نظم استشعار مطوّرة لرصد جودة الهواء وخزن الطاقة

أبحاث «كاوست» في علوم المواد تسهم في تقديم حلول للمشكلات المعاصرة

يُمكّننا المجهر الإلكتروني النافذ - عالي الدقة ومنخفض الجرعة - من تحديد بنى معيبة متنوعة في مواد الأطر المعدنية العضوية
يُمكّننا المجهر الإلكتروني النافذ - عالي الدقة ومنخفض الجرعة - من تحديد بنى معيبة متنوعة في مواد الأطر المعدنية العضوية
TT

نظم استشعار مطوّرة لرصد جودة الهواء وخزن الطاقة

يُمكّننا المجهر الإلكتروني النافذ - عالي الدقة ومنخفض الجرعة - من تحديد بنى معيبة متنوعة في مواد الأطر المعدنية العضوية
يُمكّننا المجهر الإلكتروني النافذ - عالي الدقة ومنخفض الجرعة - من تحديد بنى معيبة متنوعة في مواد الأطر المعدنية العضوية

شهدت المراكز البحثية العالمية ومن ضمنها جامعة «كاوست» زيادة هائلة في إنتاج البحوث في مجال الهياكل المعدنية العضوية ذات التأثير على الاقتصاد الوطني والعالمي.
وفي إطار خطة المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها، بعيدًا عن مجال صناعة النفط وبهدف خلق اقتصاد معرفي شهد المجال البحثي في السعودية أيضا تحولا كبيرا، إثر تأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) البحثية للدراسات العليا على شاطئ البحر الأحمر في عام 2009. وتعمل الجامعة على تعظيم مساهماتها في تحقيق رؤية المملكة 2030 والتركيز بصورة خاصة على أبحاث استراتيجية ذات أهمية عالمية، خاصةً في مجالات الطاقة، الغذاء، الماء والبيئة.
تطبيقات واعدة
ويجتهد علماء «كاوست» للبقاء في الطليعة في مختلف التخصصات ومن ضمنها مجال علوم «المواد أو الأطر أو الهياكل المعدنية العضوية» والتي تعد من مجالات الكيمياء المتقدمة في القرن الحادي والعشرين لما لها من تطبيقات واعدة في تخزين الطاقة واحتجاز ثاني أكسيد الكربون وفصل الغازات وبالتالي الإسهام في مواجهة تحديات التدهور البيئي.
وحينما نتحدث عن «الأطر المعدنية العضوية» فإننا نتحدث عن بلورات مسامية، تم اختراعها في أوائل التسعينات، وهي مواد تتميز بوجود مسام في هيكلها. تلك المسام ذات أبعاد كافية لتسمح باستضافة جزيئات أخرى وانتشارها عبرها. ويمكن للباحثين من خلال تغيير المعادن والروابط العضوية أن يتحكموا بدقة في شكل منظومة المسامات الميكروية في المادة، وحجمها، ووظائفها، والتي تؤثر بدورها على قدرة المادة على امتزاز بعض الجزيئات. وتسمح هذه الخصائص الفريدة للأطر المعدنية العضوية بحدوث تغيير كيميائي للتركيبة الداخلية بحيث يمكن استخدامها في فصل وتخزين الغاز والتحفيز الكيميائي والتطبيقات الطبية الحيوية.
وتمتاز المواد التي طورها باحثو «كاوست» بقيادة البروفسور محمد الداودي من قسم العلوم والهندسة، بإمكانية تحسين أبحاث الطاقة الخضراء خاصةً أن لديهم سجلا طويلا حافلا بالإنجازات شمل ثلاثة من مراكز أبحاث الجامعة، والمختبرات المركزية، بالإضافة إلى شركاء في الصين والمملكة المتحدة. وفيما يلي بعض أبرز الأبحاث والدراسات والابتكارات التي طورها علماء «كاوست» في مجال «الأطر المعدنية العضوية» خلال السنوات القليلة الماضية.
