مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا

رئيسة مولدافيا العزباء تدير معركة الإصلاح من شقة متواضعة

مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا
TT

مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا

مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا

لا تنتمي مايا ساندو، الرئيسة الشابة المنتخبة حديثاً رئيسة لجمهورية مولدافيا (مولدوفا) إلى أوساط النخب السياسية التقليدية التي برزت في الفضاء السوفياتي السابق على مدار العقدين السابقين. فهي لا تشبه النخب السوفياتية التي خلعت «العباءة الحمراء» والتحفت برداء قومي، وظلت متمسكة بمقاعدها في إدارة شؤون البلاد في بعض جمهوريات الاتحاد المنحل. كذلك، فهي لم تبرز بين الوجوه المعارضة التي حملتها «الثورات الملونة» إلى سدة الحكم بشكل مفاجئ، في غمار الفوضى والتدخلات الخارجية، كما جرى في جمهوريات سوفياتية سابقة أخرى.
أنها «الابنة العاقة» لنظام قام على حكم نخب أوليغارشية استحوذت على ثروات البلاد المحدودة أصلا، وأفقرتها أكثر. ومنذ أن برزت كأصغر وزيرة في تاريخ البلاد وسط «حيتان» الطبقة السياسية قبل ثماني سنوات، ومايا ساندو تتنقل بخطوات سريعة رافعة شعار محاربة الفساد، وخلفه حلم التكامل الأوروبي، الذي يدغدغ آمال كثيرين في بلد مزقته السياسة واللغة والجغرافيا، بين روسيا من جانب، ورومانيا التي جمعته معها تاريخيا روابط عميقة.

ولدت مايا ساندو، الرئيسة المولدافية التي انتخبت أخيراً بغالبية مريحة، عام 1972 في منطقة فاليشتي المحاذية للحدود مع رومانيا، لعائلة متوسطة لم تمارس السياسة يوما. إذ كان والدها طبيباً بيطرياً ووالدتها معلمة في مدرسة ابتدائية. ولقد أنهت مايا دراستها في أكاديمية التربية الاقتصادية بمولدافيا، قبل أن تلتحق بأكاديمية الإدارة العامة التابعة للديوان الرئاسي حيث دراسة العلاقات الدولية. ولعل ما أهلها للانخراط في أول نشاط عملي في الحكومة، عملها موظفة في وزارة الاقتصاد. وهي الخطوة التي قفزت سريعاً بالشابة التي لم تتجاوز 24 سنة من عمرها في العام 1996 لتغدو مستشارة في القسم الرئيسي للتعاون مع المنظمات الاقتصادية الدولية.
لعبت السنوات اللاحقة في هذه الوظيفة دوراً أساسيا في تفتح مايا ساندو على العالم، وعززت طموحاتها العلمية، التي يبدو أنها انسجمت مع طموحات سياسية لم تكن أعلنت عنها في أي وقت. إذ أنها قادتها بعد ذلك لمواصلة التعليم عبر منحة دراسية، في معهد الإدارة العامة بجامعة هارفارد الأميركية العريقة حيث تخرجت منها في العام 2010 لتشغل منصباً مهماً، كمستشارة للمدير التنفيذي للبنك الدولي في واشنطن. وفي هذا المنصب عملت حتى عام 2012.
صراع على اللغة
عادت ساندو إلى كيشيناو (الاسم المحلي/الروماني للعاصمة كيشينيوف) عام 2012. بعدما تلقت دعوة لتولي منصب وزيرة التعليم في الحكومة التي شكلها الحزب الديمقراطي الليبرالي، وكانت هذه فرصتها السانحة لدخول عالم السياسة العليا الذي لن تغادره خلال السنوات اللاحقة. وخلال السنوات الثلاث التي أمضتها ساندو في مقعد الوزارة، بدأت تترجم أفكارها وأقوالها إلى أفعال. وإبان توليها الوزارة جرى اعتماد لائحة جديدة لإجراء الامتحانات الوطنية وتغيير ترتيب تدريس اللغات. وأصبحت دراسة اللغة الروسية اختيارية للراغبين.
وفي وقت لاحق، خلال مقابلة صحافية عشية الانتخابات، قالت ساندو إن 25 في المائة من مواطني مولدافيا يتكلمون الروسية، ويعتبرونها لغتهم الأم. واتهمت الرئيس المنتهية ولايته، إيغور دودون، بأنه «يخيف الناخبين بشكل غير عادل بفكرة أنها تنوي قمع حقوق الناطقين بالروسية». وأوضحت «أريد أن يفهم الجميع: بالنسبة لي، حقوق الإنسان هي الأهم. لن يفعل أحد أي شيء ضد المتحدثين بالروسية». ولكن، لم تخف السياسية الشابة أنها تواصل البحث عن وسائل لضمان تدريس جميع لغات الأقليات، مشيرة إلى توافر الفرصة لدفع تعليم اللغة الرومانية بالتوازي مع السماح بحرية تعليم اللغات الأخرى. وللعلم، ينص دستور مولدافيا على أن اللغة المولدافية هي اللغة الرسمية، لكن الجذور التاريخية التي تربط المولدافيين (البُغدان) مع رومانيا لم تنقطع رغم خضوع البلاد للحكم السوفياتي منذ أن سيطر عليها الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية. وتشير دراسات إلى أن 74 في المائة من المولدافيين يؤيدون اندماج بلادهم مع رومانيا مجدداً. وعموماً، عام 2017. حاول نواب ينتمون إلى كتلة الحزب الديمقراطي الليبرالي تمرير قانون يجعل اللغة الرومانية رسمية في البلاد لكنهم فشلوا بسبب تحكم الحزب الاشتراكي القريب من موسكو بغالبية في المجلس.

