كاميرات تصوير الأفلام والمسلسلات تعود إلى شوارع نيويورك

TT

كاميرات تصوير الأفلام والمسلسلات تعود إلى شوارع نيويورك

على الجهة المقابلة من مستشفى بيليفو في مانهاتن في وقت قريب، وقف العشرات من أفراد طاقم تصوير يرتدون سترات سلامة صفراء وانهمكوا في تصوير مشهد لدراما تلفزيونية بعنوان «نيو أمستردام»، في الوقت الذي كان أطباء وممرضون حقيقيون يمرون إلى جوارهم. وعلى بعد بضع بنايات، كان يجري تصوير مشهد صباحي من مسلسل «مانيفست» التلفزيوني داخل إحدى الحانات، وبعد ذلك وضع فريق العمل رافعة داخل أحد الملاعب في ميدتاون استعدادا لإضاءة مشهد ليلي.
ومع حلول الظلام على «برودواي» وغلق دور المسارح وقاعات الحفلات الموسيقية وفرض قيود صارمة على العروض الحية، تعرضت صناعة الفن والترفيه داخل مدينة نيويورك للدمار جراء تفشي جائحة فيروس «كورونا».
ومع ذلك، فإنه في خضم هذا التراجع والانحسار، تبدو صناعة الإنتاج التلفزيونية والسينمائي بمثابة نقطة مضيئة، مع امتلاء استوديوهات المدينة، وكذلك شوارعها على نحو متزايد، من جديد بأطقم إنتاج الكثير من الأعمال التلفزيونية، رغم ارتفاع أعداد الإصابات داخل نيويورك وعبر أرجاء البلاد.
جدير بالذكر أن صناعة الأفلام والأعمال التلفزيونية حققت عائدات لمدينة نيويورك خلال العام السابق للوباء بقيمة 60 مليار دولار. وحتى هذه اللحظة، لم تفلح هذه الصناعة في العودة إلى ذروتها السابقة. ومن بين قرابة 80 مسلسلا كان يجري تصويرها أو التخطيط لتصويرها في مدينة نيويورك خلال موسم 2019 - 2020 استأنف 35 منها العمل بحلول مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، ومن المتوقع عودة 5 أخرى للعمل بحلول نهاية العام، تبعا لما أعلنه مكتب شؤون الإعلام والترفيه التابع لعمدة المدينة.
ومع هذا، فإن حدوث أي زيادة كبيرة في أعداد الإصابات يمكن أن يشكل تهديدا لهذا التعافي، خاصة إذا ما قرر الحاكم أندرو إم. كومو إعلان نيويورك «منطقة حمراء» وأمر بإغلاق جميع النشاطات التجارية غير الضرورية من جديد. ومع ذلك، فإنه داخل مانهاتن التي أنهكها الوباء، وتعج واجهات البنايات والمتاجر فيها بلافتات «للإيجار»، يبدو منظر العشرات من شاحنات الإنتاج المتلألئة وضجيج العمال أثناء نقلهم المعدات من داخل الشاحنات إلى أماكن التصوير، مؤشرا يبعث على الأمل ويعيد للمدينة بعضا من روحها السابقة المفقودة. كما يساعد هذا الآلاف على العودة إلى أعمالهم، وتعزيز صورة مدينة نيويورك باعتبارها حاضرة صامدة في عيون الملايين بمختلف أرجاء العالم الذين يتابعون المسلسلات التي يجري تصويرها في نيويورك.
وأفادت جميع الاستوديوهات الكبرى في المدينة ـ «كوفمان أستوريا استوديوز» في كوينز و«ستينر استوديوز» في منطقة «بروكلين نيفي يارد» و«سيلفركب استوديوز» في لونغ آيلاند سيتي ـ بأنها تعمل بكامل طاقتها، رغم أنه غير مسموح بالعمل عبر أي مرحلة من مراحل الإنتاج سوى بنسبة 50 في المائة من كامل قدرتها في الظروف العادية، وذلك تبعا لما تنص عليه القواعد الجديدة الصادرة عن سلطات المدينة.
عن ذلك، قال هال روزينبلوث، رئيس «كوفمان أستوريا استوديوز» في كوينز: «إنها صناعة نشطة للغاية، وليس من الضروري أن تبقى في نيويورك. أما الأمر الذي بث شعورا طيبا بداخلي أن المسؤولين التنفيذيين الذين يتخذون مثل هذه القرارات لا يزالون على ثقة من العودة إلى نيويورك، وهذا أفضل ما يمكن أن نأمل فيه». أدت بروتوكولات السلامة المتداخلة للنقابات العمالية في الصناعة والشركات الأم في هوليوود وحكومة ولاية نيويورك وحكومة المدينة إلى فرض تدابير احترازية قوية للسلامة، على الأقل فيما يخص الأعمال التي يجري تصويرها داخل الاستوديوهات الكبرى. وفي الوقت ذاته، تكشف الاختبارات شبه اليومية عن حالات إصابة بفيروس «كورونا» بين أفراد طاقم الإنتاج والممثلين، استمر العمل، في الغالب، مع حدوث القليل من التأخير، وذلك بغية إرضاء الجمهور الذي يذهب إلى المنزل متلهفا للحصول على محتوى جديد. كانت الاستوديوهات على استعداد لدفع مبالغ كبيرة مقابل الإجراءات الاحترازية لضمان السلامة، ما أدى إلى تضخم تكاليف الإنتاج بنحو 30 في المائة.
