«كورونا المستجد»... فرضيات علمية ومعلومات مضللة

سلالاته في بريطانيا نشأت من 3 دول أوروبية

«كورونا المستجد»... فرضيات علمية ومعلومات مضللة
TT

«كورونا المستجد»... فرضيات علمية ومعلومات مضللة

«كورونا المستجد»... فرضيات علمية ومعلومات مضللة

رغم طرح العلماء لفرضيات علمية عن ظهور فيروس «كورونا المستجد»، فقد نتجت عن جائحة «كوفيد-19» معلومات مضللة ونظريات مؤامرة حول حجم الوباء وأصل المرض والوقاية منه وتشخيصه وعلاجه. وانتشرت معلومات كاذبة بهدف التضليل المتعمد عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية ووسائل الإعلام. كما وردت أنباء عن أن الفيروس انتشر من خلال عمليات سرية تدعمها الدول لإثارة الذعر لزرع الشكوك في البلدان الأخرى.
أصل الفيروس
ظهر «كوفيد-19» في أواخر عام 2019 في ووهان في الصين. ويرتبط جينوم كثير من حزمات الفيروس المعزولة منه منذ وقت مبكر عند اندلاع الوباء في ووهان ارتباطاً وثيقاً بواقع أن الفيروس ظهر مؤخراً في البشر، إذ يختلف جينوم «كوفيد-19» بشكلٍ كافٍ عن جميع فيروسات «كورونا» المعروفة. وهذا ما يدحض مزاعم أن جائحة فيروس كورونا نشأت عن طريق الإطلاق المتعمد أو العرضي لفيروس معروف، ويجعل من غير المحتمل أن يكون الفيروس قد نشأ عن طريق إنتاجه صناعياً في المختبر.ويرتبط فيروس كورونا المستجد ارتباطاً وثيقاً بفيروسات الخفافيش التاجية من الصين. ولكن حتى أقرب هذه الفيروسات تكون متباينة للغاية. ويعد تغيير الجينوم فيه بطيئاً، في مقابل معظم فيروسات RNA (فيروسات مركبة من الحمض النووي الريبوزي)، ولكن مع ذلك تظهر الطفرات التي يمكن استخدامها لتتبع انتشار الفيروس وتطوره. ويعد الجين الفيروسي الأكثر تنوعاً فيها هو الجين الذي يضع الرموز لبروتين «الأشواك»، وهو البروتين الذي يلعب دور الوسيط في ارتباط الفيروس بالخلايا الحية والدخول إليها. وهذا البروتين يمثل أيضاً المادة التي تستهدفها الأجسام المضادة لتحييد الفيروس، وهو يؤدي أيضاً إلى حدوث استجابة قوية من الخلايا التائية لجهاز المناعة.
تشير نتائج جديدة متعددة إلى أن طفرة واحدة قرب بداية الوباء أحدثت فرقًا كبيرا ، حيث ساعدت الفيروس على الانتشار بسهولة أكبر من شخص إلى آخر وجعل وقف الوباء أكثر صعوبة.
وتم اكتشاف الطفرة ، المعروفة باسم 614G ، لأول مرة في شرق الصين في يناير (كانون الثاني) الماضي ثم انتشرت بسرعة في جميع أنحاء أوروبا ومدينة نيويورك. في غضون أشهر ، سيطر المتغير على معظم العالم ، مما أدى إلى إزاحة المتغيرات الأخرى.