مواد متعددة الاستخدامات
أحدث الأبحاث التي أجراها الباحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) تمثل في تطوير طريقة رائدة لتخليق العيوب في الأطر المعدنية العضوية وتصويرها والتحقيق في تأثيرها الكيميائي باستخدام مجهر إلكتروني نافذ. ورغم الاعتقاد السائد فقد أثبت هؤلاء العلماء بأن البلورات المثالية ليست بالضرورة الأكثر نفعًا، فالعيوب الموجودة في البناء البلوري المرتب للأطر المعدنية العضوية يمكن استغلالها في تكييف تلك المواد متعددة الاستخدامات، للاستعانة بها في تطبيقات محددة.
وسيمكن تخليق عيوب محددة في الأطر المعدنية العضوية باستخدام المعالجة الكيميائية ومراقبة كيفية تطور أنماطها من إجراء ضبط دقيق لها، بهدف تعديل خصائصها الكيميائية، كما سيأخذ هذا المجال إلى مستويات غير مسبوقة من التحكم.
ويمكن أن يخلق تغيير أنواع المعادن بهذه المجموعات المعدنية، وكذا تغيير بنية الروابط بينها، تنوعًا هائلًا في الأطر المعدنية العضوية من ناحية تفاوت شبكة المسام واختلاف الخصائص الكيميائية.
ويتمثل اثنان من التطبيقات الرئيسية الممكنة للأطر المعدنية العضوية في استخدامها كعوامل محفزة، وكمواد امتزاز وفصل للغازات على نحو شديد الانتقائية.
وعن آخر ما توصل إليه الباحثون في مجال الأطر المعدنية العضوية، يقول البروفسور يو هان، أستاذ علوم الكيمياء في «كاوست»: «أكبر مفاجأة نكشف عنها أن هناك عيوبًا متنوعة في جميع الأطر المعدنية العضوية تقريبًا، حتى تلك التي كانت تعد مثالية في السابق».
ويوضح هان أن التحقيق في أمر العيوب يمثل تحديًا لأن بلورات الأطر المعدنية العضوية تكون هشة ويمكن أن يتلفها بسهولة شعاع الإلكترونات المستخدم في المجهر الإلكتروني التقليدي.
وقد تغلب الفريق البحثي على هذه المشكلة باستخدام كاميرا العد الإلكتروني شديدة الحساسية، بالإضافة إلى طرق مصممة خصيصًا لتحليل الصور.
وباستخدام تلك الطريقة فائقة القدرة والدقة على النظر بعمق في الأطر المعدنية العضوية، كشف الباحثون عن نوعين من العيوب يمكن أن يوجدا معًا، بسبب الافتقار إلى مجموعات معدنية وروابط معينة.
كما استكشف الباحثون أيضًا كيفية تخليق العيوب في الأطر المعدنية العضوية باستخدام المعالجة الكيميائية ومراقبة كيفية تطور نمط العيوب. وهو ما يمكن من إجراء ضبط دقيق للعيوب بهدف تعديل الخصائص الكيميائية للأطر المعدنية العضوية.
وأثبت فريق «كاوست» قوة هذه الاستراتيجية باكتشاف أن أحد الأطر المعدنية العضوية - والذي يحتوي على عيب نقص المجموعات المعدنية - يكون أكثر نشاطًا من الناحية التحفيزية، مقارنة بالأطر المعدنية العضوية التي بها عيب الروابط المفقودة.

