المصريون يقاومون شهر طوبة والصقيع بالسخرية

القاهريون التزموا بيوتهم.. والسكندريون يلتقطون الصور مع الأمواج العاتية والثلوج

المصريون يقاومون شهر طوبة والصقيع بالسخرية
TT

المصريون يقاومون شهر طوبة والصقيع بالسخرية

المصريون يقاومون شهر طوبة والصقيع بالسخرية

(سيدة عجوز)» مثل شعبي عالق في أذهان المصريين يتردد كثيرا كلما حل عليهم شهر طوبة، وهو الشهر الخامس من التقويم المصري القبطي، ويبدأ في التقويم الجريجوري من 9 يناير (كانون الثاني) ويستمر إلى 7 فبراير (شباط)، وهو معروف ببرودة طقسه التي تصل إلى حد الصقيع.
وشهدت بداية شهر طوبة الجمعة الماضي عواصف ثلجية على المناطق الساحلية وشمال مصر. ويعتبر شهر طوبة هو أكثر الشهور التي يعاني فيها المصريون من شدة البرد والعواصف، وتصبح المياه فيه كالمثلجة، لذا يقال أيضا: «أبرد من مية طوبة» على الأشخاص ذوي المشاعر الباردة. وكان المصري القديم يعتبره أول شهر في موسم پرويِت (أي النماء) في مصر القديمة، حيث تبدأ الحقول في الازدهار والنماء بعد تلك العواصف التي تأتي في بداية طوبة.
كما يقال عن هذا الشهر «طوبة أبو البرد والعقوبة». ويتغلب المصريون فيه على انخفاض درجات الحرارة بحساء العدس، والفول السوداني، والبرتقال واليوسفي، والبطاطا المشوية، وأشهر المشروبات في ذلك الوقت من العام هي السحلب والقرفة بالزنجبيل إلى جانب الشاي.
خلال الأيام القليلة الماضية أصبح الشغل الشاغل لجميع المصريين هو تداول صور الشوارع والمنازل المغطاة بالثلوج خاصة في مناطق مثل سانت كاترين بسيناء (شمالي شرق مصر)، والإسكندرية (شمال غرب) ورأس البر (شمال). وعلى الرغم من أن القاهرة لم تشهد سوى أمطار خفيفة إلى متوسطة فإن شوارع العاصمة المزدحمة باستمرار خلت بشكل لافت من المارة والسيارات، في حين أن الإسكندرية التي تعرضت لموجة شديدة من الأمطار والرياح التي وصلت سرعتها إلى 50 كيلومترا في الساعة، تسارع أهلها للخروج والتقاط الصور «السيلفي» وسط العواصف والأمطار.
وكانت صور الإسكندرية هي الأكثر تداولا بسبب السيول التي هطلت على عروس البحر المتوسط حيث ظلت الأمطار تنهمر لعدة أيام بشكل متواصل، كما غمرت مياه البحر الشوارع بسبب ارتفاع الأمواج لـ5 أمتار، مما أدى إلى مزيد من تراكم المياه والتي أصبحت تعوق مرور السيارات.
وحاصرت مياه البحر قلعة قايتباي الأثرية، غرب الإسكندرية، مما أدى إلى إغلاق المحال والنوادي المقابلة لها في منطقة بحري. وقام المسؤولون في المحافظة بمحاولات لشفط المياه لحل الأزمة وحتى لا تضر المياه بالمبنى الأثري للقلعة التاريخية.
وتؤثر السيول المتواصلة كل عام على عدد من المباني والعقارات مما يؤدي إلى انهيارها، خاصة البيوت القديمة التي يصل عمرها أحيانا إلى قرن من الزمان، والأسبوع الماضي انهار جزء من مئذنة مسجد ابن خلدون بشارع النصر بمنطقة المنشية، وسط الإسكندرية، وأحد الأسوار المحيطة بأرض فضاء في نفس المنطقة، كما انهارت أجزاء من عقارات في الأزاريطة بالشاطبي وأصابت بعض المارة بإصابات خطيرة كما حطمت عددا من السيارات. كما سقطت أكثر من 60 لافتة إعلانية في مختلف مناطق الإسكندرية وفقا لتصريحات ديوان المحافظة، كما سقطت عدة أشجار ضخمة في مناطق سموحة في قلب الإسكندرية، والعجمي والكيلو 21 على أطراف المدينة.
وصرح محافظ الإسكندرية اللواء طارق المهدي بأن هناك نحو 36 ألف عقار مهدد بالانهيار جراء العواصف الجوية والسيول التي سوف تتعرض لها الإسكندرية هذا الشتاء، ما بين عقارات قديمة وأخرى آيلة للسقوط، وهي المشكلة التي تعاني منها المدينة بسبب البناء المخالف للمواصفات.
وأعلن خبراء الأرصاد الجوية أن البرد القارس سوف يخيم على البلاد حتى يوم الأحد المقبل، وأن الرياح أغلبها شمالية غربية تنشط على شمال وغرب البلاد، مما يزيد الإحساس بشدة برودة الطقس، ويؤدي إلى تدهور الرؤية الأفقية على الطرق واضطراب الملاحة البحرية على البحرين المتوسط والأحمر. وهو ما تسبب في إغلاق بوغازي ميناءي الإسكندرية والدخيلة، خاصة في ظل ارتفاع الموج في البحر المتوسط من 4 إلى 5 أمتار، وقد اصطدمت باخرة تجارية (شيماء) برصيف رقم 54 بميناء الإسكندرية، مما أدى إلى تلفيات فادحة، كما هبطت بعض الطائرات هبوطا اضطراريا في مطار برج العرب الدولي

