شكك «المرشد» الإيراني علي خامنئي في جدوى التفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، والدول الأوروبية، لكنه لم يغلق الباب في وجه العودة لطاولة المفاوضات، قائلاً إن بلاده «جربت التفاوض لرفع العقوبات مرة ولم تتوصل إلى نتيجة»، وذلك رغم تحدث حكومة طهران عن تفاؤل بعودة الشركات الأجنبية للبلاد في «غياب (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب» وتخفيف «الضغط الأقصى».
وزاد فوز الرئيس المنتخب جو بايدن احتمال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية الكبرى في 2015 والذي رُفعت بموجبه العقوبات عنها في مقابل كبح برنامجها النووي. وانسحب ترمب من الاتفاق، في مايو (أيار) 2018، وأعاد فرض العقوبات في إطار استراتيجية «الضغط الأقصى» لتعديل سلوك طهران في المنطقة واحتواء برنامجها الصاروخي. وردت إيران بتقليص التزامها به.
ويقول طاقم بايدن إنه يستهدف العودة للاتفاق إذا عادت إيران للالتزام ببنوده. لكن وكالة «رويترز» نقلت عن دبلوماسيين ومحللين، أمس، قولهم إنه من غير المرجح حدوث ذلك بين عشية وضحاها، نظراً لأن الجانبين سيرغبان في التزامات إضافية.
وتريد واشنطن من إيران كبح برامجها الصاروخية التي لا يشملها الاتفاق النووي، والحد من تدخلاتها في الشرق الأوسط. ولطالما قالت إيران إنها لن تتفاوض بخصوص الصواريخ، ولن تشارك في محادثات ما لم تعد واشنطن للاتفاق النووي وترفع العقوبات دون شروط.
وأفصح خامنئي عن موقفه من النقاش الدائر في إيران حول إمكانية عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، وتجدد التفاوض بين طهران وواشنطن لرفع العقوبات. وصرح: «بطبيعة الحال؛ جربنا مسار رفع العقوبات لمرة، وأجرينا مفاوضات لسنوات، لكن لم تؤد إلى نتيجة». وقال في إشارة ضمنية إلى تفاؤل المسؤولين الإيرانيين بفوز بايدن: «لا يمكن الاعتماد على كلامهم والبناء عليه. وضعهم الداخلي ليس واضحاً مطلقاً، والمشكلات الأخيرة لا تسمح لهم بالتحدث واتخاذ موقف من القضايا الدولية»، وأضاف: «البعض ينظر بعين التفاؤل إليهم، لكن يجب أن نفترض أنه لن تكون أي حلول من الخارج».
وسبق للرئيس الإيراني حسن روحاني أن رأى في فوز بايدن فرصة للولايات المتحدة لتعويض «أخطائها السابقة»، مؤكداً أن بلاده لن تفوّت أي فرصة لرفع العقوبات عنها.
ولأول مرة منذ تفشي جائحة «كورونا»، ظهر خامنئي، المسؤول الأول في البلاد، أمس، في اجتماع لكبار المسؤولين في النظام، في مقدمتهم الرئيس روحاني ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ورئيس القضاء إبراهيم رئيسي، لتنسيق القضايا الاقتصادية، في ظل التباين بين دوائر النظام حول إدارة الأزمة الراهنة.
وقال خامنئي إن مسار «التغلب على العقوبات وجعلها غير فعالة، أمر ممكن. في البداية قد يواجه صعوبات ومشكلات، لكن النهاية ستكون سعيدة». وأضاف: «هذه الجرائم تمارس منذ سنوات على الشعب الإيراني، لكنها اشتدت في السنوات الثلاث الأخيرة»، لافتاً إلى أن بلاده تواجه طريقين: «جعل العقوبات غير فاعلة والتغلب عليها، أو رفع العقوبات».
ووصف خامنئي العقوبات بأنها «واقع مرير» و«جريمة أميركية بشراكة الدول الأوروبية ضد الشعب الإيراني». وقال: «الوضع الأميركي ليس واضحاً، والأوروبيين يتخذون باستمرار موقفاً ضد إيران». وقال: «يقولون لنا إنه يجب أن نتوقف عن التدخل في المنطقة، في حين أنهم لديهم أكبر التدخلات الخاطئة في قضايا المنطقة، وبينما تملك بريطانيا وفرنسا صواريخ نووية مدمرة، وألمانيا تسير على هذه الطريق، يقولون لنا ألا نمتلك صواريخ». وخاطب الأوروبيين بنبرة تحذير: «ما دخلكم أنتم؟ يجب عليكم أولاً إصلاح أنفسكم قبل أن تدلوا بأي رأي».
وجاءت تصريحات خامنئي غداة اجتماع بين وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أو ما تعرف بـ«مجموعة إي3»، في برلين حول انتهاكات إيران للاتفاق النووي.
وترى الدول الثلاث فرصة للعودة إلى نهج مشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن البرنامج النووي الإيراني، عندما يباشر بايدن مهامه الرئاسية في يناير (كانون الثاني) المقبل.
ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي ألماني أن الدول الأوروبية الثلاث تستعد لفترة من الدبلوماسية المكثفة لعلمها بأنها ستواجه مفاوضات صعبة. ودعت الحكومة الألمانية إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي.
ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية، أول من أمس، عن النائب أبو الفضل عموئي، المتحدث باسم لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، أن اللجنة وافقت على مشروع قانون يلزم الحكومة برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 في المائة، ضمن مشروع قانون يلزم الحكومة باتخاذ «خطوة عاجلة واستراتيجية لإلغاء العقوبات».
وينص القانون على إلزام الحكومة بمنع عملية التحقق التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الأنشطة النووية الإيرانية.
وضمن انتهاك البنود الأساسية للاتفاق النووي، كانت إيران قد أعلنت عن رفع مستوى التخصيب إلى 4.5 في المائة، متجاوزة سقف الاتفاق النووي.
متحدث: الشركات ستعود
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، إن إيران تتوقع عودة الشركات الأجنبية للبلاد إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات بعد تولي الرئيس المنتخب جو بايدن الحكم، وإن بعض الشركات أجرت اتصالات أولية بالفعل.
وغادرت شركات أجنبية كبرى إيران بعد إعلان ترمب منذ عامين انسحاب بلاده من اتفاق إيران النووي وأعاد فرض عقوبات اقتصادية عليها. ووضعت واشنطن منذ ذلك الحين عشرات الشركات الأجنبية على قائمة سوداء متهمة إياها بالتعاون مع إيران.
ونقلت «رويترز» عن ربيعي قوله في مؤتمر صحافي بثه موقع حكومي إلكتروني: «زادت في الفترة الأخيرة الاتصالات لفتح مكاتب لشركات أجنبية ووجود تمثيل لها في إيران». وأضاف أن الشركات التي لم تغادر إيران رغم العقوبات قد تُمنح فرصاً أكثر في المستقبل. ولم يذكر أي شركة بالاسم.
ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي أوروبي أن الشركات لا تزال حذرة إزاء ضعف الشفافية في إيران، وأن رفع بايدن العقوبات لن يكون كافياً لإغرائها بالعودة. وأضاف: «ليست هناك أي فائدة لشركة كبرى من العمل في سوق لا تتوفر فيها شفافية مالية تذكر. لن يجيز أي مسؤول عن الامتثال للقواعد التنظيمية مثل هذه الخطوة».