العراق يوشك على إغلاق ملف النازحين بعودتهم إلى ديارهم

من 5 ملايين قبل 5 سنوات إلى نحو 250 ألفاً حالياً في المعسكرات

نازحون عراقيون على ظهر شاحنة أثناء إجلائهم من مخيم حمام العليل جنوب الموصل (رويترز)
نازحون عراقيون على ظهر شاحنة أثناء إجلائهم من مخيم حمام العليل جنوب الموصل (رويترز)
TT

العراق يوشك على إغلاق ملف النازحين بعودتهم إلى ديارهم

نازحون عراقيون على ظهر شاحنة أثناء إجلائهم من مخيم حمام العليل جنوب الموصل (رويترز)
نازحون عراقيون على ظهر شاحنة أثناء إجلائهم من مخيم حمام العليل جنوب الموصل (رويترز)

يوشك العراق على إسدال الستار على ملف النازحين بعد سنوات طويلة من اضطرار ملايين العراقيين إلى مغادرة مناطقهم لمخيمات خاصة للنزوح، هرباً من أعمال العنف، والحرب ضد تنظيم «داعش».
وكان لسكان محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين التي سيطر «داعش» على أجزاء واسعة منها بعد يونيو (حزيران) عام 2014 النصيب الأكبر في ملف النازحين.
وفيما كانت الأرقام الرسمية تشير قبل سنوات إلى وجود نحو 5 ملايين نازح يعيشون خارج مناطقهم ويتوزعون على محافظات البلاد المختلفة ومنها محافظات إقليم كردستان الشمالي. يرجح وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري بقاء نحو 50 ألف عائلة في مخيمات النزوح حتى الآن.
ويقول النوري لـ«الشرق الأوسط» إن «ملف عودة النازحين شهد تطوراً كبيراً، وتوقعاتنا أن يتم الانتهاء منه مطلع العام المقبل. لدينا حتى الآن نحو 50 ألف عائلة نازحة معظمهم في إقليم كردستان، وإذا ما اعتبرنا أن معدل أفراد العائلة الواحدة نحو 5 أفراد، فلدينا نحو 250 ألف نازح».
ويضيف: «يجب أن يكون واضحاً بالنسبة للجميع أن استراتيجية الدولة في إنهاء ملف النازحين لا تعتمد على إرغامهم على مغادرة مخيمات النزوح، كما يروج البعض، إنما نعتمد على فكرة العودة الطوعية بعد توفير البيئة المناسبة لعودتهم».
ويتابع النوري أن «قضية النازحين لا يمكن أن تبقى معلَّقة، ونحن نحاول هذا العام أن نحسم ملف أغلب المخيمات، والوزارة أعدت خطة طوارئ لغلق المخيمات كافة في العراق». وأشار إلى «وجود بعض المشكلات تتعلق بعودة النازحين، منها خدمية أو تهدم منازل المواطنين، وبعضهم لديه مشاكل عشائرية في مناطق سكنهم الأصلية». ويؤكد النوري أن «الوزارة أغلقت مؤخراً عشرة مخيمات، وأعلنت محافظتي بغداد وكربلاء خاليتين من المخيمات وستلتحق بهما قريباً صلاح الدين وكركوك».
وأعلنت وزيرة الهجرة، أمس، إغلاق مخيمي المدينة السياحية في محافظة الأنبار والوند الثاني في خانقين بعد إعادة جميع قاطنيهما. وقالت الوزارة في بيان، أمس، أن «مخيم المدينة السياحية بالأنبار الذي يعد من أكبر المخيمات في المحافظة وفيه نحو 2750 نازحاً، ونحو 3584 ألف نازح في مخيم الوند الثاني في قضاء خانقين بمحافظة ديالى». وتؤكد الوزارة أن «خطة الطوارئ التي تنتهجها تقضي بغلق جميع مخيمات النزوح مطلع العام المقبل».
