يوصف بالخجل والهدوء وقلة الكلام، كما أنه «لا يحظى بكاريزما سياسية تمكنه من جمع الناس حوله».
- في قيادة الإقليم
انتخب ديبرصيون جبريميكئيل – كما سبقت الإشارة – رئيساً لحزبه عام 2017، وأصبح رئيساً لإقليم التيغراي بعد انتخابات عقدت في سبتمبر (أيلول) الماضي، حاصلاً على نسبة 98 في المائة من الأصوات. إلا أن حكومة آبي أحمد ادعت أن تلك الانتخابات غير شرعية، إذ اتخذت الحكومة قراراً بتأجيلها بسبب تداعيات ڤيروس «كوفيد - 19»، وهو ما أشعل الصراع بين آبي أحمد وجبريميكئيل، ليصار على الأثر إلى وضع الأخير على قوائم المطلوبين الذين تلاحقهم الحكومة حالياً.
جبريميكئيل ما زال يرفض التفاوض، معلناً استمراره في الدفاع عن أرضه، وقائلاً «نحن رجال مبادئ ومستعدون للموت دفاعاً عن حقنا في إدارة منطقتنا». ولكونه يعتبر نفسه أحد المقاتلين الذين قدموا كل شيء من أجل مصلحة الشعب والأمة، فإنه يتحدى، مؤكداً «لا يمكنني التراجع، ومهما كانت الظروف سأبذل قصارى جهدي لأقدم المزيد».
جدير بالذكر، أن الصراع بين الرجلين يعود إلى عام 2018، عندما كان فاز آبي أحمد في المنافسة على منصب رئيس التحالف الحكومي، ويومذاك كان جبريميكئيل بين المرشحين، لكنه لم يحصل سوى على صوتين، وفي ذلك الحين علّق قائلاً «آبي أحمد غير ناضج، وهو ليس المرشح المناسب»، وفي الحقيقة، لم تكن هذه النتيجة غريبة بعد سنوات من حكم التحالف الذي تسيطر عليه جبهة تحرير التيغراي، بالديكتاتورية وقمع المعارضة.
لكن الهزيمة المتوقعة لم تمنع عبارات الود والترحيب المتبادلة في بداية حكم آبي أحمد، عندما قال رئيس الوزراء الإثيوبي، إن «التيغراي رحم إثيوبيا، وهي المكان الذي تعرّض فيها الغزاة للهزيمة، وفيه يُطهى تاريخنا»، بينما رحب جبريميكئيل باتفاق السلام الذي وقعه آبي أحمد مع إريتريا منهياً حالة الجمود السياسي بين البلدين، بعد سنوات النزاع الحدودي من 1998 و2000، وقال إنها «اتفاقية كبيرة ستوفر فرصاً هائلة للبلاد». وهنا، نذكر أنه كان هناك تحالف طال لمدة 17 سنة بين جبهة تحرير التيغراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، حيث خاضت الجبهتان الحرب معاً للإطاحة بحكم منغستو هيلا مريام... تلك الحرب التي راح ضحيتها نحو 60 ألف شخص، وتسببت في تشريد مئات الآلاف. وبعد انتهاء الحرب دعم مِلِس زيناوي، صديقه آسياس أفورقي (الزعيم الإريتري) للحصول على الاستقلال في مايو (أيار) 1991، إلا أن التحالف لم يدم طويلاً. إذ بدأت إريتريا المطالبة بترسيم الحدود، وهذا ما أشعل صراعاً بين البلدين في جولتين عامي 1998 وعام 2000، إلا أن جاء آبي أحمد ووقع اتفاق سلام لإنهاء حالة الجمود السياسي بين البلدين، وكوفئ على هذا الإنجاز بمنحه جائزة نوبل للسلام.
أيضاً، لم تدم حالة الود بين جبريميكئيل وآبي أحمد طويلاً. فعندما أقدم آبي أحمد على حل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، وأسس حزب الازدهار، خلال العام الماضي - بهدف توحيد البلاد، بعيداً عن العرقيات - رفضت جبهة تحرير التيغراي الانضمام لحزب آبي أحمد الجديد، وانسحبت إلى إقليمها ليبدأ الصراع الخفي، ومن ثم اشتعل على الأرض قبل ثلاثة أسابيع.
- مخاوف الحرب الأهلية
مع أن ديبرصيون جبريميكئيل يعد من الزعماء الإصلاحيين في الإقليم، ودائماً ما يردد أنه «يسعى للتنمية وليس الحرب، حيث سمح لأربعة أحزاب جديدة بالظهور وخوض الانتخابات في إقليم التيغراي (وهي الانتخابات التي فاز بها برئاسة الإقليم)، إلا أنه على الأرض أصبح محركاً للصراع والحرب. هذه الحرب التي أجبرت نحو 40 ألف شخص من سكان إقليم التيغراي على الفرار إلى السودان، وشردت الآلاف، وأضرت بالبنية التحتية في المنطقة، وسط مخاوف من أن تدخل البلاد في حرب أهلية مدمرة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.