«الصحة العالمية»: الفوز في سباق اللقاحات ليس هدفاً... بل فاعليتها وتعميمها

11 مشروعاً من أصل 50 في الشوط الأخير

باحث في مختبر هندي يعمل على إنتاج لقاح ضد «كورونا» (رويترز)
باحث في مختبر هندي يعمل على إنتاج لقاح ضد «كورونا» (رويترز)
TT

«الصحة العالمية»: الفوز في سباق اللقاحات ليس هدفاً... بل فاعليتها وتعميمها

باحث في مختبر هندي يعمل على إنتاج لقاح ضد «كورونا» (رويترز)
باحث في مختبر هندي يعمل على إنتاج لقاح ضد «كورونا» (رويترز)

مع الاحتدام الذي يشهده السباق الدولي على اللقاحات ضد (كوفيد - 19)، عادت منظمة الصحة العالمية لتشدّد على أن اللقاح لن يكون الأداة السحرية للقضاء على الوباء، وأن الفوز في السباق لن يجدي كثيراً إذا لم تتوفّر عدّة بدائل أخرى بجانبه.
وقال هانز كلوغيه، مدير المكتب الإقليمي الأوروبي لمنظمة الصحة، إن اللقاح وحده لا يمكن أن يقضي على الفيروس في الأمد القصير، وإن السباق الجاري حالياً لا يجب أن يكون من أجل الوصول في الطليعة إلى خط النهاية، بل لإنتاج أكبر عدد ممكن من اللقاحات الفعّالة. وأضاف أن النصر النهائي في المعركة العالمية ضد الجائحة لن يتحقق بمجرّد إنتاج اللقاح أو الحصول عليه، بل إن القدرة على توزيعه بأمان وفاعلية هي التي ستحسم النتيجة النهائية.
ولا يخفي المسؤولون في منظمة الصحة العالمية قلقهم من دخول السباق الدولي على تطوير اللقاحات وإنتاجها دائرة المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا، ومن أن تكون هذه المنافسة على حساب المعايير العلمية للفاعلية والسلامة، وأن تكون ضحيتها الدول النامية والفقيرة التي لا تملك القدرة على شراء اللقاحات الكافية أو توزيعها بفاعلية على مواطنيها.
وفيما تسعى الدول الكبرى إلى جعل حملات التلقيح منصّة لإظهار قدراتها اللوجيستية، أفادت المنظمة الدولية بأن ثمّة 50 مشروعاً لإنتاج اللقاحات يجري اختبارها سريرياً في العالم، وأن 11 منها دخل الشوط الأخير من التجارب التي تمهّد للموافقة النهائية عليه، لكن البيانات العلمية المتوفّرة حتى الآن لا تسمح بتحديد موقف جازم من فاعلية هذه اللقاحات أو سلامتها.
وفي موازاة هذا السباق على تطوير اللقاح وإنتاجه، تدور معركة ضارية للحصول على أكبر عدد ممكن من اللقاحات التي تحوّلت من مجرّد أداة لمكافحة الوباء وإنقاذ الأرواح إلى خشبة الخلاص من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أنهكت الدول الكبرى.
وتفيد آخر البيانات الصادرة عن المفوضية الأوروبية بأن الاتحاد الأوروبي قد أبرم عقوداً نهائية مع خمس شركات عالمية للأدوية، هي أسترازينيكا وسانوفي وجانسين وبيونتيك - فايزر وكيورفاك، للحصول على 1225 مليون جرعة لقاح كدفعة أولى، إضافة إلى 580 مليون جرعة احتياطية. ولا تزال المفوضية الأوروبية تجري مفاوضات مع شركتي مودرنا ونوفافاكس لشراء المزيد من اللقاحات.

