الرئيس اللبناني يتمسك بـ«حقه الحصري» في اختيار الوزراء المسيحيين

«الوطني الحر» يلجأ إلى إعطاء طابع طائفي لمشاورات تأليف الحكومة بين عون والحريري

عون استقبل سفير روسيا ألكسندر روداكوف أمس وتسلم منه رسالة من الرئيس بوتين (الرئاسة اللبنانية)
عون استقبل سفير روسيا ألكسندر روداكوف أمس وتسلم منه رسالة من الرئيس بوتين (الرئاسة اللبنانية)
TT

الرئيس اللبناني يتمسك بـ«حقه الحصري» في اختيار الوزراء المسيحيين

عون استقبل سفير روسيا ألكسندر روداكوف أمس وتسلم منه رسالة من الرئيس بوتين (الرئاسة اللبنانية)
عون استقبل سفير روسيا ألكسندر روداكوف أمس وتسلم منه رسالة من الرئيس بوتين (الرئاسة اللبنانية)

استغربت مصادر سياسية ما تردد في اليومين الأخيرين، من أن الجلسة الأخيرة من المشاورات التي جرت بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري اصطدمت بحائط مسدود لأن الأخير أصر على أن يسمي وحده الوزراء المسيحيين، رافضاً أن يكون عون شريكاً في المداولات لاختيار الوزراء.
وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن ما يجري تسريبه من حين لآخر في هذا الخصوص لا يعكس واقع الأجواء التي سادت معظم اللقاءات التي حصلت بينهما، قبل أن تعود المشاورات إلى نقطة الصفر. ولفتت المصادر السياسية إلى أنه لا صحة لكل ما قيل، من أن الحريري يرفض التداول مع عون في أسماء الوزراء المسلمين من شيعة وسنة ودروز، وقالت إنه طرح معه في جلسات سابقة أسماء الوزراء المرشحين لدخول الحكومة، وجميعهم من الطوائف الإسلامية، ومن أصحاب الاختصاص ومستقلين، ولا ينتمون للأحزاب.
وكشفت أن عون لا يزال يصر على أن يكون له الحق الحصري في اختيار الوزراء المسيحيين، وهذا ما يتعارض مع الصلاحيات التي أناطها الدستور اللبناني برئيس الحكومة المكلف الذي يجوز له دستورياً التوقيع على المرسوم الخاص بالتوافق مع رئيس الجمهورية. وأكدت المصادر نفسها أن الحريري كان قد بادر في أول جلسة لمشاورات التأليف إلى الطلب من عون أن يكون شريكاً في المداولات الخاصة لاختيار الوزراء من جميع الطوائف اللبنانية، وقالت إن الحريري أبلغه صراحة بأنه لا يمانع في اختيار وزراء من الطائفة السنية، شرط أن تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة لتشكيل حكومة مهمة تتبنى من دون أي تحفظ المبادرة الفرنسية بحذافيرها، باعتبارها تشكل وحدها خشبة الخلاص لإنقاذ لبنان، ووقف انهياره المالي والاقتصادي.
ونفت كل ما تردد عن أن الحريري اتفق مع «الثنائي الشيعي»، وتحديداً مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأيضاً مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» بقيادة وليد جنبلاط، على أسماء الوزراء الذين سيمثلونهم في الحكومة، إضافة إلى الحقائب الوزارية التي ستُسند إلى هؤلاء الوزراء، وقالت إن البحث معهم اقتصر على حصر النقاش في الإطار العام الذي سيؤخذ بعين الاعتبار لتشكيل الحكومة، ويتعلق تحديداً بأن يكون الوزراء من أصحاب الاختصاص ومستقلين ومن غير المحازبين.
وقالت هذه المصادر إن الاتفاق الوحيد بين بري والحريري بقي محصوراً في استثناء وزارة المالية من تطبيق المداورة في توزيع الحقائب بين الطوائف اللبنانية، على أن تبقى من حصة الشيعة لمرة واحدة، وأكدت أن الحريري لم يتوافق مع رئيس البرلمان على الأسماء التي طرحها الأخير لتولي هذه الوزارة.
