تلوث الهواء في البلدان العربية يتجاوز 10 أضعاف الحدود العالمية

تلوث الهواء في البلدان العربية يتجاوز 10 أضعاف الحدود العالمية
TT

تلوث الهواء في البلدان العربية يتجاوز 10 أضعاف الحدود العالمية

تلوث الهواء في البلدان العربية يتجاوز 10 أضعاف الحدود العالمية

تنشر صفحة البيئة في «الشرق الأوسط» ابتداءً من هذا الأسبوع سلسلة مقالات عن التحديات البيئية ذات الانعكاسات الصحية في البلدان العربية، وذلك استناداً إلى فصول التقرير عن «الصحة والبيئة» الذي صدر أخيراً عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). ويتضمن التقرير أحدث المعلومات عن قضايا الهواء والمياه والنفايات والبيئة البحرية وتغير المناخ. الحلقة الأولى عن تلوث الهواء، وهي تستند في معلوماتها إلى الفصل الذي كتبه الدكتور حسن الدهيني، أستاذ علم السموم وتقييم المخاطر الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتور شربل عفيف، الباحث في تلوث الهواء وتغير المناخ والأستاذ في جامعة القديس يوسف في لبنان وفي مركز أبحاث المناخ والغلاف الجوي في قبرص.