شعار التكامل الأوروبي

لم تخف ساندو في أي مرحلة من نشاطها السياسي لاحقاً، اقتناعها بأن «النموذج الأوروبي هو الأقرب إلى مولدافيا». إذ قالت للصحافيين غير مرة «نريد أن تُحترم حقوقنا كي نكون أحراراً، وكي لا يُملى لمن نصوت ومن لا ينبغي أن نصوت له». وعكست هذه العبارة الاختلاف الخفي (أو غير المباشر) مع النموذج الآخر المطروح في البلاد، الذي ينادي به «الحزب الاشتراكي»، أي النموذج الروسي. وفي الوقت ذاته، دافعت السياسية الصاعدة، عن أهمية تقديم ملف مكافحة الفساد عن أي فكرة أخرى، وأقرت بشيء من الأسف في أحد خطاباتها بأن «المسار الأوروبي يمكن أن يفقد مصداقيته في البلاد لأن العديد من الحكومات لدينا أعلنت تمسكها بالقيم الأوروبية، لكنها في الوقت نفسه كانت فاسدة».

زعيمة الحزب ورئيسة الحكومة

عام 2015، أعلنت مايا ساندو عن تأسيسها حزبها الخاص، وقدمته بداية باسم فريد بالنسبة للأحزاب السياسية في هذه المنطقة من العالم، وهو «قُم بخطوة مع ساندو» لكنها سرعان مع استدركت الوضع ليغدو اسم الحزب كما هو معروف حالياً «حزب العمل والتضامن» المعروف اختصاراً باسم «ساد». وركز برنامج الحزب على تقارب مولدافيا مع الدول الغربية، والتكامل الأوروبي، وترسيخ اقتصاد السوق، وبناء نظام تعليمي فعال، ومحاربة صارمة للفساد.
وفي إطار نشاطها الحزبي، رشحت ساندو نفسها لمنصب رئيس الدولة في العام 2016. إلا أنها خسرت الجولة الثانية في الانتخابات أمام الرئيس المنتهية ولايته حالياً، إيغور دودون. لكن خسارتها المؤقتة لمقعد الرئيس لم تبعدها عن مسرح السياسة العليا، بل عكس ذلك، حولتها إلى أحد أبرز الأسماء البارزة المطروقة بقوة في المنعطفات الأساسية.
وهكذا، عام 2019 اختيرت ساندو رئيسة للوزراء وهو منصب لم تبق فيه أكثر من ستة أشهر، لكنها كانت حافلة. إذ أصبحت الموافقة عليها في البرلمان «المعادي لأفكارها» بمثابة حل وسط للسياسة الداخلية والخارجية. ووافق حزب دودون الاشتراكي على تعيينها، وأصبح التعيين نفسه ممكناً نتيجة للاتفاقيات بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وضع هذا نهاية للتحكم طويل الأمد لرجل الأعمال والأوليغارشية فلاديمير بلهوتنيوك، الذي سيطر على الحياة السياسية في مولدافيا من خلال الحزب الديمقراطي وعبر التأثير على الأحزاب الأخرى. لكن ساندو فور خروجها من المنصب، بدأت تعد للاستحقاق الأكبر، أي انتخابات الرئاسة في العام التالي، بمواجهة الخصم القوي دودون «حليف موسكو»... والسياسي الذي تحيط به شبهات فساد كثيرة، أثارتها ساندو بقوة إبان الحملة الانتخابية.
ومقابل حملة دودون الشرسة ضد ساندو، التي وصفها خلالها بأنها «سياسية مخادعة» وصلت إلى السلطة بمساعدة الأوليغارشيين الذين تشن ضدهم حروبا إعلامية، فتحت الأخيرة عدداً من الملفات التي تتهم دودون بأنه استفاد من مختلف الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة. وبين التهم تهمة احتكار تهريب السجائر إلى البلاد من إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي المدعوم من موسكو. وهنا أيضا برز تلميح ساندو لوجود دور روسي في دعم الفاسدين.
أما على المستوى الشخصي فسعت ساندو لإبراز شخصية مختلفة عن الطبقة السياسية السابقة في البلاد، وقالت السيدة العزباء التي تعيش في كيشيناو، في شقة متواضعة تتكون من غرفتين بمساحة 74 متراً مربعاً. إنها لا تنوي الانتقال منها كي لا «تبدد أموال الدولة على السكن». وشددت السياسية التي رفعت شعار مكافحة الفساد على مدى سنوات أنها ستدير من هذه الشقة شؤون البلاد الشائكة والمعقدة.