ونجحت مشروعات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني أن تجد سبيلا للاستمرار في التصوير، خاصة أن مسألة التوقف عن التصوير يمكن أن تكبد الشركات المعنية خسائر فادحة، حسبما أوضح هال، الذي يجري اتصالا أسبوعيا بعدد من المنتجين للتشارك في النصائح المتعلقة بالتصوير في خضم الوباء.
وقال: «جائحة الوباء تزيد الوضع تعقيدا وتضيف تحديا جديدا إلى صناعة تعج بالفعل بالتحديات».
أما أعمال التصوير الخارجي في نيويورك فاتسمت بوتيرة عودة أبطأ، وزادت من صعوبة الأمر متطلبات التباعد الاجتماعي، وزيادة الطلب على المساحات الخارجية الموجودة بالهواء الطلق. على سبيل المثال، تغطي طاولات تناول الطعام الكثير من الممرات الجانبية والمتنزهات في المدينة.
علاوة على ذلك، حدث تحول في طبيعة التفاعل بين الجمهور العام وأطقم صناعة الأفلام داخل المدينة. كانت أطقم صناعة الأفلام اعتادت التعامل مع مزيج من المتابعين الفضوليين و«أبناء نيويورك الحقيقيين» الذين يسيرون عبر المكان المخصص للتصوير دون أن يلحظوا ذلك.
في هذا الصدد، أوضحت كيلي ماهوني، مساعدة مخرج مسلسل «مانيفست» الذي تنتجه محطة «إن بي سي»، أنه: «اليوم، أرى ناسا يطالعوننا بدهشة، ثم يسيرون في الاتجاه الآخر. كان هذا أمرا غريبا بحق». يذكر أن «مانيفست» جرى استئناف تصويره في مانهاتن للمرة الأولى في منتصف نوفمبر.
داخل أماكن التصوير، كان التغيير الأكثر وضوحا في أن ارتداء أقنعة حماية الوجه إلزامية، وكذلك الحال مع دروع الوجه بالنسبة لأفراد طاقم العمل الأقرب إلى الممثلين. كما أن الأحواض التي يمكن حملها ونقلها تحولت هي الأخرى إلى عنصر أساسي في أماكن التصوير في الشوارع. علاوة على ذلك، يرتدي أفراد طاقم العمل أساور ملونة، ولكل لون معنى مختلف، بحيث يتعرف على كل فرد على منطقة العمل الخاصة به ويجري الحد بأقصى قدر ممكن من الاتصال بين العاملين والآخرين المسموح لهم بالاقتراب بأكبر درجة من مكان التصوير. أما الممثلون، فيسمح لهم بخلع أقنعة الوجه أثناء التصوير، ثم يسارعون لارتدائها بمجرد وقف التصوير.
من جهته، أكد هارفي والدمان، أحد منتجي المسلسل، أنه: «حتى الآن، لم تسجل حالة إصابة واحدة في مكان العمل، لكن الأمر يشبه دوما لعبة القمار». وأضاف «في الوقت ذاته، تلحظ روح الألفة القوية بين أفراد العمل وتشعر أن كل فرد يهتم بالآخر». في الغالب، التزمت شركات الإنتاج بتصوير الأعمال داخل استوديوهات يمكن السيطرة على البيئة داخلها. ومن جانبهم، أدخل كتاب السيناريو والنصوص تعديلات أيضا للحد من المشاهد الحميمية وتحويل بعض أماكن التصوير إلى مساحات أكثر اتساعا خارج المدينة.
قبل تفشي الجائحة، عادة ما كان يصدر مكتب شؤون الإعلام والترفيه التابع لعمدة نيويورك قرابة ألف تصريح للتصوير الخارجي في ممتلكات عامة شهريا. اليوم، وبعد الإغلاق الكامل خلال الربيع، بدأت أعداد التصاريح في التزايد في سبتمبر (أيلول)، عندما سمح لما يصل إلى 100 شخص من أطقم إنتاج الأفلام بالعمل في مكان واحد. الشهر الماضي، صدر 559 تصريحا. ومع هذا، فإن العودة إلى شوارع المدينة خلال الأسابيع القليلة الماضية أثار بعض الأحيان مستوى من التفاعل والاتصال بين أفراد طاقم العمل والجمهور مثيرة للقلق لكلا الجانبين.
على سبيل المثال، داخل موقع تصوير «نيو أمستردام» في أحد أيام الثلاثاء الأخيرة، وجد طاقم العمل الكبير من المستحيل التزام قواعد التباعد الاجتماعي تماما أثناء عمل الممثلين داخل متنزه صغير في فيرست أفنيو، واستمر راكبو الدراجات في اختراق موقع التصوير.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.