خلافة الصادق المهدي: هل تعيد الحرس القديم؟

خلافة الصادق المهدي: هل تعيد الحرس القديم؟
TT

خلافة الصادق المهدي: هل تعيد الحرس القديم؟

خلافة الصادق المهدي: هل تعيد الحرس القديم؟

«نورمان أندرسون» السفير الأميركي بالخرطوم خلال فترة تولي السيد الصادق المهدي رئاسة الوزارة (1986 - 1989) قال في كتاب ألفه بعد تقاعده: «حزب الأمة القومي فيه قيادات مقتدرة، لكن تظل المشكلة في كاريزما الصادق المهدي التي لا تتيح لهم إلا أن يكونوا حواريين»، فيظل مقعد الرجل الثاني أو الخليفة شاغراً حتى عندما يصبح غياب الرجل الأول حتماً مقضياً.
بعد مواراة جثمان الراحل الثرى تحت قبة المهدي بأم درمان، أول من أمس، الجمعة، حيث مرقد الأجداد الذين أسسوا الطائفة والحزب، وخلال مراسم التأبين، ألقيت ثلاث خطب من الأعضاء البارزين في أسرة الراحل المهدي، تحدث أولاً ابنه اللواء متقاعد عبد الرحمن الصادق ثم ابنته (نائبة الرئيس) الدكتورة مريم الصادق، فابنه المهندس صديق الصادق. حسمت كلماتهم التوقعات بوجود «وصية» خطها قبل رحيله أوصت بانتقال سلس للقيادة، إذ لم ترد أي إشارة لذلك في كلماتهم لكن القاسم المشترك بينها كان الحديث ولأول مرة عن «الوحدة»، وجمع شتات الحزب من جهة، وكيان الأنصار من جهة أخرى. وقال عبد الرحمن إن والده الصادق المهدي كلفه بتوحيد الحزب قبل عام من وفاته.
الحزب منقسم إلى خمسة أحزاب تشتق اسمها من «حزب الأمة». وكيان الأنصار منقسم بين بيتي الصادق المهدي وعمه أحمد المهدي.
عبد المحمود أبَّو، الأمين العام الجديد، لهيئة شؤون الأنصار - التي يرأسها الراحل الصادق المهدي - حسم الجدل حول توليه منصب «إمام الأنصار»، خلال خطبة الجمعة أول من أمس، فقال: «لا توريث، الإمام يأتي وفق النظام الأساسي للكيان». وينص النظام الأساسي على انتخاب الإمام وليس تعيينه، ومن المفترض أن يظل هذا المنصب شاغراً إلى حين انعقاد هيئة «الحل والعقد» التي كان يرأسها الراحل نفسه، لتحسم ميقات المؤتمر العام الذي يختار الإمام الجديد. غير أن الحزب اختار أمس عبد المحمود أبَّو، لتولي إمامة الأنصار إلى حين انعقاد المؤتمر العام.
لم يهتم الحزب كثيراً بترتيب مستقبل القيادة في حال غياب الإمام الصادق المهدي، فلم ترد في نظامه الأساسي أي إشارة لطريقة إدارة الحزب في حال غياب رئيسه واكتفى الصادق المهدي خلال حياته بتعيين خمسة نواب له بلا صلاحيات أصيلة، هم اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر، الذي شغل سابقاً منصب وزير الدفاع، والفريق إسماعيل صديق، والدكتورة مريم الصادق، والدكتور إبراهيم الأمين، والسيد محمد عبد الله الدومة الذي شق عصا الطاعة وقبِل بتولي منصب والي ولاية غرب دارفور حاليا.
ضرورة المرحلة وتجنباً للشقاق المبكر أصبح اللواء فضل الله برمة قائماً بأعمال رئيس الحزب إلى حين، لتظل مسألة الخلافة معلقة في انتظار تجاوز أيام الحزن والصدمة الأولى.
كيان الأنصار الذي يشكل الواجهة الدعوية «الدينية» للحزب لم يعد حاضنة جماهيرية داعمة كما كان في حقبتي الستينات والثمانينات عندما تولى الصادق المهدي رئاسة الوزراء مرتين، فقد أصبح أقرب إلى جمعية «قدامى المحاربين» تأتلف تحت ظله قيادات الأنصار التقليدية وتتشبث بإرثها الملتزم تجاه الدعوة المهدية دون أن يكون له دور حقيقي في صناعة القرار أو توجيه البوصلة.