ورأت أنه من غير الجائز لجوء «التيار الوطني الحر» إلى تطييف المشاورات الجارية بين عون والحريري لتأليف الحكومة، من خلال تحريض المسيحيين، وصولاً إلى تقديم رئيسه النائب جبران باسيل على أنه ضحية مصادرة حق المسيحيين في اختيار وزرائهم. وقالت إن المداولات بين الرئيسين لم تنتقل للتشاور في أسماء الوزراء المسيحيين إلا بعد أن انتهيا في اللقاءات السابقة من التداول بأسماء الوزراء المسلمين.
وفي هذا السياق، سألت المصادر نفسها عن سبب اضطرار عون للتراجع عن بعض أسماء الوزراء المسيحيين من أهل الاختصاص ومن ذوي الكفاءات بعد أن وافق عليها الحريري؟ وهل أن تراجعه عن ترشيحه لكارول عياط، مسؤولة الطاقة المتجددة في «بنك عودة»، لتولي وزارة الطاقة والموارد المائية جاء بإلحاح من باسيل الذي رشح لتولي هذه الحقيبة أحد مستشاريه ممن يعملون حالياً في وزارة الطاقة؟
وإذ تجنبت المصادر الإفصاح عن بعض أسماء المرشحين الذين طرحهم باسيل لتولي حقائب وزارية، قالت في المقابل إنها تفضّل عدم الدخول معه في سجال حول معظم هذه الأسماء الذين هم في عداد فريقه الاستشاري.
واعتبرت أن مجرد تراجع عون يؤشر إلى أن قرار تسمية الوزراء يبقى حصرياً من صلاحية «رئيس الظل»؛ أي باسيل الذي يريد مصادرة التمثيل المسيحي في الحكومة، ظناً منه بأنه يحمي نفسه بتأييد غير مشروط من حليفه «حزب الله» في وجه العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وبالتالي يريد السيطرة على الثلث المعطل في الحكومة، لتمرير رسالة بأن هذه العقوبات لن تؤثر على مستقبله السياسي، ما دام أنه يشكل الرقم الصعب في المعادلة السياسية، وبالتالي لن تكون هناك حكومة ما لم يمنحها بركاته.
وقالت إن الحريري باقٍ على موقفه، ولن يسمح لفريق مسيحي بتسمية الوزراء المسيحيين، لأن مجرد موافقته يجب أن تنسحب على الرئيس بري والقوى السياسية الأخرى لجهة تسمية من يمثلهم في الحكومة، وهذا يعني تسليمه بالمعايير السابقة التي كانت تتحكم بتشكيل الحكومات، وأكدت أنها لا تعرف الأسباب التي كانت وراء تراجع عون عن موافقته بأن تتشكل الحكومة من 18 وزيراً.
ولفتت هذه المصادر إلى أن الحريري ليس في وارد أن يرأس الحكومة، ويترك للآخرين اختيار الوزراء، وعزت السبب إلى أن مثل هذه الحكومة ستولد ساقطة عربياً ودولياً، ولا يمكن تسويقها لدى المجتمع الدولي لحثه على توفير الدعم المالي والاقتصادي للبنان لوقف تدحرجه نحو الهاوية. وقالت إن تذرّع بعضهم بانصياع الحريري للضغوط الأميركية ما هو إلا محاولة للهروب إلى الأمام، خصوصاً أنه سبق أن أصر على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة لا تنتمي للأحزاب فور تقديم استقالة حكومته، ولم يكن لواشنطن أي دور ضاغط ألزمه بطرحه هذا الموقف.
واستبعدت المصادر ذاتها أن يكون لدى باسيل القدرة على تجييش الشارع المسيحي، وهو من أقحم عون في اشتباكات مع جميع الأطراف بلا استثناء، وبالتالي لن يلقى من يتجاوب معه، وهذا ما ظهر جلياً بعدم التضامن معه في وجه العقوبات الأميركية حتى من قبل «أهل البيت»، ولم يعد له من خيار إلا بمعاقبة البلد، ومنعه من تشكيل حكومة جديدة، رغم أن عون يعطي الأولوية لتعويمه.
لذلك، ترى المصادر أن باسيل لن يتمكن من فرض شروطه للمجيء بحكومة شبيهة بحكومة الرئيس حسان دياب، وعلى صورة معظم الوزراء الذين اختارهم، ومن بينهم الوزراء السنة، وهو يصطدم الآن بموقف الحريري الذي سيختار الوقت المناسب للخروج عن صمته، وإنما بعد انتهاء باريس من الاتصالات الخارجية التي تجريها ليكون في وسعه تحديد موقفه تحت سقف التزامه بالمبادرة الفرنسية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.