ارتفاع الدولار ستكون له آثار على الاقتصاد العالمي في 2015

تأثيره قد يمتد إلى السنوات المقبلة

ارتفاع الدولار ستكون له آثار على الاقتصاد العالمي في 2015
TT

ارتفاع الدولار ستكون له آثار على الاقتصاد العالمي في 2015

ارتفاع الدولار ستكون له آثار على الاقتصاد العالمي في 2015

حان الوقت المناسب لكي تحجز تذكرة لقضاء العطلة التي كنت تحلم بها في مدينة باريس، هذه إحدى النتائج العملية التي يمكن الاستفادة منها جراء مجموعة بارزة من التحولات في أسعار العملات العالمية التي بدأت في النصف الثاني من العام الماضي، واستمرت خلال أولى أيام التداول من عام 2015. فالارتفاع المحموم في سعر الدولار مقابل اليورو وأغلب العملات الأخرى قد تكون له آثار واسعة النطاق بالنسبة للاقتصاد العالمي هذا العام والأعوام التي تليه.
جرى تداول اليورو دون مستوى 1.19 دولار في بعض الأوقات، وهو أدنى مستوى له منذ 9 سنوات (كان سعره 1.39 دولار في مايو/ أيار). وارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس قيمته مقابل سلة مكونة من 6 عملات رئيسة أخرى، بنسبة ما يقرب 15 في المائة منذ 30 يونيو (حزيران). تعتبر هذه التقلبات كبيرة بما يكفي لإعادة تشكيل وشائج التفاعل الاقتصادي بين أقوى الدول اقتصاديا، وستؤثر تقريبا على أي شركة أو فرد يقوم بأعمال تجارية عبر الحدود الوطنية.
وتعتبر الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع واضحة بما يكفي، فأداء الاقتصاد الأميركي أفضل كثيرا من أداء أغلب الدول المتقدمة الأخرى، محققا نموا في إجمالي الناتج المحلي وصلت نسبته إلى 5 في المائة في الربع الثالث. وتنوي هيئة الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة هذا العام، بينما تتحرك المصارف المركزية بأوروبا واليابان نحو توفير قروض بأسعار فائدة مخفضة.
لكن التداعيات تتنوع قليلا، يرتبط بعضها بشكل مباشر بأساسيات علم الاقتصاد، وبعضها الآخر فريد من نوعه بالنسبة للظروف الحالية.
هل سيتسبب ذلك في مشكلات للمصدرين الأميركيين؟ بالنسبة للشركات الأميركية التي تقع في دائرة التنافس العالمي وتحصل على جزء كبير من دخلها من الخارج، أصبحت الأمور أكثر صعوبة خلال الأشهر القليلة الماضية.
إذا كانت شركة «بوينغ» الأميركية تتنافس مع «إيرباص» الأوروبية على بيع الطائرات النفاثة في جميع أنحاء العالم، أو إذا كانت شركة صناعة نبيذ من كاليفورنيا تحاول إقناع مشترين عالميين بأن منتجها أفضل من نظيره الفرنسي والإيطالي، فإن قدرات هذه الشركات التنافسية تراجعت؛ فالشركات التي تدفع رواتب للعمال وتشتري مواد خاما بعملات انخفضت قيمتها الآن، مثل اليورو والين، تتمتع حاليا وعلى نحو فاعل بتوفير في التكاليف والنفقات حتى دون الحاجة لخفض الأجور أو إعادة التفاوض مع الجهات الموردة.
مع ذلك، ولأن ارتفاع قيمة العملة يعكس تحسنا في الاقتصاد المحلي، فإن الشركات الأميركية لا تبدي شعورا بالفزع. ولم تظهر شكاوى - حتى الآن على الأقل - من مصالح تجارية تشكو من شن دول أخرى حروب عملات.
من جانبه، قال تشاد موتراي، كبير الاقتصاديين في الرابطة الوطنية لشركات التصنيع الأميركية: «إن الدولار يزداد قوة ولأسباب وجيهة، فنحن إحدى النقاط الأكثر إشراقا في العالم. ورغم أن ذلك سيخلق تحديا من حيث نمو الصادرات، فإننا نزيد قوة على الأقل، وذلك لأن الاقتصاد الأميركي يتحسن».
مع ذلك، إذا استمر ارتفاع قيمة العملة لأبعد من ذلك بكثير، فلن يكون من المفاجئ شروع شركات التصدير الأميركية في الضغط على الحكومة كي تمارس ضغوطا دبلوماسية لتغيير مسار التطورات نحو الاتجاه المعاكس.
يتمثل أحد أسباب انتعاش التوسع الاقتصادي الأميركي في أن تراجع أسعار النفط (وانخفاض أسعار البنزين الناتج عن ذلك) أدى إلى توفير مزيد من الأموال في جيوب الأميركيين.
