رحيل سعيد الكفراوي... الحكاء الناسك

صاحب «مجرى العيون» و«دوائر الحنين» ظل يبحث عن كتابة تشبهه

سعيد الكفراوي
سعيد الكفراوي
TT

رحيل سعيد الكفراوي... الحكاء الناسك

سعيد الكفراوي
سعيد الكفراوي

بعد رحلة خصبة من الإبداع ومحبة الحياة والكتابة وصراع مع أمراض الشيخوخة، فقدت الحياة الثقافية المصرية والعربية القاص سعيد الكفراوي الذي غيبه الموت صباح أمس ببيته بالقاهرة عن عمر يناهز 81 عاماً.
ينتمي سعيد الكفراوي إلى جيل الستينيات الأدبي في مصر، وكرس حياته لكتابة القصة القصيرة، واستطاع من خلال أعماله القصصية أن يصنع في فضائها المتنوع جدارته وتميزه وأسلوبه الخاص. ورغم ذلك ظلت الرواية حلماً يطارده من وقت لآخر، ونقطة حنين غائمة في مشواره الأدبي، حتى أنه تحدث في أكثر من لقاء وحوار معه، عن أسماء لروايات يحضر لكتابتها، لافتاً إلى أن كتابة الرواية تحتاج إلى جهد روحي، ومعايشة خاصة، لأزمنة وصراعات وحيوات شخوص، لهم طرائقهم المتقلبة في التعامل مع الحياة، وحسبما قال: «كان لدي العديد من مشاريع لروايات لم تكتب، ومنها (حافة الخليج)، وهي عن تجربة مدرس مصري مغترب يعمل في بلد عربي، وتركز في مجملها على القصاص وقسوة الواقع، ومن فترة طويلة كانت لديّ فكرة رواية أخرى، عن شخص اسمه بطرس الصياد، وهو مسيحي أنتج فليماً عن تجلي العذراء، ما أثار العديد من الإشكاليات مع من حوله... كلها مشاريع، لكن على أرض الواقع لا يوجد شيء، لأني حقيقة لم أستنفد غرضي مع القصة القصيرة، فعبرها أحاول أن أفهم أرواح الناس، من خلال كتابة تشبهني، تفرضها طبيعة الكتابة».
ولد سعيد الكفراوي في قرية كفر حجازي بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية (وسط دلتا مصر) في عام 1939. وقضى فترة صباه بها، وبدأ شغفه بالكتابة والأدب مبكراً. فمع بداية الستينيات كون نادياً أدبياً في قصر ثقافة المحلة الكبرى مع كوكبة من أصدقائه، منهم: الدكتور جابر عصفور، والكاتبان محمد المنسي قنديل، وجار النبي الحلو، والدكتور نصر حامد أبو زيد، والشاعران محمد صالح، وفريد أبو سعدة. لفت هذا التجمع الأدبي الأنظار إليه بقوة في تلك الفترة، حيث كشف عن أصوات تتمتع برؤى وأفكار بكر مهمة في حقل الإبداع والنقد الأدبي والبحث العلمي، استطاعت خلال سنوات أن يكون لها حضورها المرموق في الحياة الثقافية والعمل الثقافي العام.
ترك الكفراوي حصيلة إبداعية متنوعة وخصبة في مجال القصة القصيرة، بلغت نحو 14 مجموعة قصصية، من أبرزها: «مدينة الموت الجميل»، «سترة العورة»، «سدرة المنتهى»، «مجرى العيون»، «دوائر من حنين»، «بيت للعابرين»، «كشك الموسيقى»، و«البغدادية»، و«يا قلب مين يشتريك». وفي عام 2015 قامت الدر المصرية اللبنانية للنشر بالقاهرة بطباعة أعماله في مجلدين أنيقين، صمم الغلاف لهما والرسوم الداخلية وأشرف على الطباعة فنياً نجله الفنان الشاب عمرو الكفراوي.
تبرز في قصص سعيد الكفراوي مسحة من الزهد والنسك، وتتشكل بتنويعات ورؤى مختلفة فنياً وفكرياً، وانتقالات سردية مباغتة، لكنها تظل مسكونة بالسؤال كركيزة أساسية لمحاولة فهم الذات والعالم المحيط بها، ينعكس كل هذا على عجينة القص، حيث يتلاقح الغرائبي المشدود لبراح المجهول والمكبوت، بالواقعي المؤطر بدبيب البشر وأحلامهم البسيطة في التشبث بالأمل وإرادة الحياة، وهو ما يوفر مساحة لجدلية كاشفة، يتحول فيها الواقع إلى كابوس، والعكس أيضاً، وهي جدلية متجددة، تكاد تشكل حجر الرؤية ومحور الإيقاع في فضاء معظم أعماله، كما يتميز بناؤه الفني بالحفر في دوائر الوعي واللاوعي، الإمكان واللاإمكان، بتنوعها وتجذرها الإنساني اللافت، كاشفاً في الوقت نفسه، عن المناطق المعتمة في النفس البشرية والمتناثرة في مراوحات الحنين والرغبة والحب والشغف بالحياة، وهي مناطق حميمة، يتهددها الموت بأشكال عدة.