خلاف على أوكرانيا

بنفس المقدار الذي دافعت به ساندو عن أهمية تعزيز الروابط مع رومانيا، فإنها أصرت دائماً على أهمية انتهاج سياسة إيجابية حيال البلد الجار الثاني لمولدافيا، وهي أوكرانيا التي تشكل إحدى العقد الأساسية في العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. ومقابل اعتراف الرئيس السابق بضم القرم إلى روسيا، شددت ساندو في دعايتها الانتخابية على احترام وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، ورأت أن «هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء علاقات جيرة إيجابية وفعالة مع هذا البلد». ولم تخف أن «مولدافيا وأوكرانيا تقفان على الرابط الجيوسياسي نفسه». مشيرة لاتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي يجب تعزيزها.
من ناحية ثانية، تقف ساندو على يسار كل الأحزاب اليمينية المولدافية التي تدعو إلى قطيعة نهائية مع موسكو. وهي ترفع شعار «العلاقات مع روسيا بحاجة إلى التطوير، بما في ذلك لصالح مواطني الدولة الذين يعيشون في روسيا». وتؤيد وضع حلول ملائمة لمشاكل أبناء الجالية المولدافية في روسيا، وخصوصا تلك المتعلقة بالمعاشات التقاعدية والضمان الاجتماعي، علما بأن تقديرات تشير إلى وجود نحو نصف مليون مولدافي يعملون في روسيا، وبالمناسبة فإن مثل هذا الرقم تقريبا يمثل حجم الجاليات المولدافية في أوروبا.
مشكلة بريدنوستروفيه
لكن العلاقة مع موسكو تمر عبر تعقيدات أكثر تشابكاً وصعوبة من ملف العمال، والتسهيلات التجارية والضريبية والجمركية المطلوبة. إذ تصر ساندو على ضرورة إجراء حوار جاد ومتسق بمشاركة الشركاء الدوليين حول تسوية نزاع بريدنوستروفيه (ترانسنيستريا) وهو الإقليم الذي تقطنه غالبية ناطقة بالروسية، ويسعى للانفصال عن مولدافيا. وترى الرئيسة المنتخبة أن أحد عناصر الحوار المطلوب، يتركز على انسحاب الجيش الروسي من الإقليم. وكانت موسكو زجت قوات حفظ السلام الروسية إلى أراضي ترانسنيستريا عام 1992. ويقول أنصار ساندو إن قوات حفظ السلام يجب أن تضم ممثلين من عدة دول، وليس روسيا وحدها.
هذا الملف يشكل عقدة أساسية في العلاقة مع موسكو، التي لا ترغب بإشراك أي أطراف أوروبية في تسويته، وتصر على أنها تدافع في الإقليم عن حقوق الناطقين بالروسية الذين بينهم كثيرون حصلوا على الجنسية الروسية خلال السنوات الماضية، بعدما منحت موسكو تسهيلات واسعة لذلك. ومع ذلك، أعربت ساندو عن استعدادها لفتح حوار مباشر وعملي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول هذا الموضوع. وعندما سألها صحافيون عما إذا كانت تتوقع الكثير من هذا الحوار أجابت أنها تمثل المواطنين والدولة وعليها أن تجري هذا الحوار.
في الوقت ذاته جاء تعليق فاديم كراسنوسيلسكي، زعيم الانفصاليين في بريدنوستروفيه، المقرب من موسكو، على الانتخابات المولدافية. وفيه أبدى استعداده لـ«التعامل مع أي رئيس منتخب من قبل مواطني جمهورية مولدافيا»، قبل إضافة عنصر آخر للجدل حول التحديات المقبلة لساندو، وهو أن «الشرط الرئيسي هو ضمان حق تقرير المصير وحريات المواطنين في الإقليم، وتكثيف عملية التفاوض، وإقامة حوار مثمر، وتجنب الشعارات الفارغة». هذه العبارات ترجمها معلقون روس، بأنها حملت تحذيرا مبطناً إلى الرئيسة الجديدة. وقال بعضهم إن «هذا بيان مهم لمولدافيا. لأنه يوضح استعداد تيراسبول (عاصمة الإقليم) للحوار مع كيشيناو، وفق شروط محددة».