ونقل البيان عن وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق، قولها إن «ملف النزوح من الملفات المعقدة والشائكة، نظراً لكونه يواجه كثيراً من التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والإنسانية ويتطلب جهوداً استثنائية من جميع الجهات المعنية على المستويين الوطني والدولي لتحقيق أهداف الخطة». وفي إطار المساعدات التي تقدمها وزارة الهجرة والمهجرين للنازحين العائدين إلى ديارهم، أعلنت، أمس، عن إطلاق الوجبة التاسعة من منحة المليون ونصف المليون دينار للأسر العائدة إلى مناطق سكناها. وذكرت الوزارة أن «الوجبة شملت 2600 عائلة عائدة من النزوح الطارئ إلى مناطقها».
كانت وزارة الهجرة والمهجرين، أعدت خلال الأسابيع الماضية «خطة وطنية لعودة النازحين» بدعم من وزارة التخطيط، ومساعدة منظمة الهجرة الدولية والبرنامج الإنمائي التابعة للأمم المتحدة لمعالجة ملف النازحين، وتوفير الظروف المناسبة لعودتهم الطوعية إلى مناطقهم. وأعلنت الأمم المتحدة، أول من أمس، تمديد برنامج إعادة الاستقرار للمناطق المحررة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم أكبر عدد من العائدين ولمدة ثلاث سنوات. وقالت في بيان: «سيستمر دعم العوائل النازحة في العراق من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات الحيوية التي تضررت أثناء الصراع ضد تنظيم (داعش)، إضافة إلى خلق سبل العيش وتنمية القدرات المحلية وتعزيز التماسك المجتمعي».
وأضافت أن «التمديد الذي أقرته الحكومة العراقية والشركاء الدوليون في اللجنة التوجيهية لبرنامج إعادة الاستقرار للمناطق المحررة يتطلب مبلغ 660 مليون دولار إضافي لرفد هذا البرنامج لتغطية الاحتياجات المتبقية وذات الأولوية للمناطق المحررة من (داعش)، وهي الأنبار وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين».
بدوره، أعلن قائممقام الموصل زهير الأعرجي، أمس، عودة 200 أسرة مسيحية نازحة إلى مناطقها الأصلية في سهل نينوى، ومدينة الموصل بعد مدة نزوح تجاوزت الأربع سنوات. وقال الأعرجي في تصريحات صحافية إن «الأسر العائدة من محافظات إقليم كردستان العراق، عادت إلى منازلها في مدينة الموصل القديمة والجانب الأيمن منها بعد استتباب الأمن وتأهيل الخدمات». وأشار إلى أن «عشرات الأسر المسيحية بصدد العودة أيضا إلى مناطقها في سهل نينوى في الأيام المقبلة».
كان محافظ نينوى نجم الجبوري أعلن، الثلاثاء الماضي، عودة 90 عائلة نازحة من مخيمات ناحية القيارة، إلى مناطق سكنها في الجانب الأيمن من مدينة الموصل، بعد استتباب الأمن وعودة الخدمات إلى المدينة.
من جهته، قال راكان سعيد محافظ كركوك إن المحافظة تعمل على إيجاد معالجات لأكثر من 1300 عائلة نازحة في مخيم ليلان وأعادتهم إلى مناطقهم طوعاً. وأكد سعيد في مؤتمر صحافي مشترك مع ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت في محافظة كركوك أن «هنالك جهوداً لإغلاق مخيم يحياوه وعودة نازحيهم طوعاً، ولدينا أكثر من 1300 عائلة في مخيم ليلان سيتم إيجاد معالجات لمشاكلهم وعودتهم طوعا إلى مناطقهم». وأوضح أنه تم بحث «مستحقات كركوك وحصصها ضمن برنامج الأمم المتحدة الذي يتطلب إعادة النظر بنسبة كركوك بما يوازي حجم الدمار، إلى جانب قضية القرى المهدمة وأهمية إعادة إعمارها وملف المعتقلين في سجون إقليم كردستان».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.