ويدين الكفراوي في مشروعه القصصي لعالم القرية بكل تجلياته وأزمنته، فهذا العالم المسكون بالخوف والقلق والفقر، وبداهة السؤال واليقين والمعرفة، ظل مفعماً بالطزاجة والعفوية والدهشة ورافداً أساسياً لصناعة الدهشة في معظم أعماله.
عن هذا الهم يقول الكفراوي، «أحاول في كتاباتي البحث عن نبرة تشبهني، وبقدر استطاعتي أضيق المساحة بين صوتي الكاتب والشخصية. فالقصة القصيرة، كما قال إدوارد الخراط، نبوءة نواجه من خلالها أهوال الحياة والموت. إنها فعلاً نبوءة أو حلم، حتى لو كانت مادتها الواقع الذي نحياه. لقد أثار أنطون تشيخوف انتباه العالم بقصصه عن الإنسان وأحواله، وكان مخلصاً إلى حد جعلنا لا نخجل من حياتنا أبداً».
ومن المواقف الفارقة في حياة سعيد الكفراوي، تعرضه للاعتقال لمدة 6 أشهر سنة 1970، قبيل أيام من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بسبب قصة كتبها بعنوان «المهرة» فُسرت بطريقة سياسية معينة، وبعد خروجه من المعتقل حكى ما حدث له لنجيب محفوظ، فأخبره أنه استوحى مما رواه له عما جرى له في المعقل شخصية إسماعيل الشيخ في روايته «الكرنك».
تمتع سعيد الكفراوي بحالة من المحبة والتقدير في الوسط الثقافي المصري، وكان يشارك في معظم الفعاليات الثقافية المهمة، لكن نشاطه قل في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد فقده زوجته ورفيقة عمره قبل نحو ثلاث سنوات.
حصل على جائزة السلطان قابوس للقصة القصيرة، وترجم عدد من أعماله إلى اللغات الأجنبية منها، الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية والسويدية والدنماركية. كما أنتجت مؤسسة السينما العراقية فيلماً عن قصته «الفلاح والرئيس»، بعنوان «مطاوع وبهية».
وفور إعلان خبر رحيله تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، لا سيما «فيسبوك» الأكثر انتشاراً بين المصريين، إلى ما يشبه سرادق عزاء، واتشحت حسابات القراء والأدباء والباحثين بالسواد في وداع الكاتب الكبير الذي يكن له الجميع من مختلف الأجيال محبة شديدة، نظراً لما تمتع به على المستوى الإنساني من نقاء وزهد وبعد عن المعارك المعتادة في الوسط الثقافي.
جاءت كلمات وتعليقات رفاق درب الكفراوي الأكثر إيلاماً وشجناً، فمن جانبه علق الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، مؤكداً أن الكفراوي في أيامه الأخيرة كان يطالبه بأن يدعو له بالرحيل سريعاً بعد وفاة زوجة الأول السيدة «أحلام»، ليلحق بها في حياة أخرى، فينخرط عبد المجيد في البكاء. ويختتم صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية» تعليقه قائلاً: «الآن لم يتبق لي سوى الفراغ والعدم».
ومن مجايلي الراحل الكبير، الروائي محمود الورداني الذي يكتب باقتضاب: «مع السلامة يا سعيد، لن أتأخر عليك كثيراً، انتظرني!». بينما أعرب الباحث والمؤرخ الفني محمود قاسم، عن حزنه الشديد لأنه كان يريد أن يموت قبله كي يدفنه الكفراوي الذي وصفه بـ«الشهم» و«النبيل».
وبكلمات تلقائية حائرة لم تفق بعد من الصدمة، كتب الناشر محمد هاشم صاحب دار «ميريت» قائلاً: «ما أسوأ هذا الخبر المؤلم، وما أعظم الفجيعة، لن ننسي حنوك الغامر ومحبتك الطاغية للناس والكتابة، من لقلب وسط البلد الآن يا عم سعيد؟ وداعاً أيها الكبير كاتباً وإنساناً. كل كلمات العزاء لا تعبر عن الحزن قلبي معك يا صديقي عمري وقلبي. مع كل أحبابك والعارفين بأفضالك ومقامك».
وكتب الشاعر الإعلامي المغربي ياسين عدنان، يقول: «سعيد الكفراوي يغادرنا اليوم. رجل من أكرم الناس وأعذبهم وأخدمهم للناس. حين زرت القاهرة أول مرة قبل عشرين سنة وطبعتُ فيها مجموعتي القصصية الأولى عند دار ميريت، كان هو والصديق الشاعر شعبان يوسف من تكفلا بتقديمي للقراء والأصدقاء في معرض القاهرة للكتاب، وحينما عدتُ إلى القاهرة قبل سنتين للشروع في مغامرة إعلامية جديدة عنوانها برنامج تلفزيوني هو (بيت ياسين)، لجأت إليه ليكون ضيفي الأول. بفضل سحر هذا الرجل الفياض: بالقصص، المشاعر... العربية تفقد اليوم ناسكها».



