مصير مطاعم بريطانيا في مهب الريح

الحجر العام الثاني قد يقضي على مستقبل قطاع الضيافة

الإغلاق يعود إلى بريطانيا
الإغلاق يعود إلى بريطانيا
TT

مصير مطاعم بريطانيا في مهب الريح

الإغلاق يعود إلى بريطانيا
الإغلاق يعود إلى بريطانيا

في الثالث والعشرين من مارس (آذار) من عام الشؤم 2020 بدأت بريطانيا الحجر العام الأول، فكان صارماً وطال جميع القطاعات الخاصة والعامة باستثناء القطاع الصحي والطبي، وأقفلت جميع المطاعم والفنادق أبوابها، حاول أصحابها جاهدين خلق فرصة للعمل في ظروف صعبة غير مسبوقة، فتحولت المطاعم إلى نظام التوصيل إلى المنازل، وساهمت الدولة في دفع رواتب أكبر عدد ممكن من الموظفين، ولكن لم يطبق هذا القرار على الجميع.
عانت المطاعم بشكل ضخم والحانات البريطانية كانت الخاسر الأكبر؛ لأن مساعدات الدولة استثنت المساهمة في دفع فواتير الكحول فكانت الخسائر فادحة من ناحية الأرباح والأشغال، فخسر عدد كبير من العاملين في قطاع الضيافة في لندن وخارجها أعمالهم، وهنا نتكلم عن الآلاف في قطاع يعتبر من بين أكثر القطاعات التي تضم تحت مظلتها عمالاً كان يقدر عددهم في عام 2005 بـ2.9 مليون عامل، ونسبة 18 في المائة منهم تعمل في لندن.
مع قدوم الخريف عاد فيروس كورونا ليخيّم على العالم من جديد؛ مما استدعى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لاتخاذ قرار صارم في الواحد والثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في تمام الساعة السادسة والنصف مساءً، أعلن فيه حال الطوارئ بسبب ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس؛ مما دفعه إلى إجبار المطاعم والمرافق السياحية والمحال التجارية لإغلاق أبوابها من جديد، لتغط بريطانيا في نوم غير هنيء بدءاً من الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
قرار جونسون دمر الطهاة وأصحاب المطاعم بالكامل، ليس فقط بسبب الخسارة التي ترافق الحجر التام الذي يستمر لغاية الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إنما بسبب الإعلان المفاجئ وعدم إتاحة الفرصة للطهاة والمطاعم للتخلص من المنتجات التي لاقى مصيرها سلات المهملات.
حالة المطاعم في لندن تحديداً متأزم جداً، ويتوقع العاملون في هذا القطاع خسارات إضافية فادحة لا يمكن لمطعم تحملها على الإطلاق، والدليل هو إقفال عدد كبير من المطاعم أبوابها إلى الأبد.
الشركة المالكة لسلسلة مطاعم «واغاماما» و«فرانكي آند بينيز» و«غارفانكلز» كانت من بين المتضررين، فوصلت خسائر الشركة إلى 235 مليون جنيه إسترليني، وتم صرف أربعة آلاف وخمسمائة من الموظفين الذين لم تعد الشركة قادرة على دفع رواتبهم. ومن سلسلات المطاعم الأخرى التي أقفلت معظم فروعها «غورميه برغر»، «واهاكا»، «كوت براسري» و«زيزي».
وحاولت الحكومة جاهدة لمساعدة قطاع المطاعم، فأطلقت عرضاً يمتد من الاثنين إلى الأربعاء من كل أسبوع تحت اسم “Eat out Help out “لتشجيع الناس على الخروج والأكل في المطاعم، ولكن سرعان ما جاءت الموجة الثانية من «كورونا» لتقضي على ما تبقى من أمل في هذا القطاع، وقانون إقفال المطاعم عند الساعة العاشرة مساءً حول حياة العاملين في هذا القطاع إلى وضع تعجيزي.
مستقبل الضيافة والمطاعم في لندن لا يطمئن، فيرى الاختصاصيون في هذا المجال أنه سيكون من الصعب جداً لآلاف المطاعم الصمود لغاية نهاية العام، ومن المنتظر أن يتغير مشهد المطاعم والطعام في لندن بعد إقفال عدد كبير من المطاعم؛ مما سيؤدي إلى انعدام المنافسة، مما سيجعل الزبائن يتوجهون إلى مطعم دون سواه، ليس لأنه جيد إنما لأنه هو الوحيد المتوفر، وهذا الأمر مؤسف أن نراها في مدينة مثل لندن تعتبر من أهم مدن الطعام والمطاعم العالمية على الإطلاق.
حالياً كل الرياح تجري بما لا تشتهيه لندن، بدءاً من جائحة كورونا، مروراً بالوضع الاقتصادي، وصولاً إلى ارتفاع نسبة البطالة بشكل غير مسبوق، ولكي تزيد مصائب لندن، قرر عمدتها فرض ضريبة الدخول إلى وسط المدينة كل يوم ولغاية الساعة العاشرة مساءً؛ مما جعل الذواقة يفكرون أكثر من مرة قبل التوجه إلى المطاعم الواقعة في قلب المنطقة التي يطالها القانون الذي يفرض مبلغ 15 جنيهاً على كل سيارة تدخل المنطقة. كل هذه الظروف لم تخدم في إنعاش القطاع ولو لفترة قصيرة امتدت ما بين الإقفالين الأول والثاني.
لندن في هذه الأيام التي تقودنا لموسم الأعياد الأهم في البلاد، لا تشبه نفسها، فهي خالية من السياح ومشلولة الحركة، محالها ومطاعمها مقفلة ولا حياة فيها.
وليست لندن هي الوحيدة التي تعبت من الوضع وذيول الجائحة الخبيثة، إنما الناس أيضاً تعبوا هم أيضاً من الوضع والحجر وعدم الخروج للترفيه والأكل في المطاعم والتوجه إلى دور السينما والمسرح، وكما ذكرنا فرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لم يمنح قطاع الضيافة وقتاً كافياً للتحضير للإقفال الثاني، ولكن بؤس الناس وحالتهم النفسية المذرية جعلتهم يخرجون من المنزل كل يوم قبل بدء الإقفال في الخامس من نوفمبر، وكنت من الذين أرادوا إلقاء آخر تحية على لندن ومطاعمها قبل أن تغط في ثبات عميق، فتوجهت إلى «كوفنت غاردن» منطقة المسارح والمطاعم، فكانت ليلة الرابع من نوفمبر أشبه بليلة رأس السنة بسبب كثرة الناس في الطرقات، لدرجة أن المطاعم التي لا تزال صامدة في وجه موجة الإفلاس حجزت بالكامل، ولكن لا يجب أن يغشكم مشهد المطعم المحجوز بالكامل لأنه خسر أكثر من 40 في المائة من موظفيه والطاهي فيه يحضر الطعام ويقوم بوظيفة النادل أيضاً، إنه مشهد مؤسف بالفعل ومحزن أيضاً، ولم يكن في الحسبان بأن يأتي اليوم يصبح الأكل في الخارج حلماً صعب المنال.
من المنتظر أن يرفع قانون الإقفال عن المطاعم في الثاني من ديسمبر، ولكن قد تمدد الفترة في حال لم تنخفض حالات «كورونا» في البلاد.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».