من كتب «المواطن كين» وكيف عاملت هوليوود أورسن ويلز؟

فيلم جديد يواصل إزكاء الصراع حوله

أورسون ويلز
أورسون ويلز
TT

من كتب «المواطن كين» وكيف عاملت هوليوود أورسن ويلز؟

أورسون ويلز
أورسون ويلز

أنهى المخرج ديفيد فينشر («زودياك»، «ذا سوشال نتوورك» «سڤن») فيلما روائيا جديداً يقول إنه بدأ يفكر فيه منذ 30 سنة. فيلم بعنوان «مانك» (Mank)، من بطولة غاري أولدمان وأماندا سيفرايد وتشارلز دانس وتوم بورك وتوبنس ميدلتون.
هو فيلمه الأول بعد سنوات اعتكاف منذ أن أخرج Gone Girl سنة 2016، وسيرى النور قريباً في عدد محدود من صالات السينما، لكن وجهته الأساسية هي شاشات «نتفلكس» ومن ثم دخول سباق الأوسكار المقبل.
«مانك» هو اختصار الفيلم لكاتب السيناريو مانكيوڤيتز (اسمه الأول هرمان ج.) الذي وضع سيناريو فيلم أورسن ويلز الأول «المواطن كَين». ذلك الفيلم الذي، منذ إنجازه سنة 1941. ما يزال شاغل المتخصصين والهواة على حد سواء والذي دائماً ما يأتي على قمة قائمة أفضل أفلام العالم. في الواقع وضعه إحصاء مجلة «سايت أند ساوند» الأخير، بين نحو 300 ناقد حول العالم، في المركز الثاني (بعد «ڤرتيغو» لألفرد هيتشكوك) بعدما وضعته إحصاءات المجلة السابقة في المركز الأول لعدة سنوات.
- يودون سرقة فيلمي
يدور الفيلم الجديد (الذي اختار فينشر تصويره بالأبيض والأسود)، حول كاتب السيناريو هرمان مانكيوڤيتز وكيف تسنى له بناء المادة الكثيفة التي احتواها فيلم ويلز قبل التصوير. بكلمات أخرى، حول الإسهام الذي قام به مانكيوڤيتز لأجل وضع البنية التأسيسية للعمل وبالتالي دوره الكبير في إنجاز «المواطن كَين».
من غير المعروف، والفيلم لم يُشاهد بعد، إذا ما كان فيل فينشر سيُجير عمل ويلز الرائع للكاتب مانكيوڤيتز أم لا. وكان ويلز (1915 - 1985)، قد شكا قبل وفاته بسنوات قليلة من «أنهم» يودون سرقة «أهم أفلامي مني».
جاء هذا كرد فعل على نشر ناقدة «نيويورك تايمز» حينها، بولين كايل (1919 - 2001)، مقالة أكدت فيها أنه لولا هرمان مانكيوڤيتز والسيناريو الذي كتبه لفيلم ويلز المشهود، لما كان هناك فيلم يُحتفى به.
ما فعلته كَين هو أنها أرجعت النجاح الفني للفيلم بكامله إلى السيناريو. وفي حين يحمل الفيلم وكل الأدبيات التي تلته اسم ولز ومانكيوڤيتز معاً ككاتبين للسيناريو، أصرت الناقدة على أن مانكيوڤيتز هو من كتب السيناريو النهائي وأن ويلز «لم يمد يده» ليكتب «سطراً واحداً فيه». لاحقاً حاولت الناقدة، وقد واجهها نقاد آخرون بوثائق تفيد عكس ما ذهبت إليه، التراجع عن ادعائها السابق بالقول، إنها لم تكن تقصد ما فُهم من كلماتها.
ذلك لم ينه الجدال بين معسكرين من الادعاءات. ذاك الذي يؤكد أن مانكيوڤيتز هو المسؤول الأول عن «المواطن كَين» وأنه من أوحى للمخرج بالمشروع، والآخر الذي يؤكد أنه لم يكن سوى شريكاً في الكتابة مع ويلز.
ويفترض هذا الناقد صحة الرأي الثاني لسبب جوهري: في الثلاثينات، وبينما كان ويلز ما زال على بعد سنوات قليلة من تحقيق فيلمه الأول ذاك، كتب مسرحية بعنوان «أغنية الاستعراض» (Marching Song)، تتحدث عن رجل أعمال ثري من خلال رؤى ووجهات نظر المحيطين به. المسرحية لم تُنتج، لكن ويلز جعلها أرضية لكتابة النسخة الأولى من سيناريو الفيلم واضعاً الإعلامي المؤثر ويليام راندولف هيرست في موقع الرجل الذي تدور حوله علامات استفهام كثيرة. لم يستخدم المخرج اسم هيرست، لكن العمل بأسره دار حول شخصية لا تبتعد سوى خطوات قليلة عنه.
