نيويورك تأبى الاستسلام... وكذلك متاجرها

كانت زينات أعياد الميلاد في الماضي أداة للترفيه لكنها تحولت اليوم إلى أمارات للصمود

اتخذت الزينات هذا العام طابعاً مختلفاً
اتخذت الزينات هذا العام طابعاً مختلفاً
TT

نيويورك تأبى الاستسلام... وكذلك متاجرها

اتخذت الزينات هذا العام طابعاً مختلفاً
اتخذت الزينات هذا العام طابعاً مختلفاً

مر ما يزيد على شهر بقليل على إعلان الرئيس دونالد ترمب، في آخر مناظرة رئاسية، أن مدينة نيويورك تحولت إلى «مدينة أشباح»، وأنها «تحتضر»، وأن «الجميع يرحلون عنها».
وأثار هذا التصريح من جانبه، والمشاعر والانطباعات التي عكسها، عاصفة من المشاعر الشوفينية الحضرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، امتدت على نحو جلي إلى مكان أكثر وضوحاً، وإن كان غير متوقع: واجهات المتاجر التي ازدانت إيذاناً باقتراب موسم أعياد الكريسماس.
في يوم من الأيام، كانت هذه الزينة أداة للترفيه وبعث البهجة في النفوس، لكنها اليوم تحولت إلى أمارات للصمود والإيمان. وفي هذا الصدد، قال توني سبرينغ، الرئيس التنفيذي لـ«بلومينغديل»: «هذه الواجهات المزدانة تبدو اليوم أشبه ببارقة النور في نهاية عام عصيب للغاية».
وأعربت ليندا فارغو، مديرة شؤون الموضة لدى «بيرغدورف غودمان» المسؤولة السابقة عن واجهات المتجر، عن اتفاقها في الرأي مع هذا الطرح، وقالت: «نعتقد أنه من المهم اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نلتزم نهجنا المعتاد خلال هذا العام».
ويحمل هذا الموقف تشابهات مع ما حدث خلال موسمي أعياد الكريسماس بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) و«الركود العظيم» عام 2008، عندما امتلأت الأجواء بتوقعات مظلمة لمستقبل نيويورك، حسبما شرح مارك ميتريك، الرئيس التنفيذي لدى مؤسسة «ساكس فيفث أفنيو».
وأضاف أن واجهات المتاجر المزدانة بزينة أعياد رأس السنة تذكر الجميع بـ«عظمة هذه المدينة». ومن هنا، جاء قرار متاجر «ساكس فيفث أفنيو» بالتركيز خلال زينة هذا العام على أفكار ترتبط حصراً بمدينة نيويورك. وأكد ميتريك أن فكرة إلغاء زينة واجهات المتاجر خلال موسم أعياد الكريسماس لم تطرح مطلقاً من الأساس.