غرب الإسكندرية. ومن المعروف أن الإسكندرية في الشتاء تشهد ظاهرة مناخية فريدة يطلق عليها «النوات»، نظرا لطبيعتها المطلة على البحر المتوسط، حيث يرتفع منسوب مياه البحر وتعاني عروس المتوسط من هطول الأمطار بشكل متواصل مما يعوق الحياة اليومية فيها. وتطل كل سنة ميلادية جديدة على الإسكندرية بـ«نوة رأس السنة» ثم «الفيضة الكبيرة» و«الغطاس»، وتستمر كل منها لمدة 5 أيام متصلة، وتتبعها «نوة الكرم» و«باقي الكرم»، ثم تنتهي النوات الممطرة بنوة الشمس الصغيرة في منتصف شهر فبراير.
ونظرا لسقوط الثلوج بشكل كبير هذا العام على الإسكندرية، وقد غمر شارع الكورنيش في مشهد لم يحدث منذ سنوات، أصبح «الإسكندرانية» يسخرون من أحوال الطقس بقولهم «إسكندرية أسقع ناس على البحر ماشيه تتمختر» على أنغام أغنية الفنانة المصرية الإيطالية داليدا التي كانت تقول كلماتها «إسكندرية أجدع ناس».
وتداولت الصفحات السكندرية على موقع «فيسبوك» صورا لبعض الأشخاص وهم يحاولون استقلال المواصلات وقد غمرتهم موجة عاتية بالمياه وهو أمر يتكرر كثيرا طوال فصل الشتاء حيث تخرج المياه بسبب سرعة الرياح حتى تصل إلى أنها تضرب السيارات في شارع الكورنيش خاصة في منطقة بحري، ويصبح من الطبيعي أن ترى عدة قوارب صيد وقد تكسرت على الشاطئ. مما دفع السكندريين لتدشين هاشتاغ «#‏إسكندرية: في ‫#‏الصيف‬..أنت بتنزل البحر.. في ‫#‏الشتاء.. البحر بييجي (يأتي) لحد عندك».
وحرص الكثير من الشباب على التقاط صور سيلفي لهم أمام الأمواج التي تضرب الكورنيش قبل ارتطامها بالأرض، كما تداول بعض مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية في القاهرة والإسكندرية صورا لهم وهم يرتدون البطانية في الشارع ومنهم صورة لشاب يستقل المترو في القاهرة وهو متدثر بالبطانية، وشاب آخر في الإسكندرية يتجول في الشارع وهو يحتمي بالبطانية من البرد القارس، وأطلق على نفسه في إحدى الصور التي التقطتها أسفل تمثال سعد زغلول بمحطة الرمل «إله البرد عند الفراعنة».
ويقول أيمن إبراهيم، الباحث الفلكي في علم البصريات الجوية لـ«الشرق الأوسط»: «النوات عبارة عن عواصف تشبه بدرجة ما الأعاصير وتتخذ الرياح الشكل الحلزوني، ومعظمها يأتي من الغرب والجنوب الغربي، وفي الإسكندرية بالأخص والساحل الشمالي نلاحظ أن النوات تتكرر، وهي عواصف جوية تتنوع في شدتها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».