نظم استشعار مطورة
> ضبط جودة الهواء. تقدم آخر أحرزه باحثو «كاوست» في مواجهة أحد أبرز التحديات التي تواجه البشرية في هذا العصر وهو تلوث الهواء يجتهد العلماء في إيجاد حلول وتقنيات من أجل توفير جودة هواء عالية للعمل بأمان وفاعلية. وفي هذا الاتجاه نجح الباحثون في الجامعة في تطوير أجهزة استشعار إلكترونية ترصد في آن واحد ثلاثة عوامل محورية على الأقل بالغة الأهمية لمراقبة راحة الإنسان وسلامته وضمانهما خاصةً للعاملين في الأماكن المغلقة الصغيرة، بدايةً من رواد الفضاء وأفراد أطقم الغواصات وانتهاءً بعمال المناجم وعمال الإنقاذ.
وكان باحثو «كاوست» قد ابتكروا إطاراً معدنياً عضوياً يستطيع أن يراقب خصائصه بذاته يمكنه من امتصاص الرطوبة الزائدة في الغرفة ثم إطلاقها ثانيةً فقط عندما تنخفض الرطوبة.
يمكن للأطر المعدنية العضوية تلك التي طورها هؤلاء العلماء أن تنظم الأجواء ببراعة وتضبطها ضمن مستويات الرطوبة المريحة والصحية التي وضعتها الجمعية الأميركية لمهندسي التدفئة والتبريد والتكييف. كما يمكن استخدامها لتعديل مستويات الرطوبة في الأماكن المغلقة.
> رصد الغازات الضارة. وفي ذات الاتجاه طورت مجموعة بحثية أخرى في «كاوست» مادة مسامية ذات جيوب مصممة خصيصاً ومدمجة في بنيتها، وذات قدرة واعدة على استشعار الغازات الضارة.
ولصنع أداة استشعار إلكترونية يمكنها اكتشاف آثار غاز ثاني أكسيد الكبريت، قام الباحثون بطلاء طبقة رقيقة من تلك المادة على قطب كهربائي. وتعد أداة الاستشعار تلك خطوة مهمة نحو الوصول إلى أجهزة عملية تستطيع اكتشاف الغازات الخطرة في الهواء آنياً وفي الوقت الحقيقي.
> تنقية المواد البتروكيماوية. الإنجاز الآخر الذي حققه باحثو «كاوست» في أبحاث «الأطر المعدنية العضوية» تمثل في تطوير مواد مسامية تزيل البروبان (غاز ضار) من البروبيلين، وذلك لتحسين القدرة الإنتاجية للبوليبروبيلين. وجدير بالذكر فإن البوليبروبيلين يستخدم في ميادين صناعية عديدة تقدر بمليارات الدولارات، مثل حاويات المواد الغذائية والأثاث البلاستيكي، كما أن البروبيلين يعد المادة الخام الرئيسة في الصناعات البتروكيماوية.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

طريقة علمية مصرية لتحسين مكافحة الآفات الزراعية بـ«المبيدات النانوية»

القطن من المحاصيل الاستراتيجية المهمة في مصر (رويترز)
القطن من المحاصيل الاستراتيجية المهمة في مصر (رويترز)
TT

طريقة علمية مصرية لتحسين مكافحة الآفات الزراعية بـ«المبيدات النانوية»

القطن من المحاصيل الاستراتيجية المهمة في مصر (رويترز)
القطن من المحاصيل الاستراتيجية المهمة في مصر (رويترز)

يُعدّ القطاع الزراعي من الركائز الأساسية للاقتصاد المصري؛ إذ يُسهم بنحو 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويُعد القطن من المحاصيل الاستراتيجية المهمة، ليس بوصفه مصدراً رئيساً للألياف فحسب، بل أيضاً في إنتاج الزيت وتغذية الحيوانات؛ مما يعزّز أهميته الاقتصادية من خلال توفير فرص العمل وزيادة الإيرادات من النقد الأجنبي. ومع ذلك تواجه زراعة القطن تحديات كبيرة نتيجة للآفات الحشرية، وعلى رأسها دودة ورق القطن المصرية التي تُلحق أضراراً جسيمة بهذا المحصول الحيوي. وتعتمد برامج المكافحة الحالية بشكل كبير على المبيدات التقليدية، التي تترك آثاراً بيئية ضارة، وتؤثر سلباً في الكائنات غير المستهدفة وفي مقدمتها البشر، وتُسهم في تطوير مقاومة الآفات.

مبيدات نانوية

لذا تبرز الحاجة إلى تطوير مبيدات آمنة بيئياً وقابلة للتحلل الحيوي. وتتركز الأبحاث الحديثة على تطوير المبيدات النانوية بصفتها بديلاً واعداً؛ إذ توفّر تقنية النانو إمكانات واسعة لتعزيز استقرار المبيدات وفاعليتها، وتوفير نظام تحرير بطيء للمركبات النشطة، ما يُسهم في مكافحة الآفات بشكل فعال ويحد من التلوث البيئي.

