«أثينا تحب بيروت»... جسر عبور فني للمساعدة

بمشاركة مصممين يونانيين أمثال ليتو وليانا كامبا

جورج أبو شبكة صاحب مبادرة «أثينا تحب بيروت»  -  من تصميم ليانا كامبا  -  قلادة من توقيع مصممة المجوهرات ليتو
جورج أبو شبكة صاحب مبادرة «أثينا تحب بيروت» - من تصميم ليانا كامبا - قلادة من توقيع مصممة المجوهرات ليتو
TT

«أثينا تحب بيروت»... جسر عبور فني للمساعدة

جورج أبو شبكة صاحب مبادرة «أثينا تحب بيروت»  -  من تصميم ليانا كامبا  -  قلادة من توقيع مصممة المجوهرات ليتو
جورج أبو شبكة صاحب مبادرة «أثينا تحب بيروت» - من تصميم ليانا كامبا - قلادة من توقيع مصممة المجوهرات ليتو

كثيرة هي نقاط التلاقي بين مدينتي أثينا وبيروت، لا سيما أن الأولى تقع على مرمى حجر من «ست الدنيا». وإضافة إلى كونهما مدينتين تظللهما شمس «المتوسط» وزرقة مياهه، فهما تتفقان في أسلوب الضيافة والطعام والثقافة وما إلى هنالك من لغات حوارية فنية.
مع حصول انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) الفائت الذي شغل العالم بأخباره وتداعياته السلبية، تحرك يونانيون من أصل لبناني والعكس صحيح من أجل مد يد المساعدة للمتضررين. فأطلق جورج أبو شبكة مبادرة «أثينا تحب بيروت» بعدما لمس تعاطفاً كبيراً سجله أهالي العاصمة اليونانية تجاه بيروت وأهلها.
تهدف هذه المبادرة إلى إيصال حب ودعم عدد كبير من مصممين وفنانين يونانيين للمدينة وأهلها. ويأتي ذلك من خلال التبرع لعدد من المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي تعنى بالشق الإنساني، وذلك خلال الفترة القاسية التي يمر بها لبنان.
وعبر الموقع الإلكتروني http:--www.decoventure.com-shop خُصصت مساحة افتراضية لعرض تصاميم فنية لحقائب يد وأزياء ومجوهرات ولوحات رسم وسيراميك من توقيع فنانين يونانيين مشهورين.
ويروي جورج أبو شبكة في حديث لـ(الشرق الأوسط) عن كيفية انبثاق هذه المبادرة وولادتها، يقول: «استقر في اليونان منذ نحو ست سنوات، ولدي علاقات عامة جيدة مع فنانين يونانيين كثر، سيما أني أعمل في مجال الهندسة الداخلية. كما أنه لدي صداقات كثيرة تربطني مع يونانيين تعرفت عليهم منذ سنوات». ويتابع: «عندما حصل انفجار بيروت شعرت بالذنب كوني بعيداً عن مدينتي التي أحب. فمنزلي يقع في منطقة قريبة من الانفجار وتأذى كثيراً بفعل الكارثة كما أخبروني. وتمنيت لو كنت هناك واستطعت مد يد العون لجيراني وأصدقائي. وعندما لمست كل هذا التعاطف والاهتمام من قبل أصدقاء ورفاق لي يونانيين متضامنين بشكل تلقائي مع أهالي بيروت، قررت إطلاق هذه المبادرة. فالجميع شجعني وساندني، سيما أنهم كانوا يبحثون عن طريقة لمساعدة المتضررين. وبعد تواصلي مع شركة علاقات عامة يونانية (يالغو) بدأ المشوار. وأخذت الشركة على عاتقها القيام بالاتصالات اللازمة بفنانين يونانيين غير الذين أعرفهم». وكما مصمم الحقائب اليوناني المعروف كوريلو والنحات المعاصر ستازيس الكسوبولوس ومصممة الأزياء ليانا كامبا ومصممة المجوهرات ليتو، فقد تجمع نحو 20 فناناً يونانياً تحت سقف مبادرة «أثينا تحب بيروت».
ويعلق أبو شبكة: «لقد تلقيت اتصالات كثيرة من فنانين معروفين وآخرين صاعدين، يرغبون بالانضمام. ولكني فضلت أن نبدأها بهذا العدد من الفنانين على أمل توسيعها مستقبلاً».
القطع الفنية المعروضة للبيع التي يعود ريعها للمتضررين من الانفجار لا ثاني لها. ويعلق جورج أبو شبكة: «بعضهم اختار موضوعات تصاميم ترتبط ارتباطاً مباشراً ببيروت. فهناك من صمم زياً متكاملاً مع إكسسواراته طرزت بكلمة بيروت. وآخر نحت قلباً ذهبياً من مادتي الرخام والـ(ريزين). وأحدهم قدم شلحة من الحرير ووضعها ضمن إطار لوحة لتأخذ مشهدية فنية خارجة عن المألوف. فيما حفرت إحداهن على قلادة من تصميمها قلباً مع كلمة بيروت. فكل منهم ترجم حبه لمدينتنا على طريقته. وأرفقت كل قطعة برسالة حب مكتوبة من المصمم يوجهها بدوره إلى العاصمة اللبنانية».
حتى اليوم استطاعت المبادرة حصد مبلغ لا يستهان به من المال (نحو 20 ألف يورو). أما الزبائن الذين اشتروا الأعمال عبر الموقع الإلكتروني، فبينهم من سنغافورة واليونان ولبنان ومن جنسيات أخرى. وتحول المال مباشرة إلى مؤسستين خيريتين هما «فرح العطاء» و«بنك الطعام اللبناني».
ويوضح جورج أبو شبكة: «لقد اخترنا هاتين الجمعيتين على أمل توسيع خياراتنا في المستقبل لتشمل جمعيات خيرية رصينة أخرى».
باب المشاركة في هذه المبادرة مفتوح حتى إشعار آخر. ويشير أبو شبكة إلى أن خطوات أخرى مشابهة يعمل على تحضيرها من أجل مساندة أهله من ناحية ولتحقيق التبادل الثقافي اليوناني واللبناني، من ناحية ثانية. ويقول في سياق حديثه: «نحضر في المستقبل القريب، مشروعاً غير افتراضي ندعم من خلاله المصمم اللبناني. فنستحدث جسراً حقيقياً بينه وبين زملائه اليونانيين، من خلال تنظيم معارض فنية متبادلة بين البلدين. كما نفكر في إهداء كل مصمم يوناني شاركنا في المبادرة، شتلة أرز تحمل اسمه نزرعها في غابة أرز الباروك».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».