دحض نظريات المؤامرة
يقول جيفري سميث، الباحث في قسم علم الأمراض بجامعة كمبريدج البريطانية المؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في17 سبتمبر (أيلول) 2020 في دورية «The Royal Society»، إن تسلسل الجينوم الكامل لا يسمح لنا بمعرفة إصابة شخص ما بالعدوى فحسب، ولكن أيضاً تحديد سلالة الفيروس بدقة، ومن ثم معرفة مصدر العدوى المحتمل. كما يسمح لنا بتتبع سلالات الفيروس التي أصبحت مسيطرة، والتي قد تتكاثر أو تنتقل بشكل أكثر كفاءة.
ويضيف الباحث أنه تم الإبلاغ عن تلك النتائج في مراجعة سريعة للأدلة المنشورة المطبوعة مسبقاً على جينوم فيروس كورونا التي أجرتها مجموعة «مهام العلم في حالات الطوارئ: كوفيد-19» ( SET - C Science in Emergencies Tasking: COVID-19) التابعة للجمعية الملكية البريطانية. كما يفضح التحليل أيضاً الخرافات حول الأصل المحتمل للفيروس الذي يسبب «كوفيد-19».
ويخلص إلى أن الجينوم مختلف بشكلٍ كافٍ عن جميع فيروسات كورونا المعروفة لدحض تأكيد أن الجائحة نشأت عن طريق الإطلاق المتعمد أو العرضي لفيروس معروف، مما يجعل من غير المحتمل أن يكون الفيروس قد نشأ عن طريق إنتاجه صناعياً في المختبر. واستنتجت المراجعة أن أصل الفيروس كان من المحتمل أن يكون مباشرة من الخفافيش أو عن طريق مضيف ثديي وسيط غير معروف. وأضاف سميث عدم وجود شيء أو أدلة قوية على الأساطير التي ينشرها أصحاب نظريات المؤامرة، فمن المفهوم أنه عندما يظهر فيروس جديد، ستكون هناك تكهنات حول أصوله، لكن الوتيرة التي طور بها المجتمع العلمي العالمي فهمنا لعلم الوراثة لـفيروس كورونا كانت مذهلة. وقد سمح لنا ذلك بتتبع انتشاره، وتطوير الاختبارات التشخيصية واللقاحات المؤهلة.
وسمح لنا كذلك بكشف زيف بعض نظريات المؤامرة الأكثر غنى بالألوان. فقد أظهر تحليل جينوم الفيروس أيضاً أنه من منتصف فبراير (شباط) إلى منتصف مارس (آذار)، نشأت الغالبية العظمى من سلالات الفيروس في المملكة المتحدة من 3 دول أوروبية: إسبانيا (34 في المائة)، وفرنسا (29 في المائة)، وإيطاليا (14 في المائة)، عن طريق المسافرين القادمين منها، بينما في المقابل كانت نسبة المشتق من الصين أقل من 1 في المائة.
فرضيات مضللة
> شبكات الجيل الخامس. هناك مزاعم عن وجود صلة بين فيروس كورونا وشبكات الهاتف المحمول «جي 5» الجديدة، وهي تدعي أن تفشي الوباء في ووهان وفي سفينة «دايموند برنسيس» السياحية نتج بشكل مباشر عن المجالات الكهرومغناطيسية، وعن طريق إدخال «جي 5» والتقنيات اللاسلكية. وفي مارس (آذار) 2020، زعم توماس كوان من «المجلس الطبي» في كاليفورنيا أن «كوفيد-19» ناجم عن شبكة «جي-5»، وذلك بناءً على الادعاءات بأن البلدان الأفريقية لم تتأثر بشكل كبير بالوباء لعدم نشر الشبكة فيها.
وزعم كوان كذلك زوراً أن الفيروسات كانت نفايات من الخلايا التي تم تسميمها بواسطة الحقول الكهرومغناطيسية، لكن كثيراً من الباحثين دحضوها. وأكد البروفسور ستيف بويس، المدير الطبي الوطني لهيئة الخدمات الصحية الوطنية بإنجلترا، إلى عدم إمكانية انتقال الفيروسات عن طريق موجات الراديو. فقد انتشر «كوفيد-19»، واستمر في الانتشار في كثير من البلدان التي ليس لديها شبكات «جي 5». وأضاف أن صحة المواطنين في البلدان المتقدمة، مع وجود شبكات «جي 5»، أفضل من صحة المواطنين من البلدان الأقل تقدماً والفقيرة التي لا توجد فيها.
* المقاومة على أساس العرق. كانت هناك ادعاءات بأن أعراق معينة أكثر أو أقل عرضة للإصابة بــ«كوفيد-19»، حيث إنه مرض حيواني جديد، لذا لم يكن لدى السكان الوقت الكافي لتطوير مناعة السكان. ولا يوجد دليل يشير إلى أن الأفارقة أكثر مقاومة للفيروس. وهناك مزاعم عن ما سمي «مناعة هندية»؛ أي أن الشعب الهندي يتمتع بقدر أكبر من المناعة ضد فيروس «كوفيد-19» بسبب الظروف المعيشية في الهند، وهو ما عده أناند كريشنان، الأستاذ في مركز الطب المجتمعي التابع لمعهد عموم الهند للعلوم الطبية (AIIMS)، مجرد «هراء مطلق». وقال إنه لا توجد مناعة سكانية ضد فيروس «كوفيد-19» حتى الآن لأنه جديد، وليس من الواضح حتى ما إذا كان الأشخاص الذين تعافوا منه سيكون لديهم مناعة دائمة.
ومن ناحية أخرى، شنت هجمات معادية للأجانب مرتبطة بــ«كوفيد-19» ضد أفراد على أساس العرق، وتعرض الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم صينيين لاعتداءات لفظية وجسدية مرتبطة بــ«كوفيد-19» في كثير من البلدان الأخرى، غالباً من قبل الأشخاص الذين يتهمونهم بنقل الفيروس، في حين ألقت الحكومة الصينية باللوم على الحالات المستمرة في إعادة إدخال الفيروس من الخارج. وفي الهند، تم إلقاء اللوم على المسلمين على نطاق واسع ونبذهم، والتمييز ضدهم أدى إلى بعض الهجمات العنيفة، وسط مزاعم لا أساس لها تدعي أن المسلمين ينشرون الفيروس عمداً.
علاجات من دون برهان
> علاجات البرد والإنفلونزا. فقد طرحت ادعاءات بأن الأسبرين ومضادات الهيستامين ورذاذ الأنف هي علاجات لـ«كوفيد-19»، لكن لا توجد أي دراسة تؤكد تلك الادعاءات. كما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مخاوف من أن الإيبوبروفين يزيد من شدة الإصابة بفيروس كورونا، لكن وكالة الأدوية الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية أوصت مرضى «كوفيد-19» بالاستمرار في تناول الإيبوبروفين حسب التوجيهات، مشيرين إلى عدم وجود أدلة مقنعة على أي خطر.
> الشفاء الروحي. ادعى كينيث كوبلاند، الكاتب التلفزيوني الأميركي في تكساس، على قناة فيكتوري، خلال برنامج بعنوان «الوقوف ضد فيروس كورونا»، أنه يمكنه علاج مشاهدي التلفزيون من «كوفيد-19» مباشرة من استوديو التلفزيون، وكان على المشاهدين أن يلمسوا شاشة التلفاز ليحصلوا على الشفاء الروحي.
وأخيراً، وفي إطار جهود مكافحة التضليل، ذكرت منظمة الصحة العالمية (WHO)، منذ فبراير (شباط) الماضي 2020، أن هناك كماً هائلاً من المعلومات الخاطئة حول الفيروس التي «تجعل من الصعب على الناس العثور على مصادر موثوقة، وإرشادات موثوقة، عندما يكونون بحاجة إليها». وصرحت المنظمة بأن الطلب الكبير على المعلومات الموثوقة في الوقت المناسب قد حفز إنشاء خط ساخن مباشر لدحض تلك المعلومات، تابع لمنظمة الصحة العالمية، يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، حيث تقوم فرق الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي برصد المعلومات المضللة، والاستجابة لها من خلال موقعها على الويب وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
TT