ويُعد «الكيتوزان النانوي»، المستخلص من قشور الكائنات البحرية؛ مثل: الجمبري وسرطان البحر، خياراً واعداً في هذا المجال؛ إذ يتميّز بكونه غير سام وقابلاً للتحلل البيولوجي. كما يُسهم في تعزيز آليات الدفاع النباتي ضد الآفات، ما يمهّد الطريق نحو زراعة أكثر استدامة تتضمّن وعياً بيئياً.

وفي السياق، نجح باحثون مصريون بالمركز القومي للبحوث في تطوير مبيد حشري نانوي يعتمد على «الكيتوزان النانوي»، وهو بوليمر حيوي قابل للتحلل يُستخلص من القشريات، وذلك بهدف تعزيز مكافحة دودة ورق القطن، وتحسين مستوى الأمان، وتقليل السمية للخلايا البشرية.

وفي ظل التهديدات المستمرة التي تواجه محصول القطن الذي يُعد من المحاصيل الرئيسة للاقتصاد المصري، أثبتت الدراسة أن إضافة «الكيتوزان النانوي» إلى المبيدات التقليدية ترفع من فاعليتها وتُطيل مدة تأثيرها، ونُشرت نتائج البحث في عدد 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من دورية «International Journal of Biological Macromolecules»، التي تُعد من المجلات العالمية ذات التأثير القوي.

ووجد الباحثون أن هذه التركيبة النانوية ساعدت في تمديد فترة تأثير المبيد في نبات القطن؛ إذ زاد الوقت الذي يستغرقه المبيد لفقدان نصف فاعليته من نحو 17 يوماً في المبيدات التقليدية إلى أكثر من 40 يوماً. كما أظهرت التجارب انخفاضاً كبيراً في معدلات السُمية، ما يجعل هذا المبيد بديلاً بيئياً أكثر أماناً، بالإضافة إلى تعزيزه دفاعات النباتات ضد الآفات، وتقليل الحاجة إلى الرش المتكرر للمبيدات.

فاعلية كبيرة

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم الميكروبيولوجيا الزراعية بالمركز القومي للبحوث في مصر، الدكتور أسامة درويش، إن تركيبة «الكيتوزان النانوي» أظهرت فاعلية كبيرة ضد دودة القطن مقارنة بالمبيدات التقليدية، وهذا التحسين في الفاعلية قد يؤدي إلى مكافحة الآفات بشكل أكثر كفاءة؛ ما يسمح باستخدام جرعات أقل ويقلّل من التأثير البيئي للمبيدات.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن تمديد فترة تأثير المبيدات بفضل هذه التركيبة يوفّر حماية مستدامة ضد غزو الآفات، ويقلل من الحاجة إلى تكرار رش المبيدات. كما أظهرت الدراسة قدرة «الكيتوزان النانوي» على تقليل سمية المبيدات على الكائنات غير المستهدفة، بما في ذلك البشر؛ مما يقلّل المخاطر المحتملة على صحة الإنسان والبيئة.

وأشار إلى أن «الكيتوزان النانوي» يتميّز بكونه مادة قابلة للتحلل وغير سامة؛ مما يجعله بديلاً صديقاً للبيئة مقارنة بالمواد الاصطناعية التقليدية، وهذا يُسهم أيضاً في تقليل التأثير البيئي طويل الأمد لاستخدام المبيدات.

ونبّه درويش إلى أن نتائج هذه الدراسة قد تُسهم في تسليط الضوء على إمكانية استخدام المبيدات المعتمدة على «الكيتوزان النانوي»، لتقليل التأثيرات البيئية وتعزيز حماية المحاصيل بطريقة أكثر استدامة.وأكد أن تحسين فاعلية المبيدات وتقليل سميتها على الخلايا البشرية يمكن أن يُسهم في تطوير مبيدات حشرية أكثر أماناً وفاعلية؛ مما يدعم ممارسات الزراعة المستدامة، ويقلل من الاعتماد على المبيدات الكيميائية.