ترمب وبايدن و«الخط الأحمر» السوري

دورية عسكرية أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 27 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
دورية عسكرية أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 27 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

ترمب وبايدن و«الخط الأحمر» السوري

دورية عسكرية أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 27 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
دورية عسكرية أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 27 الشهر الماضي (أ.ف.ب)

الدفعة الأخيرة من العقوبات الأميركية على شخصيات وكيانات سورية، كانت جاهزة منذ أسابيع. القيمون على هذا «الملف» في واشنطن، قرروا تأجيل إعلانها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بداية الشهر. الهدف بالنسبة إليهم، القول إن السياسة الأميركية إزاء سوريا، لن تتغير بتغير الإدارة، وهناك إجماع سياسي بين الحزبين والمؤسسات حول هذا «الملف». هل هذا صحيح؟ وما هي نقاط التقاطع والخلاف بين إدارة دونالد ترمب والإدارة المحتملة لجو بايدن؟
ضمت الحزمة الأخيرة من العقوبات، ثلاث سلال: شخصيات وكيانات اقتصادية لها علاقة بصناعة النفط، وشخصيات أمنية وعسكرية رسمية وقيادية في «قوات الدفاع الوطني»، وشخصيات سياسية وأعضاء في مجلس الشعب (البرلمان) بموجب الانتخابات الأخيرة. هي القائمة الخامسة، منذ بدء تنفيذ «قانون قيصر» في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، واستكمالاً لما يقول عنه مسؤولو الملف السوري، «صيف قيصر» الذي طال أكثر من 90 شخصاً ومؤسسة. بالنسبة إليهم، فإن «الرسالة السياسية» هي، أن «حملة الضغوط ستستمر ولن تتغير مع مجيء إدارة بقيادة بايدن»، ذلك أن كيفية التعاطي مع هذا الملف «ليس موضوعاً خلافياً، بل هو عابر للانقسامات السياسية. قانون قيصر وافق عليه الكونغرس بأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين وأقره الرئيس ترمب».
و«قانون قيصر» بالنسبة إلى واشنطن، هو إحدى الأدوات الكثيرة التي تملكها، وتشمل الوجود العسكري شرق الفرات وفي قاعدة التنف ودعم سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» على منطقة استراتيجية غنية بالموارد الاقتصادية، واستمرار فرض العزلة على دمشق ومنع التطبيع الدبلوماسي العربي والأوروبي معها، إضافة إلى حرمانها من الأموال اللازمة للإعمار والتطبيع. ولم يخف وزيرا الخارجية مايك بومبيو والخزانة ستيفن منوتشين «عزم واشنطن، على مواصلة ممارسة ضغط اقتصادي على النظام السوري وداعميه».
من هذا المنطلق، حثت واشنطن الدول العربية والأوروبية على عدم المشاركة في مؤتمر اللاجئين السوريين في دمشق. كما أنها حثت دولا على عدم استعجال التطبيع وإعادة دمشق إلى الجامعة العربية. إلى الآن هذا حاصل، حيث قوطع المؤتمر ونقل عن مسؤولين في الجامعة العربية قولهم إنه «ليس هناك إجماع عربي على إعادة سوريا» وإنه على دمشق «أن تبدأ بالخطوة الأولى، وفق مبدأ: ساعدونا لنساعدكم».
