العقوبات الأميركية على شخصيات لبنانية تعزلها مصرفياً وتقيّد حركة تنقلها

بارود لـ «الشرق الأوسط»: تغيّر كبير في أنماط التعاطي ربما ينتج واقعاً جديداً

TT

العقوبات الأميركية على شخصيات لبنانية تعزلها مصرفياً وتقيّد حركة تنقلها

لم يكن الرأي العام اللبناني يجد نفسه معنياً بالتدقيق كثيراً بمفاعيل وتأثيرات العقوبات الأميركية على الشخصيات التي تستهدفها، باعتبار أن كل هؤلاء الأفراد كانوا قبل أشهر معدودة إما عناصر ومسؤولين في «حزب الله» أو محسوبين عليه اتهموا بتمويله.
وطالما الحزب يدير شؤونه المالية بإطار منظومة خارج إطار المنظومة المصرفية العالمية، وطالما المسؤولون فيه المدرجون على لوائح العقوبات لا يسافرون إلى أميركا ودول أوروبية أقله بهوياتهم الحقيقية، بقيت مفاعيل هذه العقوبات محدودة إلى أن طالت أخيراً الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وقبل أيام رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، مع تأكيدات أميركية بأنها ستطال قريباً شخصيات سياسية أخرى.
وبحسب خبراء بالقانون الدولي، فإن الهدف الأساسي من هذه العقوبات عزل الأشخاص المستهدفين مصرفيا وتقييد حركة تنقلهم دوليا.
وفي هذا المجال، يشير الخبير في القانون الدولي والعلوم الدستورية شفيق المصري إلى أن «لكل قضية ولكل اسم مدرج على لوائح العقوبات، حيثيات معينة تختلف بين فرد وآخر ما يجعل هذه العقوبات متدرجة، لكن جميعها تضع حداً للتعاملات المصرفية للمستهدفين باعتبار أن هذه المعاملات تنتقل إلى عدة مراكز في العالم وتصب في المركز الرئيسي في الولايات المتحدة، من هنا الأمر يخضع للبنوك المراسلة أيضاً وليس حصراً للبنوك الأميركية»، موضحاً أن «الأسماء المدرجة على لوائح العقوبات تُحرم من فتح حسابات مصرفية ويتم إغلاق الحسابات العائدة لها في بلدانها من دون خصومات تذكر مقابل تجميد حساباتها المصرفية في الولايات مع اتخاذ عقوبات مالية محددة».
ويضيف المصري لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن البنوك اللبنانية مثلاً تعمد فوراً لإغلاق حسابات الأشخاص المستهدفين بالعقوبات الأميركية لحرصها على سلامة تعاملها مع البنوك المراسلة. وباعتبار أن كل الحسابات المصرفية في لبنان مجمدة في هذه المرحلة، يفترض ألا تقتصر الإجراءات المتخذة بحق المدرجين على لوائح العقوبات الأميركية على التجميد إنما أن تشمل توجيه إنذار لصاحب الحسابات بأنه تم توقيفها تحت طائلة إجراءات يحددها المصرف المعني».
وبالطبع لا تقتصر الإجراءات والتدابير الأميركية على القطاع المصرفي، بل تطال بشكل أساسي حركة سفر المدرجين على لوائح العقوبات. فيمنعون، بحسب المصري، من السفر إلى الولايات المتحدة وإذا كان ثمة تأشيرات أعطيت مسبقاً لهم يتم إلغاؤها، لافتاً إلى أنه «وإن كان القانون له صفة محلية في المبدأ، لكن من غير المستبعد أن تتعاطف دول أخرى مع الولايات المتحدة بالنسبة للسفر والتأشيرات، حرصاً على مصالحها». ولا تلحظ المادة القانونية التي تم على أساسها إدراج اسم باسيل على لوائح العقوبات جرماً جزائياً يستدعي توقيفه في مطارات أحد البلدان وتسليمه إلى الولايات المتحدة الأميركية، على ما يقول المصري، وإن كانت حيثيات قضية باسيل أشد وطأة من حيثيات قضية فنيانوس وعلي حسن خليل.
وتأتي العقوبات على باسيل في إطار قانون «ماغنيتسكي». وتم إقراره في الولايات المتحدة في عام 2012 لمكافحة إفلات الأفراد والشركات من العقاب على مستوى العالم لدى انتهاكهم حقوق الإنسان أو ارتكابهم أعمال فساد.
ويوضح الوزير السابق زياد بارود أن العقوبات الأميركية ليست قراراً أممياً، بل هي تستند إلى تشريعات أميركية وتطبقها، وهي تتناول أفراداً وتنطوي عملياً وإجرائياً إلى منع الشخص المعني من الدخول إلى الولايات المتحدة، كما أنها تؤدي إلى تجميد أصول وحسابات مصرفية، معتبرا أن «آثارها السياسية وتداعياتها في السياسة أكثر منها في الشخصي، خصوصا عندما تطال شخصيات سياسية بارزة».
ويرى بارود في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه من المبكر الحسم بما إذا كانت العقوبات تحقق الهدف الأميركي منها، لافتاً إلى أن «هذا مسار طويل، والعقوبات غالبا ما تستخدم كأداة في إطار أجندة أوسع. ولا بد بالتالي من مراقبة ما سيحصل في الآتي من الأيام لجهة: أولاً، اتساع دائرة العقوبات والمغزى منها في ضوء هوية من قد تتناولهم، وثانيا، وضع هذه العقوبات في إطار الأزمة اللبنانية المتعددة الأوجه، لا سيما على مستوى إعادة تكوين الطبقة الحاكمة»، مضيفاً: «فما يحصل منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 والكلام الكبير عن الفساد المستشري هو جزء من تغيّر كبير في أنماط التعاطي وربما ينتج واقعاً جديداً، حيث كل المؤشرات تذهب في اتجاه خلط للأوراق». ويشدد بارود على أن السؤال الأهم يبقى «كيف سيتعاطى المعنيون مع هذا الواقع الجديد؟ وهل يملك المتضررون منه القدرة على الممانعة وعلى (خربطة) الأمور؟».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.