- من واجهات المتاجر إلى الأزمة
اكتسبت واجهات المتاجر أهمية واضحة للمرة الأولى في نهاية القرن الثامن عشر، عندما نجح مصنعو الزجاج في الوصول لفكرة لإنتاج ألواح زجاجية كبيرة بما يكفي لأن تصبح واجهة لمتجر تمكن الناظرين من وراءها من مشاهدة ما بالداخل. واستخدم أحد الخياطين، ويدعى فرانسيس بليس، واحدة من هذه الواجهات الزجاجية الحديثة حينها في متجره الكائن في «تشارينغ كروس». وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، ظهرت تماثيل العرض عبر واجهات المتاجر، الأمر الذي كان بمثابة تحول كبير، وشكل مصدر إلهام لنوع جديد من الفنون: تزيين واجهات المتاجر.
جدير بالذكر أنه في المرة الأولى التي أتى فيها سيمون دونان إلى مدينة نيويورك، سارع بالتوجه مباشرة من مطار جيه. إف. كينيدي إلى فيفث أفنيو لرؤية زينة واجهات المتاجر في موسم أعياد الكريسماس. كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي، وكانت هذه الواجهات المزدانة بمثابة مصدر إلهام رائع لا نهاية له لصبي قادم من ريدينغ بإنجلترا.
وقال دونان الذي أصبح طوال عقود بمثابة المايسترو لتزيين واجهات المتاجر في بارنيز نيويورك، ويعمل حالياً حكماً في «ميكينغ إت»، برنامج الحرف اليدوية: «كان الإغراء البصري استثنائياً من نوعه، وكانت نيويورك عاصمة الواجهات المزدانة بالزينة». ومع ذلك، ابتعد دونان عن مجال تزيين الواجهات عام 2011. أما متاجر «بارني» ذاتها، فقد أشهرت إفلاسها العام الماضي، ولم يعد لها وجود اليوم. وكذلك اختفت متاجر «لورد آند آمب» و«تايلور» و«هنري بيندل» من خريطة نيويورك. وحتى متجر «نيمان ماركوس» في هودسون ياردز الذي فتح أبوابه فقط عام 2019، أغلق أبوابه هو الآخر.
أما المتاجر الكبرى التي ظلت أبوابها مفتوحة، والتي لحق بها الضعف حتى من قبل تفشي جائحة فيروس «كورونا» بسبب صعود المتاجر الأحادية والإلكترونية، فتكافح بعد شهور من الغلق الإجباري والقيود التي فرضتها المدينة على التسوق، ناهيك من الاختباء خلف حواجز خشبية في أثناء اشتعال المظاهرات.
اليوم، يبدو قلب المدينة خالياً إلى حد كبير، ولم تعد البنايات الشاهقة في المدينة تستقبل جحافل المشاهدين المحتملين الذين يستعدون للاستمتاع باستراحة الغداء أو سعة كوكتيل. أما قواعد التباعد الاجتماعي، فتعني أن عدداً ضئيلاً فقط من الأفراد يمكنهم البقاء في مكان واحد بالخارج في أي وقت بعينه.
في الوقت ذاته، تراجعت أعداد مرتادي المدينة مع انخفاض أعداد السائحين الذين اعتادوا التدفق بأعداد ضخمة على نيويورك في عيد الشكر أو قبل أعياد الميلاد لمشاهدة عرض ما، أو حتى مجرد التجول عبر شوارع المدينة.