تمثل الثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر حقبة جديدة تتعلق بجودة الهواء، حيث أدى التصنيع والنمو السريع لسكان العالم إلى زيادة في استهلاك الوقود الأحفوري من أجل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، ونمو في النشاط الزراعي لضمان الأمن الغذائي العالمي، وتراكم في النفايات، وقطع للغابات، مع ما يعنيه كل ذلك من تأثير على نوعية الهواء والبيئة عموماً.
ويرتبط تلوث الهواء الداخلي والخارجي بطيف واسع من الآثار الصحية الحادة والمزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والرئة والسرطان بأنواعه المختلفة. وإلى جانب آثاره الصحية، يمكن لتلوث الهواء أن يتسبب أيضاً في هطول الأمطار الحمضية، وإضعاف مدى الرؤية على الطرقات، وإلحاق ضرر بالنباتات.
وكانت الأمم المتحدة اعتبرت في سنة 2015 تلوث الهواء تحدياً ملحاً، وجعلته مقصداً لاثنين من أهداف التنمية المستدامة حتى سنة 2030. فهي دعت في الهدف 3.9 إلى الحد بشكل كبير من الوفيات والأمراض الناجمة عن المواد الخطرة في الهواء والماء والتربة الملوثة، ونادت في الهدف 11.6 المتعلق بالحد من العوامل الضارة والأثر البيئي للفرد في المدن إلى إيلاء اهتمام خاص بنوعية الهواء.
ويناقش تقرير «الصحة والبيئة»، الذي صدر هذه السنة عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، الدوافع البيئية الرئيسية التي لها تأثير كبير على مختلف جوانب صحة الإنسان في الدول العربية، بما فيها تلوث الهواء، ولا سيما أن الدول العربية من بين أكبر المساهمين عالمياً في انبعاثات أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين.
وتعزى الانبعاثات المرتفعة على الطرق في المنطقة العربية إلى قيادة المركبات المتهالكة، والاستخدام غير الفعال للوقود، وضعف التحكم بانبعاثات العادم. وتغيب اللوائح التي تضبط نوعية الهواء على الطرقات في معظم الدول العربية، أو تكون منقوصة غير شاملة. ففي لبنان مثلاً توجد رقابة على ثاني أكسيد الكربون فقط، فيما تعد لوائح الكويت الأكثر اكتمالاً في المنطقة، ولا توجد تشريعات ناظمة في معظم البلدان.
وغالباً ما تتجاوز مؤشرات جودة الهواء في البلدان العربية القيم التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بنحو 5 إلى 10 أضعاف في بعض المناطق. ويعزى هذا التدني في النوعية إلى عوامل طبيعية وبشرية. فمن ناحية تتأثر جودة الهواء المحيط سلباً بجزيئات ملح البحر والغبار، ومن ناحية أخرى ترتبط بالنشاط البشري حيث تتركز الانبعاثات.
ويشير تقرير «أفد» إلى أن الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زادت بمقدار خمسة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب زيادة الطلب على المياه والطاقة والنقل. وفي السعودية والبحرين والكويت والإمارات ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل 6 في المائة سنوياً بين سنتي 2005 و2014، جنباً إلى جنب مع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي وزيادة استهلاك الطاقة.
وتؤدي هيمنة سيارات الركاب الخاصة على وسائط النقل في البلدان الخليجية إلى مضاعفة مشاكل الازدحام المروري وزيادة الانبعاثات. علماً أن المركبات على الطرق العامة في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولة عن 59 في المائة من انبعاثات أكاسيد النيتروجين في المنطقة، وهي أيضاً تنتج 90 في المائة من ثاني أكسيد الكربون و75 في المائة من المركبات العضوية المتطايرة.
وتعاني المنطقة العربية من ارتفاع نسبة الجسيمات المعلقة في الهواء. ففي الكويت كان المتوسط السنوي للجسيمات التي يقل حجمها عن 10 ميكرون أكثر بثماني مرات من الحد الأعلى وفق معايير منظمة الصحة العالمية بين سنتي 2014 و2016. وتظهر مراجعة بيانات عدة دول في المنطقة، بما فيها مصر والأردن والكويت وسورية وقطر والإمارات ولبنان، أن تراكيز الجسيمات المعلقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون تتجاوز غالباً القيمة التوجيهية المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية. ويزداد الضرر الصحي للجسيمات المعلقة كلما صغر حجمها.
وفي مصر على سبيل المثال، تمثل حركة المرور على الطرق مصدراً لنحو 36 في المائة من الجسيمات المعلقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون. وفي دول مجلس التعاون الخليجي يعزى ما نسبته 54 في المائة من مستويات هذه الجسيمات إلى الغبار والعواصف الرملية واحتراق النفط في محطات توليد الطاقة.
وفي البلدان غير المنتجة للنفط، مثل لبنان، تعتبر الأنشطة البشرية الأخرى كالصناعة والنقل البري ومواقع البناء مصدراً مهماً للجسيمات المعلقة في الهواء. وتتجاوز تراكيز الجسيمات المعلقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون القيمة الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية بما يصل إلى خمسة أضعاف، مع تعرض مفرط في مصر والسعودية بسبب العواصف الترابية المتكررة.