«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
TT

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

تضع المخرجة جنى بو مطر خسارات اللبنانيين تحت المجهر من خلال مسرحية «ما بين بين». وتستعين بالخشبة لتقديمها في قالب مسرحي يستند إلى نصّ يترك كثيراً من علامات الاستفهام.

تستوحي بو مطر حكاية عملها من «أنتيغون» لسوفوكليس، تلك التي تمرَّدت على قرار الحاكم حين حُرمت من دفن شقيقها المقتول. وإنما بطلة «ما بين بين» لا تملك حتى الجثة لتواريها في الثرى. فخساراتها غير ملموسة، عصيّة على القياس والتقدير. وبين زمن الحداد وموعد الجنازة، تقف عاجزة عن لملمة هذه الخسارات أو دفنها، كأنها تبحث عن شكل لجنازة لا تعرف لها جسداً.

يلعب بطولة مسرحية «ما بين بين» طارق يعقوب وريم مروّة (مسرح زقاق)

يلعب بطولة المسرحية طارق يعقوب وريم مروّة، وهي من تأليف جنى بو مطر وإخراجها. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «تحمل تساؤلات كثيرة. وتتمحور فكرتها الأساسية حول نصّ يتناول الحداد الطويل الذي نختبره إثر تعرّضنا للخسارة. حدادٌ يبقى معلّقاً بين الفكر والجسد، فلا نعرف كيف نعبّر عن حزننا، ولا كيف نصغي إلى أجسادنا المُتعبة ونحاكي آلامها». وتتابع: «طبيعة خساراتنا بلا مادة محسوسة. فكما هي الحال مع الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ والحرب في الجنوب، لم نستطع حتى اليوم تفسير ما أصابنا. ومن هنا يبرز السؤال الكبير: كيف يمكننا التخلُّص من أثر هذه الخسارات علينا، والتخفيف من ثقلها الذي لا يُرى ولكنه ينهكنا؟».

وبعبارة مُختصرة، تشير جنى بو مطر إلى فحوى مسرحيتها: «الحب لا يقوم على أن ننظر إلى بعضنا ونهتمّ ببعضنا فحسب، بل أن ننظر معاً في الاتجاه نفسه»، مضيفةً: «هذا الشعور بالخسارة يولّد فجوة كبيرة في أعماقنا. ونحاول في المسرحية اكتشافها ووضع إصبعنا عليها».

تضع «ما بين بين» خسارات اللبنانيين تحت المجهر (مسرح زقاق)

تحكي المسرحية قصة ممثلَيْن، رجل وامرأة، كانا يستعدّان لافتتاح عرضهما المسرحي «أنتيغون». لكنّ حريقاً مفاجئاً يندلع ويقضي على خشبة آخر المسارح المتبقّية في المدينة. يجدان نفسيهما أمام عرض لم يولد. يقفان إزاءه يداً بيد مثل متفرّجَيْن على خسارتهما. ويشاركهما الجمهور هذا المشهد الحزين، قبل الحريق وبعده.

وبين النصّ والإحساس والذنب واللوم، وبين الحياة والموت، تتفكّك أحداث العمل. يقف بطلا المسرحية في مدينة ما بعد الحرب، وفي حاضر يعجزان عن عيشه أو حتى الحداد عليه. وتعلّق جنى بو مطر: «نعيش قدراً هائلاً من اللامساواة واللاعدالة، فنشعر بالظلم والتشرذم. نقف حائرين أمام فظاعة هذه المشهدية. وينعكس ذلك في علاقة الحبيبَيْن في المسرحية، التي تبدو شبه مستحيلة. فجوهر الحبّ يقوم على التطلّع نحو الغد، فيما هما ينظران إلى مستقبل يتداعى أمامهما. فماذا يعني أن يحترق المسرح في اللحظة نفسها التي كان يفترض فيها أن يولد العرض؟».

وتستحضر أيضاً أزمة المسارح في لبنان: «المسارح قليلة، وغير متاحة بالعدد الذي يسمح باستمرارية هذا الإنتاج. وهو ما يدفعنا، رغماً عنّا، إلى تغيير مساراتنا. فنجد أنفسنا معلّقين بين أحلامنا وواقعنا. نستعدّ ونتحضّر، لكن عند لحظة التنفيذ تختلط الأمور وتتلاشى في الهواء».

وعن سبب اختيارها طارق يعقوب وريم مروّة لبطولة العمل، توضح: «الاثنان ممثلان محترفان، يتفاعلان بسرعة مع حيثيات النص ومفهومه. وهو ما يقدّره كلّ مخرج وكاتب في علاقته مع الممثل. يتعاملان مع المشروع بجدّية كاملة، ويتبنّيانه كأنه عملهما الخاص. ويعملان على ابتكار لغة إبداعية خاصة، عبر أدائهما المتقن والممتع».

وتشير جنى بو مطر إلى أنّ العرض يتطلّب مجهوداً أدائياً من ناحية التمثيل والصوت، وبطلا العمل يمتلكان هذه القدرات، مما أسهم في تغليف المسرحية بالعناصر الفنية الحقيقية.

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

يبدأ عرض المسرحية في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي على خشبة مسرح «زقاق» في بيروت، ويستمرّ حتى 21 منه. تستغرق نحو 55 دقيقة، تتخلّلها سينوغرافيا من توقيع زهير بو مطر تنسجم تماماً مع موضوع العمل. وتقول المخرجة: «نقدّمها بأسلوب جديد، بحيث تلعب السينوغرافيا دوراً أساسياً فيها. ونرى كيف يتغيّر الزمن مباشرة على الخشبة، من دون الإشارة الواضحة إلى ما قبل حريق المسرح وما بعده. فهذه التحوّلات الزمنية غالباً ما تُنفّذ في الأفلام عبر تقنية (الفلاش باك). أمّا على المسرح، فلها أسلوب إخراجي جديد ومختلف».

وتعدّ جنى بو مطر استحداث هذا الابتكار على الخشبة تحدّياً جديداً تخوضه للمرة الأولى. وتُعلّق: «كان بإمكاننا تقديم العمل في إطار كلاسيكي واضح، نشير فيه إلى أحداثه كما هي. لكنني وجدت في اعتماد هذه الطريقة أسلوباً يخلق التفاعل مع الجمهور، إذ يجري التغيير في المكان والزمان معاً».


كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

TT

كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز)
يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز)

«الطلاق الرمادي» أو «الانفصال الفضّي». تعدّدت التسميات والواقع واحد. مزيدٌ من الأزواج الذين غزا الشَيبُ رؤوسَهم، يتّجهون إلى الطلاق بعد سنواتٍ وعقودٍ من الزواج، في ظاهرةٍ يردّها الخبراء إلى عوامل اجتماعية، واقتصادية ونفسية.

في الـ56 من عمره، انفصل أنتوني ألبانيز عن زوجته بعد ارتباط استمر 20 عاماً. وقبل أيام، عاد ليخوض تجربة الزواج مرة ثانية في الـ62 وبشَعرٍ أبيض. أثار هذا الخبر فضول الملايين حول العالم، لا سيما أن ألبانيز هو رئيس حكومة أستراليا وزوجته الجديدة هي الناشطة السياسية جودي هايدون (47 سنة). وقد حضر الزفاف ابنه البالغ 19 عاماً.

رئيس وزراء أستراليا تزوج للمرة الثانية في سن الـ62 (إ.ب.أ)

طلاق في الـ65

وفق دراسة نشرتها «مجلّة علم الشيخوخة» الأميركية، فإنّ نسبة الطلاق الرمادي قد تضاعفت خلال العقود الـ3 الماضية حول العالم، مع ازديادٍ واضح بين الأزواج الذين تجاوزوا الـ65 من العمر. وفيما كانت تلك الظاهرة غير شائعة خلال سبعينيات القرن الماضي، هي شهدت تصاعداً بنسبة 8.7 في المائة خلال التسعينيات لتبلغ نسبة الانفصال الفضّي 36 في المائة مع حلول عام 2019.

في المقابل، ازداد الزواج المتأخر رواجاً، فما عاد خارجاً عن المألوف أن يخوض الناس التجربة في سن الـ50، والـ60، وحتى الـ70.

يشهد الزواج المتأخر رواجاً لدى من تخطّوا الـ50 والـ60 من العمر (بكسلز)

ما هو الطلاق الرمادي؟

يحصل الطلاق الرمادي عندما يقرر كل شخص متزوّج تخطّى الـ50 من العمر أن ينفصل عن شريكه بعد زيجاتٍ استمرت سنواتٍ وعقوداً. وترمز التسمية إلى المَشيب، أو الشَعر الرمادي والأبيض الذي يبدأ بالظهور في هذه السنّ.

يشير «مركز بيو للدراسات» إلى أنّ أكثر من ثلث حالات الطلاق حالياً هي من الفئة العمرية التي تجاوزت الـ50، ويضيف البحث أنّ النساء اللواتي يبادرن إلى خطوة كهذه في ازديادٍ ملحوظ. ووفق الإحصائيات، فإنّ 34 في المائة ممّن يختارون الطلاق الرمادي كانوا في زيجات استمرت أكثر من 30 سنة.