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية

لعقود من الزمن كان السعي وراء مهنة علمية في الأراضي الفلسطينية محفوفاً بالمخاطر. ثم هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أشعل حرباً في قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من عام.

حوار مع علماء فلسطينيين

ومع قصف إسرائيل وغزو غزة في حملة للقضاء على «حماس»، تم تدمير المدارس واضطر الطلاب إلى مواصلة دراستهم عن بُعد أو وقفها تماماً. أما الأطباء فقد عملوا في ظروف متدهورة على نحو متزايد. وشعر الفلسطينيون خارج المنطقة أيضاً بآثار الحرب.

وقد تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أربعة فلسطينيين يعيشون في غزة والضفة الغربية والخارج، حول الصراع الذي يَلوح في الأفق بشأن أبحاثهم العلمية وعملهم الطبي: كما كتبت كاترينا ميلر(*).

د. أسيد السر

من فلسطين الداخل... نحو هارفارد

* أسيد السر (32 عاماً): في عام 1948، انتقلت عائلة الدكتور أسيد السر إلى غزة من حمامة، وهي قرية على أرض أصبحت الآن جزءاً من إسرائيل. وقال السر، وهو طبيب مقيم في الجراحة العامة وباحث في تكساس، إنه أكمل دراسته في كلية الطب في غزة عام 2016، ودرس في جامعة أكسفورد لبعض الوقت، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 2019 لإجراء بحث حول جراحة الصدمات الطارئة.

وقال إن الدراسة في أوروبا والولايات المتحدة تختلف عن الدراسة في غزة. فالوصول غير المحدود إلى الكهرباء والمياه والإنترنت أمر مفروغ منه، والسفر، في الغالب، غير مقيد. وقال: «كان هذا صادماً بالنسبة لي».