عقود ضخمة
وفي لقاء عبر الفيديو مع وزراء الصحة في بلدان الاتحاد الأوروبي قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين أمس (الثلاثاء) إن العقود المبرمة مع شركات الأدوية تشمل خمسة لقاحات مختلفة وأربع طرق تكنولوجية لإنتاجها. وخلافا لما حصل خلال المرحلة الأولى من جائحة (كوفيد - 19)، حيث دخلت الدول الأوروبية في منافسة شرسة لشراء الكمّامات الواقية وأجهزة التنفّس الصناعي، فإن العقود المبرمة لشراء اللقاحات موقّعة من المفوضية بالنيابة عن الدول الأعضاء، وهي التي تتولّى تنسيق توزيعها. وقد سمحت العقود الضخمة بخفض أسعار اللقاحات دون أسعار السوق، وحتى دون الأسعار التي حصلت عليها الولايات المتحدة، كما أفادت مصادر المفوضية التي لم تتمكّن حتى الآن من إبرام اتفاق مع شركة مودرنا التي يعتبر لقاحها من بين الأكثر فاعلية مقارنة باللقاحات التي تحتاج لقدرات لوجيستية معقّدة.

8 جرعات لكل أميركي
لكن حافظة اللقاحات الأوروبية، رغم أهميتها، ما زالت دون الحافظة الأميركية، حيث من المتوقع أن تحصل الولايات المتحدة على 2600 مليون جرعة لقاح، أي بمعدّل 8 جرعات لكل مواطن. ويقول إلياس موسيالوس، مدير قسم الصحة العامة في كليّة لندن للاقتصاد، إن العبرة ليست بالعدد، بل بفاعلية اللقاحات ونجاح حملات توزيعها، ويتوقّع تقدّم الاتحاد الأوروبي في هذا المجال نظراً لمستوى نظم الصحة العامة في البلدان الأوروبية. ويرى برانكو ميلانوفيتش من جامعة نيويورك أن الصين مرشّحة للفوز في معركة إنتاج لقاح يكون في متناول جميع بلدان العالم، وأن سيطرتها على الوباء منذ أشهر ستسمح لها أيضا بتسجيل نقاط حاسمة في معركة النهوض من الأزمة الاقتصادية.
ويقول برنارد مون، من معهد الدراسات الدولية والتنمية في جنيف، إن المنافسة على إنتاج اللقاحات والحصول عليها أوشكت على الخروج نهائياً من دائرة مراقبة منظمة الصحة العالمية، وإنها مرشّحة للمزيد من الاحتدام في الأشهر المقبلة لأن اللقاحات تحوّلت إلى أداة فعّالة لتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي في العالم.

برنامج الصين
ومرة أخرى يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في هذه المعركة بين الصين التي تتمدّد في مناطق نفوذها عبر سلاح اللقاحات والولايات المتحدة التي تمسك بمفاتيح الإنتاج الرئيسية، كالممول الرئيسي للنظام متعدد الأطراف من خلال برنامج «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة لتوفير اللقاحات إلى البلدان الفقيرة.
لكن هذا البرنامج الذي يضمّ 95 من الدول الغنيّة ومرتفعة الدخل و92 من الدول الفقيرة، لا تشارك فيه الولايات المتحدة بعد أن قرّرت الإدارة الأميركية الانسحاب من المنظمة. ويقول أحد المسؤولين عن هذا البرنامج إنه لا يزال يواجه عجزاً يقارب 5 مليارات دولار، ولا يتوقّع توزيع اللقاحات الكافية على جميع سكان العالم قبل نهاية العام 2024.
ويخشى المسؤولون عن برنامج «كوفاكس» أن تكون الدول متوسطة الدخل هي الأقل حظية في الحصول على اللقاحات، لأنها لا تملك قدرة قويّة عند التفاوض ولن تحصل على المساعدة المالية من البرنامج لشرائها. وينبّه خبراء المفوضية إلى أنه في حال نزول اللقاحات التي تنتجها الدول الغربية قبل غيرها إلى الأسواق، وعدم منحها أو بيعها بأسعار معقولة إلى الدول النامية، سيصّب ذلك في مصلحة الصين ويعزّز موقعها في مناطق النفوذ التي تتمدّد فيها.
وينبّهون أيضا إلى أن حملات التلقيح في أوروبا تواجه منذ فترة حملات من التشويش والتشكيك تديرها جهات خارجية، خاصة من الصين وروسيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتهدف إلى تقويض ثقة المواطنين بالأجهزة الصحية العامة وتدفع إلى التمرّد على تدابير الوقاية من الوباء واحتواء انتشاره وتوزيع اللقاحات. وكان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال قد حذّر خلال القمة الأخيرة يوم الخميس الماضي من تزايد عدد المواطنين الأوروبيين الذين يشكّكون في فاعلية اللقاحات، وأعلن أن المفوضية ستباشر قريباً بحملة توعية عامة تهدف إلى توطيد الثقة باللقاحات من الباب الحماية الذاتية والتضامن. وكانت منظمة الصحة العالمية من جهتها قد شدّدت على أن المشاركة الطوعية والواعية للسكّان أساسية لنجاح برامج التلقيح، وأوصت الدول باستخدام تقنيات تحليل السلوكيّات لتكييف حملات التوعية مع مختلف الفئات الاجتماعية.


مقالات ذات صلة

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)
صحتك طفل يخضع لاختبار الكشف عن فيروس كورونا (أرشيفية - أ.ب)

دراسة: «كورونا» يزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بالسكري

كشفت دراسة جديدة عن أن عدوى فيروس كورونا تزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بمرض السكري من النوع الثاني مقارنة بعدوى أمراض الجهاز التنفسي الأخرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

أكثر من 800 مليون مريض سكري بين البالغين حول العالم

أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)
أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)
TT

أكثر من 800 مليون مريض سكري بين البالغين حول العالم

أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)
أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)

كشفت دراسة جديدة أن أكثر من 800 مليون بالغ حول العالم مصابون بمرض السكري، وهو ما يعادل ضعف ما توقعته تقييمات سابقة.

كما أظهرت أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج. وأضافت الدراسة المنشورة في ذا لانسيت أنه في عام 2022 كان هناك 828 مليون شخص تبلغ أعمارهم 18 عاما فأكثر مصابين بالسكري من النوعين الأول والثاني. وقال الباحثون إنه من بين البالغين الذين تبلغ أعمارهم 30 عاما فأكثر كان هناك 445 مليون مريض لا يتلقون العلاج.

وأشارت تقديرات سابقة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 422 مليون شخص مصابون بالسكري، وهو مرض مزمن أيضي يؤثر على مستويات السكر بالدم وقد يتسبب في تدهور صحة القلب والأوعية الدموية والأعصاب وأعضاء أخرى إذا لم يُعالج. وأشارت الدراسة إلى أن معدل الإصابة بالسكري عالميا قد تضاعف منذ 1990 إذ ارتفع من سبعة بالمئة إلى 14 بالمئة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع أعداد الحالات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وأوضح الباحثون أنه على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة فإن معدلات تلقي العلاج في تلك المناطق لم تشهد ارتفاعا يذكر، في حين تحسنت الأمور في بعض الدول ذات الدخل المرتفع مما يؤدي إلى اتساع فجوة العلاج.

وفي بعض مناطق من أفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال لم يحصل على العلاج سوى خمسة إلى عشرة بالمئة ممن تشير التقديرات إلى أنهم مصابون بالسكري. وقال واضعو الدراسة التي أجريت بالتعاون بين مؤسسة التعاون بشأن عوامل خطورة الأمراض غير السارية ومنظمة الصحة العالمية إنها تمثل أول تحليل عالمي يتضمن معدلات وتقديرات العلاج لجميع الدول. واستندت إلى أكثر من ألف دراسة تشمل أكثر من 140 مليون شخص.