- والآن.. تبدل كل هذا
في الوقت الحاضر، ألغت غالبية المتاجر الاحتفالات المعتادة التي كانت تتضمن الاستعانة بمشاهير لإزاحة الستار عن زينات جديدة، والتي كانت كفيلة فيما مضى بإغلاق الشوارع الرئيسية مع احتشاد الجماهير. وتحولت بعض هذه المناسبات إلى الواقع الافتراضي. ومع هذا، تبقى واجهات المتاجر صامدة.
ومن جهته، قال ميتريك، من «ساكس»: «كنا مدركين لحقيقة أن هذه الفعالية ستكون على النقيض تماماً لما اعتدنا فعله من قبل، الذي كان عبارة عن فعاليات كثيفة مزدحمة للغاية». ويذكر أن المتجر كان يستقبل مئات الوافدين خلال مثل هذه الفعاليات فيما مضى.
الأسبوع الماضي، أطلق «بيرغدورف غودمان» صفارة انطلاق موسم تزيين الواجهات بالاعتماد على تسع واجهات ملونة ضخمة يحتفي كل منها بواحدة من «القيم الأساسية»، مثل «الحب» و«التناغم» و«المساواة» وما إلى ذلك، وبدت الواجهات الملونة متلألئة كأنها جواهر عملاقة. أما العاملون لدى «ماسيز»، فيحتفلون هذا العام بإطلالات مبهجة مستوحاة من أفكار مرتبطة بعيد الشكر.
والاثنين، كشف مسؤولو «ساكس فيفث أفنيو» عن جهودهم، وكانت عبارة عن خمس واجهات تطل على فيفث أفنيو، بجانب مقتطفات تحت عنوان «كيف نحتفل الآن»، تظهر بها صور منازل تزدان بزينة العطلات وديكورات أخرى، ومشهد لأسرة عائدة في الترام عبر جزيرة روزفلت، يحمل أفرادها الهدايا. وأيضاً، نظم المتجر عرضاً ضوئياً بالاعتماد على 600 ألف مصباح غطت الواجهة بالكامل، ويمكن رؤيتها ليس من أمام المتجر فقط، وإنما كذلك من أعلى وأسفل الشارع.
وفي أقصى الشرق، تحديداً بلومينغديلز، هناك نصف درزينة من النوافذ الأخرى متوهجة متلألئة، كل منها مغمور بلون أساسي مرتبط بالعاطفة، ويحمل رسالة: «امنح ابتسامة»، مع وجه مبتسم أصفر عملاق، وكرة من كرات الديسكو الذهبية، إلى جانب إكليل من الزهور المخملية دائمة الخضرة؛ تم الكشف عنها جميعاً جنباً إلى جنب ميزة افتراضية تتضمن عروضاً من مسرح الباليه الأميركي والمغنية أندرا داي.
أما «نوردستورم»، أكبر متجر يفتتح أبوابه في نيويورك في الفترة الأخيرة، فقد كشف الجمعة عن 253 ألف قدم، أو قرابة 50 ميلاً، من الأضواء البيضاء والحمراء التي تغطي واجهة المتجر.
واللافت أنه بدلاً عن الحديث عن الطابع الفني، تحدث مسؤولو هذه المتاجر عن «المسؤولية» و«تقديم هدايا إلى المدينة» و«المجتمع».
وإذا كان شكسبير قد وصف العيون بأنها نوافذ الروح، فإن واجهات المتاجر ربما تمثل عيون لروح المدينة. ومن جهته، علق دونان بقوله: «يفكر الناس دوماً في سبل للتكيف، وأرى هذا دليلاً دامغاً على استمرار الحياة».
- بالاتفاق مع «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار الأميركي (رويترز)

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

تداول الدولار بالقرب من أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل الين، قبيل صدور بيانات التضخم الأميركي المنتظرة التي قد تكشف عن مؤشرات حول وتيرة خفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن (أ.ف.ب)

بايدن: خطة ترمب الاقتصادية ستكون «كارثة»

وصف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن اليوم الثلاثاء الخطط الاقتصادية لخليفته دونالد ترمب بأنها «كارثة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى بنك «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«سيتي غروب» تعدّل توقعاتها وتنتظر خفضاً للفائدة 25 نقطة أساس

انضمّت «سيتي غروب» التي توقعت سابقاً خفضاً لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من قبل «الاحتياطي الفيدرالي»، إلى بقية شركات السمسرة في توقعها بخفض 25 نقطة أساس.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شخص يحمل لافتة حول معارضته حظر «تيك توك» أمام مبنى الكابيتول في مارس 2023 (أ.ف.ب)

هل ينقذ ترمب «تيك توك» من الحظر؟

أيَّدت محكمة استئناف أميركية قانوناً يلزم «بايت دانس» المالكة لـ«تيك توك» ببيع المنصة أو مواجهة حظر العام المقبل، مما يوجه ضربة كبيرة للشركة الصينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة توظيف معروضة على واجهة متجر بيع بالتجزئة في كارلسباد بكاليفورنيا (رويترز)

سوق العمل الأميركية تتعافى في نوفمبر بإضافة 227 ألف وظيفة

شهدت سوق العمل الأميركية انتعاشاً قوياً في نوفمبر؛ إذ أضافت 227 ألف وظيفة، في تعافٍ ملحوظ بعد التباطؤ الكبير الذي شهدته في أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».