من عمق التاريخ القديم وصولا إلى اللحظة الراهنة، استطاعت مدينة غدامس الليبية أن تحافظ على قدر من الهدوء والاستقلالية أبعدها إلى حد بعيد عن حالة الاستقطاب التي سادت غالبية أنحاء البلاد خلال السنوات العشر الماضية، وجعل منها مرفأ للراحة ومحطة لجمع القلوب المشتتة، والرؤى المتعارضة.
مبكرا، وعقب تصاعد تعقيدات الأزمة الليبية، حطت قافلة أفرقاء السياسة المختلفين رحلها مرتين عام 2014 في المدينة النائمة على مقربة من الحدود مع تونس والجزائر، لبحث جولات الحوار الليبي برعاية المبعوث الأممى الأسبق برناردينو ليون، فيما عرف حينها بـ«غدامس 1»، و«غدامس 2»؛ وهي الآن تنتظر عودة أعضاء مجلس النواب العائدين من اجتماعات طنجة المغربية لعقد جلسة موحدة يلتئم فيها البرلمان المنقسم بين شرق وغرب البلاد على خلفية الحرب الليبية.
حظيت المدينة، الواقعة في الصحراء الليبية والمشيدة قديما في واحة سميت «لؤلؤة الصحراء»، دون سواها بإجماع الساسة ذوي المصالح المتقاطعة، فرغم تجول ملف الأزمة بين عواصم غربية وعربية عدة، إلى أنها تظل نقطة للتجمع والانطلاق لكثير من لقاءاتهم المعقدة.
ومن هناك، وقبل 19 شهرا من الآن، عقد المبعوث الأممي السابق الدكتور غسان سلامة، آمالا عريضة على عقد مؤتمر (وطني جامع) حدد له موعدا في الـ14 من أبريل (نيسان) 2019، على أن يدعى إليه غالبية أطراف الأزمة الليبية لوضع خريطة طريق مستقبلية، لكن الحرب التي أمر المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» بشنها على العاصمة طرابلس، كانت الأسبق، فتعطل عقد المؤتمر، ثم أرجئ إلى أجل غير مسمى.
وتحتفظ كتب التاريخ بآثار الأقدمين هناك في هذه المنطقة البعيدة مكانيا، والقريبة إلى قلوب الليبيين، فهي واحة للنخيل ونموذج للطراز المعماري المميز، إذ تسجل أن عقبة بن نافع الفهري فتحها في خلافة معاوية بن أبي سفيان عام 42 للهجرة، ومنذ ذلك الحين وهي تحتفظ باسمها القديم «مدينة القوافل» و«لؤلؤة الصحراء»؛ فعندها كانت تستريح القوافل العابرة بين شمال وجنوب الصحراء الليبية، وهناك يألف الغريب بأهلها وصحرائها ونخيلها، كما يألفها الآن الأفرقاء، الذين بعثرتهم السياسة بين العواصم.
وكغيرها من مناطق عدة، صنفتها منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة «يونيسكو» غدامس القديمة مدينة تاريخية ومحمية من قبل المنظمة، وهو ما يجعلها آثرة لقلوب زائريها بما تتمتع به من جمال يوصف بـ«الخلاب».
ترتبط غدامس بالعاصمة طرابلس بطريق بري يمتد لمسافة 600 كيلومتر ويمر تحت جبل نفوسة وهي السلسلة الجبلية الممتدة من الخمس إلى نالوت، ويوجد بالقرب من المدينة مطار داخلي يسهم في ربط المدينة بغرب وجنوب ليبيا.
لذا كان طبيعياً أن تتوافق رؤية العسكريين الليبيين أعضاء اللجنة المشتركة (5+5) بعد حرب دامت 13 شهرا أن تكون غدامس أول مدينة يجتمعون بها في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بحضور الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، وهو الاجتماع المباشر الأول للجنة داخل ليبيا بعد توقيع وقف إطلاق النار الدائم في 23 أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.
وبعد مداولات لجنة (13+13) المكونة من أعضاء بمجلس النواب المنشق بين الشرق والغرب، خلال اجتماعها في طنجة المغربية انتهت إلى أنها ستعقد جلسة موحدة في غدامس بمجرد عودة الأعضاء إلى ليبيا، والبدء في اتخاذ خطوات نحو إنهاء الانقسام. ووفقا للبيان الصادر عن النواب فإن الجلسة في غدامس تستهدف «إقرار كل ما من شأنه إنهاء الانقسام بمجلس النواب، وبما يمكنه من أداء استحقاقاته على أكمل وجه».
غدامس تتهيأ لاحتضان جلسة موحدة للبرلمانيين
«لؤلؤة الصحراء» الليبية تجمع مجدداً أفرقاء السياسة والحرب
غدامس تتهيأ لاحتضان جلسة موحدة للبرلمانيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة