ساندو «الموالية للغرب» تفوز برئاسة مولدافيا... والكرملين يتطلع إلى «تعاون مثمر»

المعارضة ساندو فازت بفارق كبير على دودون القريب من الكرملين (إ.ب.أ)
المعارضة ساندو فازت بفارق كبير على دودون القريب من الكرملين (إ.ب.أ)
TT

ساندو «الموالية للغرب» تفوز برئاسة مولدافيا... والكرملين يتطلع إلى «تعاون مثمر»

المعارضة ساندو فازت بفارق كبير على دودون القريب من الكرملين (إ.ب.أ)
المعارضة ساندو فازت بفارق كبير على دودون القريب من الكرملين (إ.ب.أ)

أظهرت النتائج الأولية للجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية في جمهورية مولدافيا فوز السياسية المعارضة مايا ساندو بفارق كبير على الرئيس المنتهية ولايته إيغور دودون، بعد معركة انتخابية ساخنة وضعت المولدافيين أمام اختيار تعزيز العلاقة مع أوروبا، أو المحافظة على علاقات تحالف مع موسكو. ورسمت الفائزة الملامح الأولى لخطواتها في مقعد الرئاسة عبر التأكيد على «استعادة الوحدة في المجتمع»، وترتيب أولويات السياسة المولدافية، في حين أعرب الكرملين عن أمل في أن تعمل القيادة الجديدة في الجمهورية السوفياتية السابقة على تعزيز «التعاون المثمر لصالح الشعبين». وأظهرت النتائج الأولية بعد الانتهاء من فرز الأصوات حصول ساندو على أكثر بقليل من 57 في المائة من الأصوات في مقابل 43 في المائة ذهبت لدودون. وكان المولدافيون توجهوا الأحد إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس لبلادهم، بعدما فشل المرشحان في الجولة الأولى التي جرت قبل أسبوعين في تجاوز حاجز نصف الـ«50 زائد واحد» من مجموع الأصوات. وبدا أن نتيجة الانتخابات حسمت خيارات الموالدلفيين، حيث قال خبراء إنهم «لم يصوتوا لصالح برامج المرشحين أو للاختيار بين ساندو ودودون، ولكن لصالح النهج الجيوسياسي الذي يروج له كل من المرشحين». بهذا المعنى فإن سكان مولدافيا التي اتخذت لنفسها اسم «جمهورية مولدوفا» بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وضعوا أمام خياري التوجه غرباً نحو التقارب مع أوروبا، وهو العنوان الأساسي لحملة ساندو، أو شرقاً نحو تعزيز العلاقات مع موسكو التي يشكل دودون الحليف الرئيسي لها في البلاد.
ورغم أن مولدافيا ليس لها تأثير كبير في الفضاء السوفياتي السابق، كونها جمهورية صغيرة نسبياً بعدد سكان لا يتجاوز 2.5 مليون نسمة نصفهم يعيش خارج البلاد، كما أنها تعد من أفقر الدول في المنطقة، لكن الصراع السياسي فيها بين المحورين شكل امتداداً لصراعات داخلية مماثلة في بلدان مثل أوكرانيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان وجورجيا، وكان لافتا أن الجاليات المولدافية المقيمة في البلدان الأوروبية وفي روسيا متساوية من جهة الحجم تقريبا. ولعبت أصوات هذه الجاليات ودرجة إقبالهم على مراكز الاقتراع عنصرا مهما في حسم الصراع، إذ شهدت مراكز الاقتراع في أوروبا إقبالا واسعا في حين كان الإقبال ضعيفا في المراكز التي فتحت أبوابها في روسيا. ووفقا لخبراء فإن هذه الانتخابات لها أهمية خاصة، لأنها يمكن أن توقف التأرجح الجيوسياسي، الذي راوحت البلاد فيه لمدة 30 عاما. كما أن هذا الاختيار من شأنه أن يعيد إلى الواجهة مشكلة إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي الذي توجد فيه قوات روسية، وكانت ساندو قالت خلال حملتها الانتخابية إنها «تتفهم خيار السلطات الأوكرانية في التعامل مع موضوع المناطق الانفصالية» ما شكل إشارة إلى عزمها العمل على استرداد السيطرة على الإقليم الذي تدعمه موسكو حاليا.
ويشكل ملف مكافحة الفساد، عنصرا مهما أيضا في ترتيبات المرحلة المقبلة، إذ رفعت ساندو شعار «مكافحة بلا هوادة للفساد» في مواجهة دودون الذي واجه اتهامات خطيرة بقضايا فساد، وقالت ساندو بعدما أدلت بصوتها في العاصمة كيشيناو، للناخبين: «اليوم لديكم القدرة على معاقبة الذين نهبوكم، والذين أوصلوكم إلى البؤس وأجبروكم على مغادرة منازلكم»، في إشارة واضحة إلى منافسها. من جهته، سعى دودون إلى حث الناخبين على «التصويت للسلام» و«العدالة الاجتماعيّة» و«القيم المسيحيّة». وأضاف «يجب أن نحافظ على علاقات جيّدة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا» وقدم دودون نفسه على أنه ضامن «للاستقرار». إلى ذلك سارع الكرملين أمس، إلى تهنئة الرئيسة الفائزة، وأرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، برقية تهنئة للرئيسة المنتخبة، أعرب فيها وفقا لبيان الكرملين عن «أمل في أن يسهم عمل ساندو على رأس دولتها في تطوير بناء العلاقات بين البلدين، بما يخدم بلا شك المصالح الجوهرية لشعبي روسيا ومولدافيا».



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.