الجيشان اللبناني والسوري يقفلان معابر التهريب في الشمال والشرق

تعزيزات من «الفرقة الرابعة» إلى الحدود لملاحقة المهربين اللبنانيين

TT

الجيشان اللبناني والسوري يقفلان معابر التهريب في الشمال والشرق

دفعت القوات السورية بنحو 80 آلية من الفرقة الرابعة إلى الحدود اللبنانية لإقفال معابر التهريب غير الشرعية وملاحقة اللبنانيين القاطنين في تلك المناطق داخل الأراضي السورية، إثر إشكال بين مهرب لبناني وقوات حرس الحدود (الهجانة) السورية أسفر عن مقتل ضابط سوري و3 عسكريين في الأيام القليلة الماضية، بموازاة تشديد الجيش اللبناني رقابته على الحدود اللبنانية ومعابر التهريب غير الشرعية في شرق وشمال لبنان وملاحقة الضالعين بعمليات التهريب.
وبدأ التوتر في المنطقة الحدودية يوم الثلاثاء الماضي إثر إشكال بين مهرب لبناني من آل ناصر الدين، يعمل بالتهريب غير الشرعي من وإلى سوريا في بلدة حوش السيد علي الواقعة شمال الهرمل في أقصى شمال شرقي لبنان، والقوات السورية. وقالت مصادر ميدانية إن الجيش السوري طلب من اللبناني أن يزيل عبّارة التهريب عن ساقية متفرّعة من نهر العاصي تفصل بين الأراضي اللبنانية والسورية في منطقة حوش السيد علي، وتبعد العبّارة مسافة 100 متر عن منزل اللبناني المقيم داخل الأراضي السورية. وقالت المصادر إن اشتباكاً وقع بين الطرفين، أدى إلى مقتل ضابط من الهجانة السورية وإصابة 3 عسكريين بجروح، وفرّ اللبناني إلى داخل الأراضي اللبنانية.
واتخذ الجيش السوري أمس إجراءات عسكرية؛ حيث دفع بتعزيزات من الفرقة الرابعة تضم أكثر من 80 آلية عسكرية إلى المنطقة الحدودية مع لبنان، وداهموا منزل المهرب اللبناني وفجروه بعدما لم يعثروا عليه، بحسب ما قالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، لافتة إلى أن القوات السورية التي وصلت إلى المنطقة «أطلقت النيران على كل الأشخاص الضالعين بإطلاق النار على الهجانة السورية، واستهدفت منازلهم الواقعة على الضفة السورية من الحدود».
وتقع منطقة حوش السيد علي على ضفتي الحدود، ويتبع جزء منها للأراضي اللبنانية، وجزء آخر للأراضي السورية، لكن يسكنها لبنانيون.
وقالت مصادر ميدانية لبنانية تقيم في الداخل السوري إن القوات التابعة للفرقة الرابعة السورية «تمركزت في بلدات زيتا والعقربية والفضلية وحاويك» الحدودية والواقعة في ريف القصير في جنوب غربي حمص، مشيرة إلى أن «قوات سوريا توقف اللبنانيين على حاجز البريد الواقع في بلدة العقربية التي يسكنها لبنانيون داخل الأراضي السورية».
وقالت المصادر إن القوات السورية «تشدد الرقابة على كل اللبنانيين العابرين إلى الأراضي السورية عبر المعابر غير الشرعية، ويجري استهدافهم عبر إطلاق النار وتوقيف أي لبناني على الأراضي السورية دخل بطريقة غير شرعية»، لافتة إلى أنه «يجري اقتياد هؤلاء إلى الفروع الأمنية في دمشق». وقالت: «اللبنانيون داخل الأراضي السورية في وضع ارتباك غير عادي». ولا يزال المهرب اللبناني متوارياً عن الأنظار.
ويقفل الجيش السوري الحدود مع لبنان منذ الأسبوع الماضي، في مقابل تشديد من قبل الجيش اللبناني لتقييد حركة المهربين على المعابر غير الشرعية، كامتداد للتدابير التي تتخذها السلطات اللبنانية لمنع تهريب المازوت والأدوية والسلع المختلفة إلى الداخل السوري، والتهريب المعاكس للسلع والمواد الغذائية إلى داخل الأراضي اللبنانية.
ويكرر المسؤولون اللبنانيون مطالبهم بإقفال المعابر الحدودية غير الشرعية مع سوريا، وشهد البرلمان اللبناني أول من أمس مطالب واسعة من الكتل النيابية بإيقاف التهريب عبر الحدود. وطالب عضو تكتل «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن بـ«ضبط عملية التهريب»، كما أكد عضو «كتلة المستقبل» النائب محمد الحجار أن «سياسة الدعم المرشد لا يمكن أن تنفع إذا لم تترافق مع وقف التهريب». وتنضم تلك المطالب إلى دعوات متكررة من نواب ووزراء «القوات اللبنانية» بوقف التهريب عبر الحدود.
وقالت مصادر ميدانية في شرق لبنان لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش اللبناني يشدد الرقابة من الجهة اللبنانية وأقفل سائر المعابر غير الشرعية»، فيما قالت مصادر أخرى في الشمال إن الحدود مقفلة منذ أسابيع بشكل كامل؛ حيث لا يمكن إجراء أي عملية تهريب إلى الداخل السوري. ولفتت المصادر إلى أن الإجراءات على الضفة اللبنانية من الحدود، تقابلها إجراءات مشابهة على الضفة السورية؛ حيث يعجز المهربون عن تهريب المازوت وسلع أخرى إلى الداخل السوري، وبالعكس. وقالت المصادر في شرق لبنان إن مخابرات الجيش اللبناني تلاحق المطلوبين والمهربين أيضاً إلى جانب تشديد الرقابة على الحدود.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.