«شرم الشيخ للمسرح الشبابي» يرى النور بعد أشهر من التأجيل

تكريم الفنانة المصرية حنان مطاوع خلال افتتاح المهرجان
تكريم الفنانة المصرية حنان مطاوع خلال افتتاح المهرجان
TT

«شرم الشيخ للمسرح الشبابي» يرى النور بعد أشهر من التأجيل

تكريم الفنانة المصرية حنان مطاوع خلال افتتاح المهرجان
تكريم الفنانة المصرية حنان مطاوع خلال افتتاح المهرجان

بعد تأجيل دام سبعة أشهر، بسبب جائحة «كورونا»، انطلقت مساء أول من أمس فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، في مدينة شرم الشيخ الساحلية بجنوب سيناء، وسط إجراءات احترازية طبية، بمشاركة 15 دولة عربية وأوروبية وأفريقية، وبحضور عدد من الفنانين والمسؤولين المصريين.
المهرجان الذي يهدي دورة العام الجاري إلى روح الفنانة المصرية الراحلة سناء جميل، قرّر إقامة مراسم السجادة الحمراء في الهواء الطلق أمام مقر قصر ثقافة شرم الشيخ لتحقيق التباعد الاجتماعي بين الضيوف ووسائل الإعلام.
وتغيب الفنان الكبير محمد صبحي، رئيس اللجنة العليا للمهرجان، عن حضور حفل الافتتاح، بسبب وفاة شقيقته الكبرى بعد صراع طويل مع المرض.
وشهد حفل الافتتاح تكريم الفنانة حنان مطاوع بمنحها «درع المهرجان الشبابي»، والفنان بيومي فؤاد بمنحه «جائزة سميحة أيوب»، كما كُرّم الفنان إسلام إمام كأفضل شخصية مسرحية مصرية لعام 2019، والمخرج اللبناني قاسم إسطنبولي بجائزة أفضل شخصية مسرحية عربية لعام 2019، التي أهداها لروح الفنان الراحل أحمد زكي. وعقب فقرات حفل الافتتاح عُرضت مسرحية «إيزيس» للمخرجة كريمة بدير التي تشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان في قسم العروض الكبرى، وشاهد العرض لجنة التّحكيم المكونة من الفنان المصري نضال الشافعي والفنانة الأردنية أمل الدباس، مع ضيوف المهرجان.
وأعربت الفنانة المصرية حنان مطاوع عن سعادتها البالغة لتكريمها في المهرجان، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «أي تكريم أحصل عليه في مشواري الفني هو بمثابة جني ثمار لسنوات طويلة من التّعب والجهد الشاق، والفرحة هنا لها مذاق خاص لأنّها جاءت من المسرح الذي يعد أبو الفنون». مشيرة إلى أنّها شاركت في الدورة الثانية من المهرجان التي حملت اسم والدها «الفنان الرّاحل كرم مطاوع». وعن تأثرها مسرحياً بوالدتها الفنانة سهير المرشدي، ووالدها، قالت: «والدي ووالدتي لهما كل الفضل لما وصلت إليه الآن، فكان لديهما الدور الأكبر في تربيتي بالمنزل، قبل تأثيرهما علي فنياً».
ويعرض في الدورة الجارية 10 عروض مسرحية، بعضها إنتاج مشترك بين عدة دول، في ثلاث مسابقات من بينها أربعة عروض في مسابقة «العروض الكبرى» وهي: «هاملت 1982» و«إيزيس» و«أرض بلا أحلام» و«الوحوش الزجاجية»، وثلاثة عروض في مسابقة «المونودراما» وهي: «حلم هاملت» و«صورة ماريا» و«قوم يابا»، و3 عروض في مسابقة محور «مسرح الشارع» وهي: «عجاب 200» و«أغنية على الممر» و«أبي رجلاً».
المخرج مازن الغرباوي، رئيس مهرجان شرم الشيخ الدّولي للمسرح الشبابي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «واجهنا تحديات عدة من أجل خروج الدورة الخامسة للنور، لا سيما بعد أن توقفت الحياة بكل دول ومسارح العالم، وأغلقت المطارات أبوابها بسبب تفشي وباء كورونا، وعلى إثر ذلك تأجل المهرجان وانخفضت ميزانيته للنصف، ورغم ذلك حملنا على عاتقنا تنظيم الدورة بالمستوى نفسه الذي ظهرت عليه الدورات السابقة، خصوصاً بعد أن استطعنا كسب ثقة دولية كبيرة خلال الأعوام الماضية لا نريد خسارتها».
مهرجان شرم الشيخ هو أول مهرجان تسابقي عالمي ودولي يختص بالشباب على أرض محافظة جنوب سيناء، ويعكس مدى أهمية وقيمة الدور الذي تلعبه الثقافة والفن في تطوير الشق السياحي والاقتصادي.
وسيتمكن أهالي مدينة شرم الشيخ من مشاهدة بعض عروض المهرجان خلال الدورة الجارية، عبر مسابقة «محور الشارع»، حسب الغرباوي، الذي يشير إلى «توسع المهرجان في تقديم عروضه بكل مدن المحافظة خلال الدورات المقبلة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)