في الـ58 من العمر أعلنت الممثلة نيكول كيدمان انفصالها عن زوجها المغنّي كيث أوربان بعد 19 سنة من الزواج (رويترز)

أسباب تزايد الطلاق الرمادي

* ارتفاع متوسط السنّ

مع ارتفاع متوسط العمر لدى البشر عبر السنوات من 70 إلى 80 عاماً، ما عاد الأفراد يتشبّثون بفكرة البقاء في زواجٍ معقّد وتعيس، خصوصاً إذا كانت إمكانية الانفصال متاحة لهم. مَن أمضوا 20 أو 30 عاماً أو أكثر في علاقةٍ غير مُرضية، يتطلّعون إلى قضاء ما تبقَى لهم من عُمر في إطارٍ مريح. والإناث معنيّات بذلك على وجه الخصوص، فبعد سنوات من رعاية الأسرة يشعرن بالرغبة في التركيز على اهتماماتهنّ ومبادئهنّ وهويّتهنّ.

ومع إعادة تقييم الأهداف والأولويات الشخصية، يتخذ البعض، إناثاً وذكوراً، قرار الاستقلال عن الشريك أو العثور على شريكٍ آخر يتلاقى وتلك الأهداف والأولويات.

ارتفاع متوسط العمر أحد عوامل تزايد الطلاق الرمادي (بكسلز)

* سقوط وصمة العار عن الطلاق

تحوّلَ الطلاق مع مرور العقود إلى واقعٍ عابر للمجتمعات كافةً. سقطت وصمة العار التي كانت مرتبطة به في الماضي. صار اتخاذ هذه الخطوة أسهل، حتى على المتقدّمين في السن. ومع سقوط وصمة العار عن الطلاق وخروجه من دائرة المحرّمات، سقطت مقولة «حتى يفرّقنا الموت» الشهيرة أو «Til death do us part».

* الحرية الماليّة

في خمسينهنّ، تجد الإناث المعاصرات أنفسهنّ محصّناتٍ بإنجازاتهنّ المهنية وبمدخراتهنّ المادية. هذه الاستقلالية المالية التي حققتها المرأة خلال العقود الثلاث الأخيرة، جعلتها أقلّ اتّكالاً على الشريك. وقد سهّل ذلك عليها اتخاذ قرار الانفصال في مراحل متقدّمة من حياتها.

ومع اقتراب سنّ التقاعد وتضاؤل المداخيل، قد تتزايد الخلافات ذات الطابع المادي بين الشريكين، فيصبح الحفاظ على السلام في البيت الواحد صعباً.

ساهم تحرّر المرأة المادي في تزايد حالات الطلاق المتأخر (بكسلز)

* التحوّلات المجتمعية

تَربَّت الأجيال السابقة على مبدأ موحّد، وهو أن الزواج وإنجاب الأولاد والتقدّم في السن جنباً إلى جنب هو المسار الذي لا يمكن الحياد عنه. أما اليوم، فقد أيقنَ معظم الناس أن ليس ثمة خلطة موحّدة لحياة سعيدة. تلك التحوّلات المجتمعية التي وضعت حرية الفَرد واستقراره النفسي والعاطفي في الصدارة، جعلت من الأسهل الخروج من علاقة لا تتلاقى واحتياجات المرء وتطلّعاته، حتى وإن كان ذلك يعني مغادرة المنزل الزوجيّ بعد عقودٍ من المكوث فيه.

* متلازمة العشّ الفارغ

عندما يكبر الأولاد ويغادرون بيت العائلة ليستقروا في أماكن أخرى، يحصل ما يُسمّى بمتلازمة «العشّ الفارغ». ولهذا التحوّل أثرٌ لا يستهان به على العلاقة الزوجية. إذ يكتشف عدد كبير من الأزواج أن ليس ثمة ما يجمعهم خارج إطار اهتماماتهم المتعلقة بالأولاد، وأدوارهم كآباء وأمهات. يجدون فجأةً أنهم يفتقدون إلى القرب والتواصل.

