الحوار التلفزيوني الأول لانتصار السيسي يخطف اهتمام المصريين

تحدثت عن تفاصيل ارتباطها بالرئيس وبعض طباعه الشخصية

انتصار السيسي زوجة الرئيس (صفحتها الرسمية على فيسبوك)
انتصار السيسي زوجة الرئيس (صفحتها الرسمية على فيسبوك)
TT

الحوار التلفزيوني الأول لانتصار السيسي يخطف اهتمام المصريين

انتصار السيسي زوجة الرئيس (صفحتها الرسمية على فيسبوك)
انتصار السيسي زوجة الرئيس (صفحتها الرسمية على فيسبوك)

خطفت السيدة انتصار السيسي، زوجة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اهتمام المصريين خلال الساعات الماضية، بعد ظهورها لأول مرة في حوار تلفزيوني أجرته معها الفنانة إسعاد يونس، مساء أول من أمس، عبر قناة «DMC» المصرية.
وتصدرت هاشتاغات تحمل اسم السيدة انتصار السيسي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أمس عقب انتهاء الحوار معها، إذ أشاد عدد كبير من المتابعين والسياسيين والإعلاميين بمحتوى الحوار، والتفاصيل التي كشفت عنها قرينة الرئيس لأول مرة.
وترجع الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميدة كلية الإعلام سابقاً بجامعة القاهرة، سبب اهتمام المصريين بحوار «السيدة الأولى» إلى تمتع «الشعب المصري بعواطف إنسانية لافتة، تقوده إلى حب التعرف على تفاصيل الحياة الشخصية لرئيس الجمهورية الذي يحكمهم، لا سيما أنها تظهر لأول مرة في حوار تلفزيوني خاص، بعد مرات من ظهورها الخاطف في مناسبات عدة برفقة الرئيس».
وتحدثت السيدة انتصار السيسي عن تفاصيل نشأتها بميدان الجيش (وسط القاهرة)، المنطقة القريبة من مسقط رأس الرئيس (الجمالية)، موضحة أن «هذين الحيين يتميزان بالمحبة والجيرة الطيبة والأصول»، وقالت إن «والدة الرئيس هي من شجعتني ودعمتني في البداية، وعلمتني أن سبب نجاح أي بيت هو المحافظة على الخصوصية»، على حد تعبيرها.
وذكرت أنها التحقت بكلية التجارة جامعة عين شمس، قبل زواجها من الرئيس السيسي الذي لم يكن عنده وقت كاف لقضاء «شهر العسل»، بحسب وصفها. ولفتت إلى أنه «يحب كل التفاصيل والمتابعة والتواصل. وعندما يكون موجوداً في مكان، يحب معرفة كل التفاصيل بشأنه».
وكشفت عدم إجادتها للطهي في بداية زواجهما، قائلة: «لم أكن أجيد الطهي في بداية زواجنا، لكنه ساعدني بصبر وحنية، فهو إنسان حنين على أسرته كلها»، على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن «السيسي عندما يصل البيت حالياً يعيش حياة طبيعية، ويجلس مع أحفاده، والجميع يشعر بالفرح».
وترى عبد المجيد أن «كثيراً من المتابعين لحوار السيدة انتصار الأول لاحظوا تشابهاً كبيراً بين بدايات السيسي وتفاصيل حياته الحالية، وبين حياتهم أيضاً»، معتبرين «أنه واحد منهم، خرج من أحياء بسيطة مثلهم».
وتضيف عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»: «السيدة المصرية ليست ضعيفة، كما يشيع بعضهم، بل هي قوية جداً، وتتحمل مسؤوليات كبيرة، حتى لو كان مستواها التعليمي منخفضاً، فهي سيدة صلبة»، مشيرة إلى أن «المشاهدين شعروا ببساطة زوجة الرئيس وعفويتها وصدقها، لذلك أشادوا بإطلالتها الحوارية الأولى، خصوصاً حديثها عن حزم وحنية الرئيس».
وعما إذا كان الحوار الأول لقرينة السيسي جاء متأخراً، لا سيما بعد مرور نحو 6 سنوات على توليه رئاسة مصر، تقول عبد المجيد: «ربما كانت الظروف السياسية والأمنية غير مواتية خلال السنوات الماضية لإجراء حوار معها، لكن مع استقرار الأوضاع ظهرت تلفزيونياً بشكل جيد خطف اهتمام قطاع عريض من الجمهور».
وتحدثت عبد المجيد عن العامل المشترك بين معظم زوجات رؤساء مصر خلال العقود الأخيرة، قائلة: «العنصر المشترك الأكثر أهمية هو أنهن كن زوجات ضباط بالجيش المصري، بداية من زوجة الرئيس جمال عبد الناصر حتى زوجة السيسي»، وهو ما تعلق عليه عبد المجيد قائلة: «من خلال الأبحاث التي أجريتها سابقاً على قرينتي السادات ومبارك، لاحظت أن الاثنتين قدمتا صورة مفصلة عن حياة الضباط المصريين، وتحملهن للمسؤولية بسبب انشغال أزواجهم الدائم في عملهم العسكري قبل قيادة البلاد، وهو ما تكرر في حديث انتصار السيسي أيضاً».
وتشير عبد المجيد إلى أن «انخراط انتصار السيسي في العمل العام خلال الفترة المقبلة يتوقف على مدى استعدادها للعب دور مجتمعي، على غرار جيهان السادات وسوزان مبارك اللتين بذلتا جهوداً كبيرة في خدمة شؤون المرأة والطفل والقراءة والثقافة».
وخلال لقائها الأول، أضافت انتصار السيسي أن «الرئيس كان يضع أمامه هدفاً لإحداث نقلة من الناحية العملية»، لافتة إلى أن «أكثر وقت يكون فيه مبتهجاً عندما ينفذ إنجازاً يسعد الناس».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)