وزاد من ضعف الكيان انشقاق البيتين، بيت الصادق المهدي، وبيت عمه أحمد المهدي، فأصبح الكيان مجرد واجهة رمزية تمنح العلامة الطائفية وتوقير القيادة الروحية.
مع غياب الصادق المهدي، ودعوة أبنائه لوحدة الكيان يبدو الخيار الأفضل - وليس الأقرب - إعادة تنصيب أحمد المهدي إماماً للكيان، رغم معاناته من تقدم العمر والمرض فهو يمنح رمزية الوحدة بين البيتين دون أن يؤثر على توازن القوى بينهما.
لكن مثل هذا الخيار تحكمه موافقة وتراضي أسرة الصادق المهدي التي تتحسس بحذر تطلعات وفرص الأبناء الذين قد يدخلوا في قائمة الترشيحات، وهم: عبد الرحمن، وصديق، والابن الأصغر محمد أحمد الذي يعتقد كثيرون أن والده كان يفضل أن يتفرغ لشؤون كيان الأنصار.
في حال إقرار وحدة كيان الأنصار واجتمع شمل البيتين، فسيتكون مجلس يجمع ممثلين للبيتين وبعض القيادات الأهلية التي تنتمي لطائفة الأنصار ليتولى مهام الهيئة الأعلى في إدارة الكيان.
المطلعون على كواليس المشهد داخل الحزب والأسرة، يرون أن فرص تولي اللواء فضل الله برمة لقيادة الحزب - بعد انتهاء فترة الانتقال - تبدو شبه منعدمة، فهو محدود التواصل مع القواعد قياساً بالفريق إسماعيل صديق الذي يمتاز بقوة الشخصية وسعة التواصل - بل السيطرة - على قواعد الحزب في ولايات السودان المختلفة.
الرياح تدفع بقوة نحو توحيد أحزاب الأمة قبل التطلع للإجابة على سؤال الخلافة، وفي حال أسفرت التفاهمات الجارية حالياً بين أقطاب الأسرة على التوجه نحو هذا الخيار فإن عاملاً جديداً سيكون لاعباً رئيسياً في تقرير مصير الخلافة، هو الحرس القديم.
الحرس القديم؛ هم الذين غابوا وابتعدوا عن مؤسسات الحزب خلال السنوات الماضية لكن دون أن يفقدوا اتصالهم بالصادق المهدي أو دهاليز وقواعد الحزب، مثل السيد عبد الرسول النور الذي شغل منصب حاكم إقليم كردفان سابقاً.
سيناريو توحيد أحزاب الأمة بدأ يظهر على السطح من الساعة الأولى لرحيل الصادق المهدي، بمطالبات من بعض قيادات الحزب التقليدية المشفقة على مستقبل الحزب بعد غياب قائده الأعلى، لكنه لا يزال قراراً أسرياً محضاً قبل أن يكون قرار مؤسسات الحزب، فوحدة أحزاب الأمة تمنح السيد مبارك الفاضل رئيس أحد هذه الأحزاب سُلما يرتقي به إلى رئاسة حزب الأمة كونه الأكثر حظاً لجمعه بين البيت والحزب، ثم خبرته وقدراته وعلاقاته السياسية.
في الأفق عامل آخر مهم محجوب خلف كثيرا من حساسيات حسابات المرحلة، ألا وهو القيادة الحالية للبلاد في شقيها المدني والعسكري.
من مصادر مطلعة، تبدو القيادة الحالية في شقها السيادي مهتمة بتعزيز الدور الريادي لحزب الأمة في المرحلة الانتقالية، وترى هذه القيادة أن الصادق المهدي عَبّر عن آراء وخطة رشيدة للمستقبل لكنه دائماً ظل يعاني من المسافة الفاصلة بين ما يقوله وما يستطيع أن يفعله حقيقة، وترى هذه القيادات أن سرعة ملء الفراغ في قيادة الحزب بشخصية مؤثرة ديناميكية يشكل أحد أهم عوامل استقرار الفترة الانتقالية.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.