المهرجانات الشعبية الليبية عودة للحياة في وداع وشيك للحرب

260 فارساً يتغنون شعراً بسرت... ومصراتة تحتفي بـ«المالوف»

TT

المهرجانات الشعبية الليبية عودة للحياة في وداع وشيك للحرب

أتاحت الأجواء الهادئة (نسبياً) في ليبيا العودة إلى عقد المهرجانات الشعبية في عموم البلاد إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب على العاصمة طرابلس، وسط فرحة المواطنين بالمناسبات التي تجمع أبناء الوطن من جميع الأنحاء للمنافسة بأشعارهم وفرقهم الموسيقية، وجيادهم العربية الأصيلة، آملين في وداع الحرب بشكل تام.
ولكل مناسبة في ليبيا احتفال، وزي يلائمه، ويغلب عليه عادة الاعتزاز بالتراث واستحضار الموروث الشعبي، وهو ما يلاحظ في مهرجانات الفروسية، أو الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، أو المهرجانات السياحية، كالذي يعقد سنوياً في مدينة درج (غرب ليبيا) في ديسمبر (كانون الأول) من كل عام. واحد من هذه المهرجانات الشعبية للفروسية احتضنته منطقة النبيلية في مدينة سرت، بمشاركة 260 فارساً شعبياً يمثلون نوادي أربع بلديات من جنوب ووسط وشرق ليبيا، وهي سبها وودان وبنغازي وسرت، وذلك تعبيراً عن «وحدة وأصالة الشّعب الليبي وتراثه العريق في إحياء الموروث الثقافي المتمثل في «الميز الشعبي» والشعر الشعبي، حسب القائمين على المهرجان.
ويعرف «الميز الشعبي» بأنّه إلقاء الفرسان المصطفون في (أعقاد) للشعر، الذي يأتي على هيئة هجاء أو تعبير عن الفرح أو الحزن كأن يقول أحدهم: «شعبي ليبي عن الصّبر أصبر على المقسوم صبرك طيب - الصّبر ما عمره رجاك إيخيـب - أصبر على الصاحب حتى بعد يغلـط عليـك إيخيب - لا تعاتبه لا تتركـه واتغيـب - الصاحـب الخيــرة راه ما يسيب هــذا زمان الـود فيـه صعيب - والقـدر ناقـص والرفيـق أعطيـب...».
وقال مسؤول إدارة الإعلام في البلدية محمد الأميل، إنّ هذا المهرجان، الذي شهد حضوراً متميزاً وكبيراً تحت شعار «سرت تجمعنا»، يعبر عن قدرة الليبيين على تجاوز المحن والمآسي التي تواجههم، كما أنّه يأتي تزامناً مع احتضان المدينة لاجتماعات لجنة (العشرة) العسكرية المشتركة، لافتاً إلى أنّ الظروف الراهنة التي تمر بالبلاد تستدعي تكاتف الجميع من أجل السلام والمصالحة.
وشهد المهرجان حشداً جماهيرياً من المواطنين بجانب حضور رسمي تمثل في رئيس المجلس التسييري لبلدية سرت سالم عامر سالم، ومدير إدارة الإعلام والعلاقات بالبلدية ورؤساء أندية الفروسية بالمناطق المشاركة وأعضاء الاتحاد الفرعي للفروسية سرت، بالإضافة إلى جمهور ومحبي وعشاق الفروسية والشعر الشعبي.
وأوضح أبو بكر حامد رئيس الاتحاد الفرعي للفروسية، أنّ المهرجان شهد مشاركات واسعة من أندية عدة في مناطق مختلفة، وبعروض أعقاد (الميز الشعبي) للفروسية، مشيراً إلى أنّ عشرات الفرسان الشّعبيين قدّموا من على صهوات جيادهم الأصيلة لوحات جميلة مطعمة بالأهازيج الشعبية وقصائد شعر تغنوا فيها بالوطن والسلام والمصالحة ولم الشمل، وعن مدينة سرت.
وبجانب مهرجان الفروسية، كانت هناك على بعد ما يقارب 250 كليومتراً مهرجان مصراتة لـ«المالوف والموشحات الدينية»، الذي حظي بمشاركة فرق من عديد المناطق بالبلاد.
وقالت هيئة الثقافة في غرب ليبيا، إنّ المهرجان الذي اختتمت دورته الثانية أمس، شارك فيه فرقة طرابلس التي استطاعت أن تجذب انتباه الجمهور من خلال مقطوعات برعت في أدائها، وتنوعت تحت عناوين مختلفة منها «يا تهامي في هيامي»، «وغرامي خير البرية» في مديح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأشارت الهيئة إلى أنّ فرقة مصراتة للفن التقليدي «قدّمت أنغاماً راقية وإيقاعات بهية في مدح النبي، وتفاعل معها الحضور بشكل رائع». كما شاركت فرقتي (السويحلي) للمالوف من مصراتة و(بحور المادحين) من مدينة سبها. و«المالوف» هو أحد أنواع موسيقى الطرب الأندلسي ويروج في بلاد المغرب العربي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».