وزير المال يوجّه كتاباً «ملزماً» إلى حاكم مصرف لبنان لتسهيل التدقيق

TT

وزير المال يوجّه كتاباً «ملزماً» إلى حاكم مصرف لبنان لتسهيل التدقيق

بعد أيام من توصية البرلمان اللبناني تعميم التدقيق الجنائي على حسابات مؤسسات الدولة والمصرف المركزي، أرسل وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طلب فيه تنفيذ قرار البرلمان وفقاً للقانون.
وجاء في نصّ الكتاب الموجه إلى سلامة: «نتمنى عليكم تنفيذ قرار مجلس النواب، وإخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي، وذلك وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، ومع حفظ حقوق الدولة لأي جهة كانت».
وكان البرلمان اللبناني أقر توصية بإخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي دون أي عائق أو تذرع بسرية مصرفية أو خلافها»، وذلك خلال جلسة عامة عقدت بناء على رسالة وجهها رئيس الجمهوريّة ميشال عون إلى البرلمان للتعاون مع السلطة الإجرائية لتمكين الدولة من إجراء التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان.
وجاءت رسالة عون على إثر انسحاب شركة «ألفاريز ومارسال» الاستشارية من اتفاقية موقعة مع الحكومة اللبنانية لمراجعة وتدقيق حسابات البنك المركزي: «نظراً لعدم كفاية توفير المعلومات»، الأمر الذي جعلها «غير قادرة على استكمال مراجعتها»، بعدما رفض مصرف لبنان إعطاء البيانات باعتبار أن قانون السريّة المصرفية يمنع ذلك، مطالباً بتوجيه كتاب من وزارة المالية إلى مصرف لبنان يقضي برفع السرية المصرفية عن حسابات الدولة.
وأوضح مصدر في وزارة المالية لـ«الشرق الأوسط» أن الكتاب الموجه إلى حاكم مصرف لبنان «ملزم معنوياً وغير ملزم قانونياً»، مشيرا إلى أنّ «حسابات الإدارات العامة غير خاضعة للسريّة المصرفيّة».
وأكّد المصدر أنّ الحكومة مصممة على متابعة تنفيذ التدقيق المالي وأنّ وزير الماليّة سيوجّه خلال اليومين المقبلين كتاباً إلى شركة «ألفاريز ومارسال» في هذا الصدد.
ومن المفترض أنّ يُذلّل الكتاب الذي وجّهه وزير المال إلى حاكم مصرف لبنان العقبات التي حالت دون إكمال «ألفاريز» عملها، إذ يرى وزير العدل السابق إبراهيم نجار أنّ «الكتاب ملزم» لأنّ «الموجب المعنوي يتحوّل إلى موجب ملزم عند بدء التنفيذ»، والكتاب هو بدء تنفيذ قرار مجلس النواب الملزم بدوره، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّه حان الوقت لنضع جانباً «التوصيفات الآيلة للتهرب من إخضاع الحسابات للتدقيق».
ويلفت نجار إلى أنّ استخدام كلمة «نتمنى» في الكتاب تأتي من باب آداب المخاطبة ولا تعني عدم الإلزام، مشيرا إلى أنّ الكتاب أيضاً يبيّن التنسيق بين السلطة التنفيذيّة تماما كما حصل تعاون بين عون وبرّي في موضوع الرسالة ومن ثمّ الجلسة والتوصية.
ويشرح نجّار أنّه بعد هذا الكتاب يبقى على المجلس المركزي لمصرف لبنان أن يعلن تجاوبه مع الكتاب وهو أمر متوقع، مضيفاً أنّه قبل الكتاب كان مصرف لبنان محكوماً بالسرية المصرفية واليوم الوضع اختلف، إذ إنّ السريّة المصرفية لا تطبق عندما يطلب صاحب العلاقة الكشف عن حسابه، وبالتالي لوزارة المالية الحقّ بالكشف عن حساباتها الخاصة، وهذا لا يخرق السرية المصرفية أبداً، فهي صاحبة العلاقة.
وكان عون أعلن خلال لقاء أمس، مع سفير الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف ونائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي والمدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، أنّ التدقيق الجنائي سيمكن من معرفة «كل دولار أنفق أو سينفق في لبنان ما يحقق صدقية الدولة تجاه المجتمع الدولي ولا سيما الدول المانحة».
ويُشار إلى أنّ التدقيق المالي الجنائي من الأمور المتفاوض عليها بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وضمن شروط وضعها الأخير للسير في مسار الإصلاح الاقتصادي والمالي.
وبدوره، شدّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على أنّه «من دون إجراء التدقيق لن يكون هنالك أي عملية إصلاحية أو تواصل مع صندوق النقد». واعتبر جعجع في مؤتمر صحافي أمس أنّه «على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الطلب من وزير الماليّة إما إعادة التواصل مع شركة (ألفاريز) بسرعة أو الاتفاق مع شركة جديدة كما الطلب من حاكم مصرف لبنان برسالة خطية تسليم كل المعطيات المطلوبة للتدقيق إلى وزير المال».



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».