في غزة، اختار والدا السر مكان العيش بناءً على المكان الذي سيكون لديهم فيه وصول ثابت إلى الإنترنت، حتى يتمكن هو وإخوته من متابعة دراستهم. بالنسبة إلى الكهرباء، كان لديهم مولد للطاقة. وإذا نفد غازه، كانوا يعتمدون على الألواح الشمسية والشموع والبطاريات.

وتوفر الدراسة في الخارج مزيداً من الفرص. لفعل ذلك، كان على السر التقدم بطلب للحصول على تصاريح من الحكومات في إسرائيل ومصر والأردن وغزة. وقال إن العملية قد تستغرق شهوراً. واستغرق الأمر منه ثلاث محاولات للحصول على القبول في أكسفورد. تقدم بطلب للحصول على ما يقرب من 20 منحة دراسية وفاز بواحدة. ومع هارفارد، استمر في التقديم. وقال السر إن هذه المثابرة شيء تعلمه من العيش في غزة.

كان السر في تكساس في 7 أكتوبر 2023. لكنَّ عائلته عادت إلى منزلها في غزة، وتعيش بالقرب من مستشفى الشفاء. في العام الماضي، داهمت إسرائيل مستشفى الشفاء. ثم انتقلت عائلة السر المباشرة منذ ذلك الحين إلى الجنوب، ودُمرت منازلهم في غزة، كما قال، فيما كان يواصل تدريبه الطبي في تكساس.

د. وفاء خاطر

فيزيائية بجامعة بيرزيت

* وفاء خاطر (49 عاماً). نشأت وفاء خاطر في الضفة الغربية، وهي منطقة تقع غرب نهر الأردن تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ثم انتقلت إلى النرويج لمتابعة دراستها للدكتوراه في الفيزياء بجامعة بيرغن.

أتيحت لها الفرصة للبقاء في النرويج بشكل دائم، لكنها عادت إلى الضفة الغربية للتدريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تتذكر قائلةً: «قال لي جميع زملائي النرويجيين في ذلك الوقت: هل أنتِ مجنونة؟ لكنني قلت لهم: «هذا هو الوطن، وأنا في مهمة».

والآن، تعمل خاطر أستاذة في جامعة بيرزيت، وهي من أوائل الفلسطينيين الذين مارسوا مهنة دراسة طبيعة وسلوك الجسيمات دون الذرية. وقالت: «لم يتخيل كثير من الناس أبداً أن هناك علوماً توجد في فلسطين».

وأضافت أن غياب مجتمع بحثي صحي في الضفة الغربية المحتلة يحد من فرصها للتعاون العلمي، لذا فقد سعت إلى بناء شبكة. وقد دعت زملاء أوروبيين للتحدث في جامعات الضفة الغربية، ودفعت طلاب الفيزياء الفلسطينيين لحضور برامج بحثية صيفية في الخارج.

وقالت إن البحث النظري يمكن أن يزدهر في الضفة الغربية، لكنَّ «الفيزياء التجريبية ليست لها أي فرصة تقريباً». وأوضحت أن الجامعات تكافح لدفع ثمن المعدات والبنية الأساسية للمختبرات، وتعتمد على التبرعات.

مرصد جامعة بيرزيت

وقد افتُتح في عام 2015، وهو أحد المرافق الفلكية القليلة في الضفة الغربية. موَّله رامز حكيم، رجل أعمال فلسطيني - أمريكي. وقالت خاطر: «كانت هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لطلابنا رؤية تلسكوب والنظر إلى السماء».

حتى عندما يتم تأمين التمويل، قد يكون من الصعب استيراد الأدوات التجريبية إلى الضفة الغربية وغزة، لأن بعض المعدات اللازمة للبحث يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية. تصنف إسرائيل مثل هذه السلع على أنها «استخدام مزدوج» وتتطلب إذناً للمدنيين في الأراضي الفلسطينية لشرائها.

التدريس عن بُعد في الضفة الغربية

بعد هجوم 7 أكتوبر، بدأت خاطر وأعضاء هيئة التدريس الآخرون في جامعتها التدريس عن بُعد. وقالت إن زيادة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، نتيجة للوجود العسكري الإسرائيلي المتزايد بعد هجوم «حماس»، جعلت من الصعب على الطلاب والأساتذة حضور الفصول الدراسية شخصياً. استؤنفت التدريس وجهاً لوجه بشكل محدود في الربيع الماضي. ولكن بعد ذلك في أكتوبر، بعد وقت قصير من شن إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل تسبب في سقوط الشظايا على الضفة الغربية، أعلنت بيرزيت أن واجبات التدريس والإدارة ستنتقل عبر الإنترنت من أجل السلامة.