ومن ناحية أخرى، شهدت الفترة بين 2005 و2014 زيادة في تراكيز ثاني أكسيد النيتروجين تتراوح بين 3 و12 في المائة، وكذلك في ثاني أكسيد الكبريت بزيادات بين 60 و120 في المائة. ورصدت أعلى مستويات تلوث الهواء فوق موانئ ومصافي تكرير النفط وفي المناطق الحضرية في البحرين والكويت وقطر والإمارات والسعودية.
ومنذ التخلص التدريجي من البنزين الحاوي على الرصاص، أصبحت أكثر من 175 دولة خالية من الرصاص، مما يمثل استئصالاً شبه عالمي. ومع ذلك، لا يزال هذا الوقود يستخدم في بعض الدول العربية مثل العراق والجزائر واليمن. علماً أن تراكيز الرصاص في الدم لدى الأطفال تقترن بتراجع الذكاء والصعوبات السلوكية ومشاكل التعلم.
وتشير العديد من الدراسات التي أجريت في الدول العربية إلى وجود تلوث كبير للهواء الداخلي. ويرتفع تلوث الهواء في الأماكن المغلقة بدرجة كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب اضطرار المواطنين للبقاء مزيداً من الوقت في الداخل نتيجة الظروف المناخية، واستمرار تشغيل مكيفات الهواء لساعات طويلة، والتدخين في الداخل، والاكتظاظ.
وعلى نحو واسع، تتأثر جودة الهواء الداخلي في البلدان العربية بتدخين التبغ، ولا سيما انتشار تدخين الشيشة في الأماكن المغلقة. ويعد الأطفال أكثر عرضةً للتلوث الداخلي لتواجدهم ساعات طويلة في أماكن غير مهواة كالمدارس التي لا تحتوي على أجهزة تدفئة مناسبة أو لا توفر معالجة لهواء التبريد.
وينوه تقرير «أفد» بالأحداث المستجدة التي تؤثر على نوعية الهواء في العالم العربي، حيث تسبب النزاع في سورية خلال السنوات الماضية في انخفاض مستويات ثاني أكسيد النتروجين في البلاد بنحو 30 إلى 40 في المائة نتيجة انخفاض النشاط البشري بسبب النزوح. وتسببت حالة النزوح إلى لبنان في زيادة الانبعاثات وتلوث الهواء الناتج عن النقل البري والتدفئة والنفايات الصلبة وتوليد الكهرباء.
وفي حين لا توجد أي دراسات حتى الآن تتناول تأثير أزمة «كوفيد - 19» على جودة الهواء والصحة في المنطقة العربية، فقد أظهرت دراسة نوعية الهواء في 27 دولة حول العالم انخفاضاً في مستويات ثاني أكسيد النيتروجين والأوزون الأرضي والجسيمات المعلقة. وتشير تقديرات سنة 2020 إلى أن إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا ساعدت في تجنب 7400 حالة وفاة مبكرة و6600 حالة ربو لدى الأطفال خلال أسبوعين من بدء الإغلاق. أما من ناحية تأثير نوعية الهواء على الوباء، فقد تبين أن فيروس «كورونا» ينتشر بسرعة في المناطق التي تتمتع بدرجات مرتفعة من تلوث الهواء، كما أن المضاعفات الصحية للإصابة تكون أكثر حدة في هذه المناطق، حيث يصيب الهواء الملوث الجهاز التنفسي بالضعف ويفقده المناعة. وهذا يفسر انتشار الإصابات في المناطق المكتظة في المدن، ذات نوعية الهواء السيئة، أكثر من انتشاره وأثره في الأرياف.
ويرتبط تلوث الهواء الداخلي والخارجي بزيادة المخاطر الصحية مثل الوفاة المبكرة وأمراض القلب والرئة والسرطان. ووفقاً لمقياس عبء المرض العام، الذي يعبر عنه بعدد السنوات الضائعة من العمر بسبب اعتلال الصحة أو الإعاقة أو الوفاة المبكرة، تصل سنوات الحياة الصحية المفقودة لكل 100 ألف مواطن عربي بسبب تلوث الهواء إلى 5 سنوات في العراق، و3 سنوات في ليبيا وجيبوتي، وسنتين في مصر، وإلى ما دون ذلك في باقي الدول.
وتحدث معظم أمراض الجهاز التنفسي بسبب العوامل المحمولة جواً، مثل البكتيريا والفيروسات والمواد الكيميائية والمواد المسببة للحساسية والغازات وجزيئات الغبار. وفي السنوات الأخيرة، اتسع انتشار الربو بشكل عام في العالم العربي مع زيادة التحضر. كما لوحظ أن السكن بالقرب من مصدر لتلوث الهواء هو عامل خطر للإصابة بأمراض القلب والرئة.
وفي دراسة أجريت في لبنان، ارتبط العيش في المناطق الحضرية بالقرب من حركة المرور بسرطان الرئة. كما ارتبط التعرض لتلوث الهواء، خاصةً أكسيد النيتروجين، بأنواع مختلفة من السرطان.
وتتأثر جودة الهواء أيضاً بالاحتباس الحراري، حيث زادت العواصف الترابية المنبعثة من الصحاري الكبيرة في شبه الجزيرة العربية من حيث التكرار والشدة على مدار السنوات الماضية، ويرجح أنها تسببت في زيادة معدلات الوفيات والإصابة بالربو وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى.
ويوصي تقرير «أفد» باتخاذ مجموعة من الخطوات لتحسين إدارة جودة الهواء، تشمل تحديث الإطار التشريعي من أجل تحديد المعدلات القصوى المسموحة من مصادر التلوث المحتملة الثابتة والمتنقلة، وإقامة شبكة من المحطات الدائمة لقياس نوعية الهواء، والحزم في إجراءات معاقبة الملوثين عبر تطبيق القوانين بطريقة فعالة، والحفاظ على مراقبة الهواء لضمان الجودة، وإنشاء قوائم جرد عالية الدقة للانبعاثات على الصعيد الوطني، ووضع قوائم أولويات لتقييم المخاطر الصحية على أساس رصد الهواء، واعتماد خطوات إجرائية توازن بين تراكيز الملوثات والاستجابة للمخاطر الصحية.


مقالات ذات صلة

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.