- ضد هوليوود
لا يغيب عن البال بالطبع أن أورسن ويلز بقي، ومنذ وفاته، الشغل الشاغل للمتابعين والباحثين. هناك أسابيع وتظاهرات عديدة أقيمت له في مهرجانات السينما. هناك إعادة عروض لبعض أفلامه. وأطنان من الكتب التي وُضعت عنه بما فيها الكتب التي وُضعت عن «المواطن كَين».
ثم هناك «الاكتشافات»: في العام 2018 قدم مهرجان فينسيا فيلماً منسياً لويلز سهر على إكماله لفيف من المعنيين بينهم المنتج فرانك مارشال والمخرج بيتر بوغدانوفيتش هو «الجانب الآخر من الريح» (The Other Side of the Wind).
هو مشروع بدأه ويلز سنة 1970. وصوره على عدة مراحل حتى توقف عنه سنة 1976. من دون إكماله. في الواقع، ويلز لديه مئات الأمتار من المشاريع المصورة على أفلام سيليلويد التي لم يكتمل تصويرها، ومشاريع أخرى كثيرة لم تتحقق. وهو دخل تصوير هذا الفيلم وخرج منه عدة مرات للأسباب ذاتها التي دفعته لعدم استكمال مشاريع أخرى إلا بعد سنوات من البدء بها كحال فيلم «أوتيلو» الذي قام ببطولته.
في هذه السنة، عاد المهرجان الإيطالي إلى ما له علاقة بأورسون ويلز فقدم فيلماً آخر (من نحو ساعتين وعشر دقائق) عنوانه «هوبر/ ويلز». هوبر المقصود هو الممثل والمخرج دنيس هوبر، والفيلم من إخراج أورسن ويلز، ومدير تصويره هو غاري غراڤر، الذي صور كذلك «الجانب الآخر من الريح».
الفيلم السابق، «الجانب الآخر من الريح»، كان إعادة تجميع وتنفيذ لما صوره ويلز في أكثر من مناسبة. مشاهدته تضعنا أمام فيلم يحمل سمات التجريب والكثير من الفوضى المنظمة وغير المنظمة. فيلم «هوبر/ ويلز» حققه ويلز سنة 1970، ورُمم وأُعد هذا العام، وينص على مقابلة مطولة بين كل من ويلز وهوبر.
لكن الفيلمين معاً يمنحان المتابع الدليل على أن أورسن ويلز ما يزال المخرج الأكثر تعرضاً للاهتمام بشتى جوانبه (مقالات، كتب، أفلام الخ…) جنباً إلى جنب ألفرد هيتشكوك.
لم تكن علاقة ويلز بهوليوود علاقة متينة وذلك منذ «المواطن كَين»، الذي وجد فيه ويلز نفسه يصارع هوليوود لأجل أن تسمح له بتحقيق الفيلم على سجيته ومنواله. بعد جهد كبير في هذا المجال، تركته هوليوود وشأنه من ثم تجاهلت ما أنجزه وقد عُرض في صالات محدودة بسبع مدن أميركية (من بينها لوس أنجليس وبوسطن وسان فرانسيسكو ونيويورك). وكاد الفيلم أن يمر عابراً في سماء الفن السابع لولا تلقف النقاد له منذ ذلك الحين.
يمكن النظر إلى «الجانب الآخر من الريح» كرد فعل ويلز على هوليوود التي لم تساعده، من بعد «المواطن كَين» إلا في البدايات. هناك نقد مبطن لها في ذلك الفيلم وآخر يُستنتج من إصرار ويلز على صنع فيلمه بشروطه الخاصة متحدثاً، في الفيلم، عن مخرج يصنع فيلمه بشروطه الخاصة أيضاً.
لن نعرف ما إذا كان فيلم ديفيد فينشر سيجير «المواطن كين» لكاتب السيناريو مانكيوڤيتز كما حاولت هوليوود مؤخراً أن تفعل عندما أنتجت سنة 2012 «هيتشكوك» من إخراج ساشا جرفاسي. فيه سحبت هالة الإعجاب من المخرج العتيد في فيلم تمحور حول تحقيقه فيلم «سايكو» مقترحة أن صانع الفيلم الحقيقي ليس سوى زوجته ألما. لكن فيلم فينشر، مهما كان الأمر، سيبقي وتيرة النقاش عالية حول أحد أهم سينمائيي العالم حيا كان أو ميتاً.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.