أمضت خاطر الصيف في تدريس دورة فيزياء عبر الإنترنت للطلاب في قطاع غزة. وقالت إن تسعة عشر طالباً سجلوا، لكن أكثر من نصفهم تركوا الدراسة لأنهم يفتقرون إلى الكهرباء المستقرة أو الوصول إلى الإنترنت.

د. ضحى البرغوثي

طبيبة وابنة عالم في الفيزياء الفلكية

ضحى البرغوثي (25 عاماً). درست الدكتورة ضحى البرغوثي، وهي طبيبة باطنية في الضفة الغربية، الطب لمدة ست سنوات في جامعة القدس. أنهت عامها التدريبي أو التدريب بعد التخرج في أكتوبر من العام الماضي، قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب.

كان مستشفى «المقاصد» في القدس، حيث تدربت البرغوثي، على بُعد بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام من منزلها. ولكن حتى قبل الحرب، كان عليها أن تغادر مبكراً لساعات للتنقل عبر نقاط التفتيش المطلوبة للوصول إلى العمل في الوقت المحدد. بعد 7 أكتوبر 2023، داهم جنود إسرائيليون مستشفى «المقاصد»، واعتقلوا المرضى من غزة وأقاربهم.

في أكتوبر الماضي، اعتُقل والد ضحى، عماد البرغوثي، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة القدس، ووُضع قيد الاعتقال الإداري، وهي ممارسة تُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات رسمية، للمرة الرابعة.

بعد اعتقاله الأول في عام 2015، منعته السلطات الإسرائيلية من مغادرة الضفة الغربية، وهو ما قالت ضحى البرغوثي إنه قيَّد فرصه في التعاون العلمي.

في بيان لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال الجيش الإسرائيلي إن عماد البرغوثي اعتُقل بسبب شكوك في «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية، والتحريض والمشاركة في أنشطة تُعرِّض الأمن الإقليمي للخطر». فيما صرّح عالم الفيزياء الفلكية بأنه ليس منتمياً أو مؤيداً لـ«حماس».

بعد ستة أشهر من الاعتقال، أُطلق سراح والدها فيما وصفته البرغوثي بـ«ظروف صحية مروعة»، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد، والاشتباه في كسر الأضلاع وتلف الأعصاب في أصابعه.

د. رامي مرجان (الى اليسار)

مركّبات جديدة مضادة للسرطان

* رامي مرجان (50 عاماً). وصف رامي مرجان، الكيميائي العضوي في الجامعة الإسلامية في غزة، حياته المهنية بأنها طريق مليء بالعقبات، حيث قضى سنوات في محاولة إنشاء مجموعة بحثية وقليل من الأدوات العلمية أو المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإجراء تجارب متطورة. وكتب في نص لصحيفة «التايمز»: «ليست لدينا بنية أساسية للبحث».

يركز مرجان على إنشاء مركَّبات جديدة ذات تطبيقات محتملة في الأدوية المضادة للبكتيريا والفطريات والسرطان. وهو يستخدم التخليق متعدد الخطوات، وهي تقنية تخضع فيها المركّبات المبدئية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحويلها إلى المنتج النهائي المطلوب. تتطلب هذه العملية استخدام المذيبات والأجهزة لتحديد التركيب الكيميائي للمركب في كل خطوة، ولكن لأن كثيراً من هذه الأدوات تعدها إسرائيل معدات ذات استخدام مزدوج، فإن مرجان وزملاءه غير قادرين على أداء ذلك بشكل صحيح.

«غزة أجمل مكان في وطني»

تمكن مرجان من نشر بعض أعماله في المجلات الأكاديمية. لكنه قال إن نقص الموارد في غزة حدَّ من إنتاجه البحثي مقارنةً بأبحاث زملائه في الخارج.

وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في عام 2004، ثم عاد إلى غزة. وقال: «أردت أن أنقل الخبرة والمعرفة إلى شعبي». أجبره العنف على إخلاء منزله في مدينة غزة والانتقال إلى دير البلح، وهي مدينة في الجزء الأوسط من غزة تعرضت لإطلاق النار حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما قال إنها «مراكز قيادة وسيطرة» لـ«حماس» هناك.

واعترف مرجان بأن قراره العودة إلى القطاع منعه من تحقيق أحلامه في مهنة علمية. لكنه لم يندم على ذلك، وقال: «غزة هي أجمل مكان، وهي جزء صغير من وطني».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً