بيومي فؤاد: عملت 11 سنة بلا أجر

قال إن جديته تدفع زوجته لمطالبته بالضحك

الفنان المصري بيومي فؤاد (الشرق الأوسط)
الفنان المصري بيومي فؤاد (الشرق الأوسط)
TT

بيومي فؤاد: عملت 11 سنة بلا أجر

الفنان المصري بيومي فؤاد (الشرق الأوسط)
الفنان المصري بيومي فؤاد (الشرق الأوسط)

قال الفنان المصري بيومي فؤاد، إن ملامح وجهه الجادة تساعده كثيراً على تجسيد شخصيات متنوعة، ولا تحصره فقط في تقديم الأنماط الكوميدية التي تألق بها خلال السنوات الماضية، وأكد في حواره مع «الشرق الأوسط» أن زوجته تطلب منه الضحك في المنزل أحياناً من جديته، عكس ما يعتقده البعض بسبب أدواره الكوميدية المتعددة.
في البداية، تحدث فؤاد عن تكريمه الأخير في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الدولي الشبابي ومنحه جائزة «سميحة أيوب»، قائلاً: إن «كل جائزة أحصل عليها أشعر كأنها أول وأهم تكريم في حياتي، تلك الجوائز تجعلني أشعر بأنني أسير في الطريق الصحيح، ومنحي جائزة تحمل اسم سميحة أيوب هو أسمى وأكبر تقدير يمكن للفنان أن يحصل عليه في المسرح، لأنّه جاء باختيار فنانة عملاقة قدمت للمسرحين المصري والعربي أكثر من 160 عملاً مسرحياً، ويجعلني أدقق جيداً في اختياراتي المقبلة».
وتمنى فؤاد لو كانت والدته على قيد الحياة لتراه وهو يحصل على الجائزة، قائلاً: «كل لحظة جميلة في حياتي كنت أتمنى أن تكون والدتي بجواري وتشاهدني ناجحاً، فكل جائزة أحصل عليها أهديها لروحها الغالية، فكانت تتمنى في يوم من الأيام أن تراني ناجحاً في مجال عملي، ولكنها رحلت قبل أن يتحقق ذلك».
وعن عودته للمسرح مجدداً خلال الفترة المقبلة يقول: «يصعب الآن تقديم مسرح بعمل كبير مثلما كان يحدث قبل عام، لأن القاعات لن تسمح بوجود سوى 50 في المائة من سعتها الأساسية، بسبب إجراءات (كورونا)، وهو أمر لا يتقبله المسرح بشكل كبير، على عكس السينما التي ربما تستطيع التعايش مع هذا النظام الصعب الذي فرضه وباء كورونا علينا جميعاً».
وأشار فؤاد إلى أنّه عاش أجمل أيام حياته المسرحية عندما عُرضت مسرحيتي «3 أيام في الساحل» مع الفنان محمد هنيدي، و«حزلئوم» مع الفنان أحمد مكي العام الماضي، في مدينتي جدة والرياض، مؤكداً أن الجمهور السعودي من أهم وأرقى الجماهير التي تحب المسرح.
وكشف فؤاد عن تقديمه لبرنامج تلفزيوني جديد عبر قناة النادي الأهلي سينطلق بثه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، قائلاً: «أنا لست إعلامياً ولا مذيعاً تلفزيونياً، ولكنني رغبت في أن أخوض تلك التجربة من حبي لها، فالتجربة الأولى كانت من خلال برنامج (بيومي أفندي) وحققت مردوداً جيداً وقت عرضه منذ عامين، أما الثانية، فهي عبارة عن برنامج لنبذ التعصب الجماهيري بين جمهوري قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، وسيعرض عبر قناة الأهلي من خلال حلقة أسبوعية، واتفقت فيها على استضافة عدد من نجوم كرة القدم من بينهم كبار رموز الرياضة والفن من نادي الزمالك أمثال حسن شحاتة وفاروق جعفر وآخرين».
وعن تنوع أدواره في الفترة الأخيرة بين الكوميديا والدراما، قال فؤاد: «من النعم التي أنعم بها الله علي، هي أن ملامح وجهي جادة، وليست كوميدية، وهو ما أعطاني مساحة قوية من أجل تقديم الأعمال الجادة والتراجيدية والدرامية، وظهر ذلك بوضوح في مسلسلي (موجة حارة) و(خيانة عهد)، وربما الناس تعتقد أنني في المنزل، كوميدي وأهرج وأداعب أولادي وزوجتي، لكنّ الحقيقة عكس ذلك، لدرجة أن زوجتي تطلب مني أن أضحك أحياناً».
يقول فؤاد إنه راض تماماً عما وصل إليه حتى الآن من نجاح وشهرة، ويضيف: «في مرحلة شبابي كنت أحسد الفنانين ولاعبي كرة القدم على امتهانهم هوايتهم المفضلة التي أصبحت مصدر رزقهم، وكنت أحلم بتحقيق ذلك، رغم أن بداية مشوار الفنّي كانت صعبة وقاسية للغاية، لدرجة أني عملت مدة 11 عاماً على مسرح الهواة من دون أجر، بل وصل الأمر للطرد أحياناً، إلا أنني كنت أستمتع بما أقدمه، وكان يكفيني فقط كلمات الجمهور الجميلة والبسيطة التي كانت تقال لي عقب العرض، ووقتها لم تكن الهواتف الجوالة قد ظهرت لتلتقط الصور التذكارية». مؤكداً أنه سعيد بما حققه حتى الآن في عالم الفن، وقدم اعتذاره لأي شخص قابله في يوم من الأيام وفشل في التقاط صورة معه بسبب الضغط أو التصوير أو الإجهاد.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)