إلا أن أسعار النفط يجري حسابها دائما بالدولار، وبالتالي فإن ارتفاع قيمة الدولار يؤدي إلى المبالغة، إلى حد ما، في مدى انخفاض أسعار النفط بالنسبة لأغلب الكيانات في جميع أنحاء العالم.
في أوروبا، خصوصا، انخفض سعر مؤشر خام برنت بنسبة 53 في المائة عند حسابه بالدولار منذ 30 يونيو، لكن هذا الانخفاض يبلغ 46 في المائة فقط عند حسابه باليورو. وسيكون انخفاض أسعار النفط أمرا جيدا بالنسبة للمستهلكين في كل مكان، ولكن قوة الدولار تعني أن التحول سيكون أشد حدة بالنسبة للأميركيين.
وتتمثل إحدى الحقائق القاسية في السنوات القليلة الماضية في أن التضخم استمر أسفل مستوى 2 في المائة الذي تستهدفه هيئة الاحتياطي الفيدرالي والمصارف المركزية الرئيسة الأخرى.
وقد انخفض التضخم بشكل طفيف في الحالة الأميركية (حيث كان الانخفاض عند معدل 1.2 في المائة عند آخر قراءة له) وانخفض كثيرا في أوروبا (0.1 في المائة في ألمانيا، بحسب وكالة الإحصاءات الحكومية، الاثنين). وسيؤدي ارتفاع الدولار وانخفاض العملات الأخرى إلى انخفاض التضخم الأميركي وارتفاع التضخم الأوروبي والياباني.
يشير ارتفاع قيمة الدولار إلى أن البضائع المستوردة ستكون أرخص بالنسبة للأميركيين، بينما ستكون الواردات أكثر تكلفة بالنسبة للمستوردين في الخارج. ورغم أن المصارف المركزية الكبرى لا تجعل قيم العملات في بؤرة تركيز سياساتها على نحو واضح، فمن المفترض أنها تفسر أي تأثير لتقلبات العملات على معدل التضخم.
بهذا المعنى، بالنسبة للمصرفين المركزيين الأوروبي والياباني، قد يكون انخفاض أسعار العملات له تأثير جيد في المساعدة على ارتفاع الأسعار أسرع قليلا، على الأقل بشكل مؤقت، ولكنه يعني بالنسبة لهيئة الاحتياطي الفيدرالي انخفاضا في معدل التضخم ومزيدا من الصلاحيات في حالة اختيار قادة الهيئة الانتظار لفترة أطول قبل رفع معدلات الفائدة.
أما الأميركيون الذين يفكرون في السفر للخارج فهم المستفيدون من حالات التذبذب في أسعار العملة، ولكن شركات السياحة التي تلبي احتياجات الأجانب في الولايات المتحدة ستعاني من خسائر.
وهذا يتعلق بالنقطة المذكورة أعلاه بشأن تسبب قوة الدولار في تحديات للجهات المصدرة، بمعنى أن السائح الياباني الذي يزور ولاية كاليفورنيا وينفق 5 آلاف دولار له التأثير نفسه من حيث التجارة وميزان المدفوعات، مثل مصنع نبيذ في كاليفورنيا يشحن نبيذا بقيمة 5 آلاف إلى طوكيو.
ولكن بينما يخطط الناس للسفر خلال الصيف، يمكن لحقيقة أن الوجهات الأوروبية، مثلا، صارت أرخص بنسبة 12.5 في المائة عما كانت عليه منذ 6 أشهر من حيث قيمة الدولار أن تجعل الأماكن في الخارج أكثر جاذبية بالنسبة للأميركيين، وأن يكون السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية أقل جاذبية بالنسبة للزوار الأجانب المحتملين.
لن يكون التأثير هائلا، هكذا يشير ديفيد هوثر، نائب رئيس الأبحاث في رابطة السفر الأميركية. ويذكر تحليل هذه الرابطة أن ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 10 في المائة يعني انخفاضا بنسبة 0.2 في المائة فقط في عدد الزائرين من الخارج.
وأضاف هوثر أن «قيمة الدولار سيكون لها بعض التأثير، ولكني أعتقد أن قطاع السفر سيكون أقل تأثرا من السلع والخدمات الأخرى». وأشار إلى أن العروض المتميزة في الولايات المتحدة جذابة بما يكفي لجعل المسافرين يدفعون المزيد بغرض زيارتها.
ومع حظر تغيير العملات، يتشكل عام 2015 ليكون عاما لاختبار مدى ارتفاع الكلفة التي سيكونون على استعداد لدفعها.
* خدمة «نيويورك تايمز»



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.