الأمهات هنّ الأكثر تأثّراً بتلك المتلازمة، فمن المعروف أنّ زوجات كثيرات لا يُقدِمن على الانفصال، حتى وإن كنّ تعيسات في الزواج، وذلك انطلاقاً من الشعور بالذنب تجاه الأولاد. ومنهنّ من يكنّ منشغلات جداً باهتمامات الأسرة والتربية والعمل، فلا يبقى لديهنّ الوقت ولا الطاقة للتفكير باحتياجاتهنّ. أما عندما يغادر الأولاد العشّ، فيبدأن بالتفكير بمستقبلهنّ حتى وإن جاء ذلك متأخراً.

الأمهات هنّ الأكثر تأثراً بمتلازمة العشّ الفارغ وهي إحدى أسباب الطلاق الرمادي (بكسلز)

* التَباعُد

غالباً ما يختصر المشاهير السبب في طلاقهم بعبارة «Growing Apart» أي التَباعُد الذي يحصل بين الشريكَين مع عبور الزمن. وليس المقصود هنا التباعد الجسدي، بل الفجوات الفكرية والعاطفية التي قد تتّسع بين الزوجَين مع تقدّمهما في السن والخبرة. ويشكّل هذا التباعد أحد الأسباب الرئيسية للطلاق الرمادي، خصوصاً عندما يحلّ موعد التقاعد ويصبح البقاء لوقتٍ طويل تحت سقفٍ واحد أمراً لا مفرّ منه؛ وهذا يظهّر الاختلافات ويوسّع المسافات بين الشريكَين.

* الخيانة

صحيح أن الخيانة الزوجية غير مرتبطة بسنّ معيّنة، غير أنها في تزايدٍ مؤخراً في صفوف مَن تخطّوا الـ50 من العمر. وهذا سبب إضافيّ لحصول الطلاق الرمادي.

«ترند» الزواج الرمادي

على ضفاف الطلاق الرمادي، تنبت ظاهرة مناقضة هي «الزواج الرمادي». فكثيرون ممّن اختاروا انفصالاً متأخراً، عادوا وقرروا أن يتزوجوا من جديد، إنما في سن الـ50، والـ60، وحتى الـ70. وغالباً ما تنجح تلك الزيجات لأن الشريكَين يكونان قد وصلا إلى مرحلة متقدمة من النضج والإدراك، كما أن هذه الزيجات لا تحصل بسبب ضغوطات المجتمع والعائلة.

الزواج الرمادي ظاهرة تنبت على ضفاف الطلاق الرمادي (بكسلز)

كما الطلاق الرمادي، فإنّ الزواج الرمادي في ازدياد مطّرد. أما أبرز الأسباب التي تدفع بالناس إلى الارتباط في سن متأخرة، فهي: الاستقلال المادّي لدى النساء، والتركيز على الحياة المهنية، وإعطاء الأولوية للنموّ الذاتي، والسعي وراء الزواج بدافع الحب.


متحف البحر الأحمر في جدة... جسر من الماضي إلى المستقبل

هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
TT

متحف البحر الأحمر في جدة... جسر من الماضي إلى المستقبل

هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)

يضم المتحف أكثر من ألف قطعة موزعة على 23 قاعة تشمل صوراً أرشيفية، وخرائط، وقطعاً أثرية، وأعمالاً فنية معاصرة مستوحاة من الشعب المرجانية والبحر.

وقفت «الشرق الأوسط»، خلال جولة لها في المتحف، على المعروضات التي تتنوع بين مقتنيات تاريخية مثل مؤشرات القبلة، وصور الحرمين الشريفين، وقطع من حطام سفينة قديمة، إضافة إلى موسيقى وأغاني الصيادين التي تغمر الزائر في تجربة حسية متكاملة.

ويقول المستشار المعماري الفرنسي فرنسوا شاتيلون إن المبنى ليس أثراً قديماً بل هو «متحف جديد يتحدث عن طرق للتفكير بالمستقبل». ويضيف: «البعض يعتقد أن التراث هو الماضي، ولكنه في الحقيقة هو المستقبل... كل هذه القطع الحديثة وصلت إلى هنا عبر الحوار مع الماضي، فهي ترمز لاستمرارية الثقافة».