تزايد الصراع على السلطة يهدد مخاطر الانتقال السياسي في السودان

TT

تزايد الصراع على السلطة يهدد مخاطر الانتقال السياسي في السودان

يدور حالياً صراع محموم بين أحزاب التحالف الحاكم في السودان (قوى التغيير) وأطراف عملية السلام من الحركات المسلحة؛ حيث يسعى كل طرف جاهداً لتعزيز وجوده في أجهزة السلطة الانتقالية، (مجلسي السيادة والوزراء)، وفي مجلس شركاء الفترة الانتقالية، الذي يجري حوار لتشكيله ليصبح مرجعية لرسم السياسات العامة للدولة، وفض النزاعات التي تنشأ بين شركاء الحكم. وشنت حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام هجوماً على أحزاب «قوى إعلان الحرية والتغيير»، المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، واتهمتها بالهيمنة على السلطة، وتمكين عناصرها في وظائف قيادية بالدولة، والسعي للاستحواذ على الحصة الكبرى في التشكيل الوزاري المقبل.
وكانت عدة قيادات داخل الجبهة الثورية السودانية قد عبّرت صراحة عن نيتها استبدال الحاضنة السياسية التي تمثلها قوى «التغيير» بأجهزة السلطة الانتقالية، بالإضافة إلى المجلس التشريعي الانتقالي، لتمثل البديل القانوني والدستوري للأحزاب، فيما قللت قيادات «قوى التغيير» من تأثير هذه المواقف على تماسك التحالف، واستمراره مرجعية سياسية للحكومة خلال الفترة الانتقالية.
واعتبر عادل خلف الله، المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، مطالب الحركات المسلحة بتغيير التحالف «مجرد تكتيك سياسي» لتحقيق أكبر مكاسب تسعى لها في هياكل السلطة الانتقالية. مضيفاً أن المصلحة الوطنية تقتضي خلال فترة الانتقال حشد كل القوى السياسية حول القواسم المشتركة، لتوسيع فرص المشاركة، قصد مواجهة القضايا التي تواجه البلاد في المرحلة الانتقالية. وقال إن نسب مشاركة الحركات المسلحة في هياكل السلطة «محددة وواضحة» في اتفاقية السلام، الموقعة بين الحركات والحكومة الانتقالية؛ حيث منحتهم 3 أعضاء في مجلس السيادة، و6 وزراء في الحكومة، بجانب 75 مقعداً في المجلس التشريعي، مشيراً إلى أن هناك فصائل مسلحة ينتظر انضمامها للعملية السلمية حتى يكون السلام شاملاً.
وفيما يتعلق بالمشاورات الجارية حالياً بين قوى التغيير وأطراف عملية السلام لبحث التشكيل الحكومي وتكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية، قال خلف الله: «لكل فصيل الحق في المشاركة السياسية، دون تغييب الوعي بمتطلبات الفترة الانتقالية، وحسبان الأمر وكأنه غنائم»، مضيفاً أن أي خلاف قابل للأخذ والعطاء من خلال النقاش والحوار بين الأطراف، بعيداً عن التراشق الإعلامي.
من جهته، قال المحلل السياسي عبد الله رزق: «لقد جرت منذ وقت مبكر تفاهمات بين المجلس العسكري (المنحل)، المكون العسكري الحالي في مجلس السيادة الانتقالي، والمجموعات المسلحة، سبقت مفاوضات السلام، ولا يستعبد أن يكون الطرفان قد توصلا لاتفاقيات سرية غير معلنة». مشيراً إلى أن الهجوم الحاد الذي تشنه الحركات المسلحة ضد قوى «التغيير» والوثيقة الدستورية، يعزز التحالف بين العسكريين في مجلس السيادة والمجموعات المسلحة، التي جاءت باتفاقية السلام، وتعمل على تهيئة الأوضاع لإقصاء قوى «التغيير» من السلطة.
ويضيف رزق موضحاً أن العسكريين في السلطة الانتقالية «يخططون منذ فترة طويلة للاستناد على بعض المجموعات المسلحة بهدف السيطرة على صناعة القرار ومراكز السلطة، واستبعاد قوى الثورة من أن تكون المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية»، مشيراً إلى أن التحالف الجديد الذي يسعى العسكريون والجماعات المسلحة إلى تشكيله في السلطة الانتقالية يجد دعماً من قوى في الإقليم، تعمل على تمكين الجيش في السلطة لعرقلة النظام الديمقراطي التعددي، الذي تسعى قوى الثورة لتأسيسه في البلاد.
ويقول قيادي بقوى «التغيير»، فضّل حجب اسمه، إن أحزاب «قوى إعلان الحرية والتغيير» «تظل المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، ولن تستطيع أي قوة استبعادها من الحكومة أو تحجيم دورها، لأنها تمثل قوى الثورة في الشارع السوداني». مبرزاً أن الوثيقة الدستورية واضحة، وكذلك اتفاق السلام، وأن كل الأجهزة التي تنشأ عن هذه المواثيق «تحدد نسب كل الأطراف في السلطة، ولا مجال لتغول أي طرف على الآخر، وإزاحته من هياكل السلطة الانتقالية».
وأوضح القيادي ذاته أن مجلس شركاء الفترة الانتقالية «لا يمثل مرجعية سياسية للحكومة، أو أياً من هياكل السلطة، لأن اللائحة حددت صلاحياته واختصاصاتها في وضع السياسات العامة للبلاد، ودوره في حل الخلافات بين مكونات السلطة».
ويتكون المجلس، بحسب مشروع المقترح المقدم، من رئيس الوزراء، و5 ممثلين يختارهم المكون العسكري في مجلس السيادة، و12 ممثلاً من قوى إعلان الحرية والتغيير، و5 من الحركات المسلحة.
وكانت الحركات المسلحة في الجبهة الثورية قد اعترضت على تمثيل المدنيين في مجلس السيادة بمجلس الشركاء، كما اعترضت على تمثيل وزيرين من الحكومة لتقليص وجود قوى «التغيير» في مراكز اتخاذ القرار، وزيادة حصتها في مجلس الوزراء.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.