تحديات داخلية
داخلياً، بعد فوزها في الانتخابات، وعدت ساندو بإيجاد طريقة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. لكن الصعوبة التي تواجهها الرئيسة الجديدة تكمن في أن مولدافيا جمهورية برلمانية، وبالتالي فدعم النواب ضروري للدعوة إلى انتخابات. لكن الغالبية في البرلمان لحزب الاشتراكيين المقرب من موسكو.
بناءً عليه، يبدو حل الانتخابات المبكرة أحد السيناريوات الضرورية لتتمكن ساندو من تنفيذ خططها ووعودها الانتخابية. وهي بذا تراهن على الدعم الشعبي الذي حصلت عليه في انتخابات الرئاسة لإيصال مرشحي حزبها والأحزاب الحليفة إلى البرلمان. لكن، مع السعي لانتخاب برلمان جديد تبدو المهمة الملحة حالياً أمام ساندو هي التوصل إلى اتفاق مع مجلس الوزراء.
في الوقت نفسه، سعت مايا ساندو لتوحيد الشعب المولدافي بعد مرحلة انقسام حاد شهدها خلال الانتخابات، بين مسارين سياسيين أحدهما يدعو للمحافظة على نهج التقارب مع موسكو، والآخر يدعو إلى النظر نحو الغرب. وقالت ساندو في خطاب بدا إنه يهدف إلى كسب فئات من أنصار خصومها السياسيين «لقد ناضلنا لتحسين حياة كل واحد منكم، من أجل هيئات الدولة المتخصصة، من أجل رفع مستوى المعيشة، من أجل نمو الاقتصاد، والمعاشات التقاعدية والأجور. يجب أن يشعر الجميع بهذه التحسينات، بما في ذلك أولئك الذين صوتوا لخصمي. أقول لهم: أنتم لم تخسروا، سأعمل على كسب ثقتكم بأعمال ملموسة».
وزادت الرئيسة المنتخبة «نحن، جميع مواطني جمهورية مولدافيا - حصلنا اليوم على فرصة لظروف معيشية كريمة. سنبني بلدنا معاً حيث يشعر المواطنون من جميع المجموعات العرقية بالأمان، حيث تُحمى حقوقهم بما في ذلك الحق في استخدام لغتهم. سنبني دولة سيشغل فيها الأكفاء مناصب رئيسية بغض النظر عن عرقهم. سنبني توازناً حقيقياً في السياسة الخارجية على أساس مصالح بلادنا وسنقيم حواراً عملياً مع جميع البلدان، بما في ذلك رومانيا وأوكرانيا والدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة. سأعمل من أجل جميع مواطني البلد».
هذه العبارات قوبلت بتعليقات حذرة في روسيا، حيث قال خبراء «لو سمع المواطنون الناطقون بالروسية في جمهورية مولدافيا هذه الكلمات في عام 1992، لما حدث الصراع في بريدنوستروفيه. لكن تقديم الوعود أمر وتنفيذها أمر مختلف تماماً. وإدراكاً لذلك، يأمل مواطنو مولدافيا الناطقون بالروسية ألا تنحرف أفعال ساندو عن كلماتها».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.