ما الأهداف الأميركية؟ واشنطن تقول إنها تريد استعمال الأدوات التي تملكها لتحقيق ثلاثة أهداف: الهزيمة الدائمة لـ«داعش»، إخراج القوات الإيرانية من سوريا، الوصول إلى حل سياسي بموجب القرار 2254. سياسيا، يذهب مسؤولون أميركيون إلى حد تقديم «نصيحة» للبعثة الأممية إلى سوريا، بضرورة أن تكون «شفافة أكثر في تحمل مسؤولية عرقلة عمل اللجنة الدستورية»، إضافة إلى ضرورة تكثيف العمل على جميع عناصر القرار 2254. وتشمل: وقف نار شاملا على مستوى سوريا، والتحضير لإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة بمشاركة اللاجئين والنازحين، وحل مشكلة المفقودين والسجناء، وإجراءات بناء الثقة.
لن تختلف إدارة بايدن إزاء هذه الأهداف، لكن التقديرات أن الأولويات ستختلف، كما هو الحال مع العلاقة بين مساري الضغوط والتفاوض. هناك اعتقاد واسع، أنه مع إدارة بايدن سيكون الوجود العسكري شرق الفرات أكثر استقرارا وأقل تقلبا، وأن يكون التنسيق أعمق مع الحلفاء المحليين في «قوات سوريا الديمقراطية» والأوروبيين وتحديدا بريطانيا وفرنسا. أي، لن يحصل ما حصل نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، عندما كان مبعوثون غربيون من حلف واشنطن، يزورون القامشلي للبحث في مشاريع الاستقرار وفوجئوا بقرار ترمب الانسحاب.
في الوقت نفسه، من المستبعد أن يحصل ما حصل في أكتوبر العام الماضي، عندما انتزع الرئيس رجب طيب إردوغان من ترمب وعدا بالانسحاب أمام الجيش التركي وفصائل سورية موالية لتأسيس منطقة «نبع السلام». تفصيلاً، كل المؤشرات تشير إلى أن بايدن أبعد من ترمب عن تركيا وأقرب منه للأكراد. ولا شك، أن عودة المبعوث الرئاسي الأميركي السابق بريت ماغورك إلى الملف خلفاً للسفير جيمس جيفري سيكون أوضح تعبير عن ذلك. ماغورك وجيفري على طرفي نقيض في موضوعي تركيا والأكراد.
طبعاً، هناك احتمال أن يلعب ألكسندر بيك المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، دورا في الملف السوري. وهو يقع في الوسط بين ماغورك وجيفري. لكن هناك إجماعاً على أن الفريق الجديد سيستثمر أكثر في العملية السياسية بحيث يربط بين الأدوات التي يملكها والمفاوضات، سواء السياسية في جنيف أو مع اللاعبين الإقليميين والدوليين. قد يضغط أكثر لتمثيل حلفاء واشنطن شرق الفرات في العملية السياسية، الأمر الذي منعت أنقرة حصوله سابقاً.
العنوان العريض، هو تأهب أميركي، لاستثمار أدوات الضغط مثل «قانون قيصر» والوجود العسكري وإغراءات التطبيع والإعمار. الضغط أكثر على أنقرة ودمشق والتفاوض مع موسكو وطهران. وسيكون واضحا ارتباط الملف السوري بقضايا إقليمية ودولية. إيران التي تريد إدارة بايدن العودة معها إلى الاتفاق النووي المعدل الذي يشمل بحث تغلغلها الإقليمي، بينه في سوريا. تركيا التي تريد «تقطيع أوصال» الكيان الكردي وتتمدد بتعاون وتنافس مع روسيا في الإقليم برا وبحرا، وسوريا أحد مسارحها. إسرائيل التي وقعت اتفاقات مع دول عربية وتريد كبح جماح النفوذ الإيراني و«منع تموضعها» في سوريا. تضاف إلى ذلك، ملفات أوكرانيا وبيلاروسيا وتجديد اتفاق الحد من الأسلحة مع روسيا ومستقبل «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) الذي يجاور سوريا نظريا بسبب تركيا.
أغلب الظن، هناك مساران لبدء الاختبارات الأولى في سوريا: انطلاق مفاوضات لمعرفة مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا في 2012. جس نبض بدء مفاوضات لاتفاق سلام بمحتوى ثنائي وإقليمي بين دمشق وتل أبيب. بايدن الذي يعتقد محللون، أنه سيقود «إدارة أوباما الثالثة»، كان موجودا عندما وضع رئيسه «الخط الأحمر» في 2013 ولم يلتزم تعهداته. وهناك من يعتقد أن «ظل الخط الأحمر» يخيم على واشنطن.



مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)

استهلت جماعة الحوثيين شهر رمضان بتنفيذ حملات تعسف ضد أفران الخبز الخيرية بالعاصمة المختطفة صنعاء، وذلك في سياق إعاقتها المتكررة للأعمال الإنسانية والخيرية الرامية للتخفيف من حدة معاناة اليمنيين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتحدثت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن بدء مشرفين حوثيين برفقة مسلحين يتبعون ما تسمى «هيئة الزكاة الحوثية» تنفيذ حملات دهم بحق مخابز خيرية تتبع مبادرات تطوعية ومؤسسات خيرية ورجال أعمال في مديريات متفرقة بصنعاء، لإرغام العاملين فيها على دفع إتاوات، أو تعرضها للإغلاق والمصادرة.

وأكدت المصادر أن الحملة المباغتة استهدفت في أول يوم من انطلاقها 14 مخبزاً خيرياً في أحياء بيت معياد وبير عبيد والجرداء والقلفان والسنينة ومذبح بمديريتي السبعين ومعين بصنعاء، وأسفرت عن إغلاق 4 مخابز منها لرفضها دفع إتاوات، بينما فرضت على البقية دفع مبالغ مالية يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى «هيئة الزكاة».

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (أ.ف.ب)

وأثار الاستهداف الحوثي موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين في صنعاء، الذين أبدوا استنكارهم الشديد لقيام الجماعة بابتزاز المخابز الخيرية، رغم أنها مُخصصة للعمل التطوعي والخيري، وإشباع جوع مئات الأسر المتعففة.

استهداف للفقراء

واشتكى عاملون في مخابز خيرية طاولها استهداف الحوثيين في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من تكثيف حملات التعسف ضد المخابز التي يعملون فيها، وأكدوا أن الحملة التي شنتها الجماعة أجبرتهم على دفع إتاوات، بينما هددت أخرى بالإغلاق حال عدم الاستجابة لأوامرها.

واتهم العاملون الجماعة الحوثية بأنها تهدف من خلال حملات التعسف لتضييق الخناق على فاعلي الخير والمؤسسات والمبادرات التطوعية الإنسانية والخيرية بغية منعهم من تقديم أي دعم للفقراء الذين تعج بهم المدن كافة التي تحت قبضتها.

امرأة في صنعاء تبحث في برميل القمامة عن علب البلاستيك لجمعها وبيعها (الشرق الأوسط)

ويزعم الانقلابيون الحوثيون أن حملتهم تستهدف الأفران التي تقوم بتوزيع الخبز خلال رمضان للفقراء بطريقة تصفها الجماعة بـ«المخالفة»، ودون الحصول على الإذن المسبق من «هيئة الزكاة»، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع لها، والمخول بالتحكم في المساعدات.

وبينما حذرت مصادر إغاثية من مغبة استمرار الاستهداف الحوثي للمخابز الخيرية لما له من تأثير مباشر على حياة ومعيشة مئات الأسر الفقيرة، اشتكت عائلات فقيرة في صنعاء من حرمانها من الحصول على الخبز نتيجة حملات التعسف الأخيرة بحق الأفران.

وتؤكد المصادر الإغاثية أن التعسف الحوثي يستهدف الفقراء والمحتاجين في عموم مناطق سيطرة الجماعة من خلال مواصلة انتهاج سياسات الإفقار والتجويع المتعمدة، والسعي إلى اختلاق مبررات تهدف إلى حرمانهم من الحصول على أي معونات غذائية أو نقدية.

نقص الغذاء

ويتزامن هذا الاستهداف الانقلابي مع تحذيرات دولية حديثة من نقص الغذاء في اليمن حتى منتصف العام الحالي.

وفي تقرير حديث لها، نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز حقيقي في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

ولفتت الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة إلى أن مجموعة من المناطق تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

واعتاد الانقلابيون الحوثيون منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، على استخدام مختلف الأساليب والطرق لتضييق الخناق على الجمعيات والمبادرات المجتمعية الإنسانية والخيرية، بغية حرمان اليمنيين من الحصول على أي مساعدات قد تبقيهم على قيد الحياة.