محمد حفظي: أتوقع تقديم جزء ثانٍ من مسلسل «ما وراء الطبيعة»

المنتج المصري لـ «الشرق الأوسط» : تسريب العمل كان متوقعاً

لقطة من مسلسل «ما وراء الطبيعة»
لقطة من مسلسل «ما وراء الطبيعة»
TT

محمد حفظي: أتوقع تقديم جزء ثانٍ من مسلسل «ما وراء الطبيعة»

لقطة من مسلسل «ما وراء الطبيعة»
لقطة من مسلسل «ما وراء الطبيعة»

قال محمد حفظي، المنتج المصري المنفذ لمسلسل «ما وراء الطبيعة» المأخوذ عن سلسلة أدبية بنفس الاسم للأديب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، إنّه يتوقع تقديم جزء ثانٍ من المسلسل الذي حقق انتشارا واسعا منذ بداية عرضه عبر منصة «نتفليكس» العالمية في الخامس من الشهر الجاري، إذ استحوذ على اهتمام الجمهور والنقاد في مصر وعدد من الدول العربية.
وتدور أحداث المسلسل حول طبيب يدعى «رفعت إسماعيل»، طبيب أمراض دم ينشغل بعالم الماورائيات في أواخر الستينات من القرن الماضي، ويقوم ببطولة العمل الفنان أحمد أمين، وأحمد داش ورزان جمال وسماء إبراهيم والطفلة ريم عبد القادر، ومن إخراج عمرو سلامة، تدور أحداثه في 6 حلقات فقط، كل حلقة تتراوح مدتها بين 45 و50 دقيقة، والعمل من إنتاج نتفليكس، ويعرض في أكثر من 190 دولة حول العالم، ومترجم لأكثر من 32 لغة.
وقال حفظي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: إنّه لم يتوقع حالة الاحتفاء الكبيرة التي قوبل بها المسلسل فور عرضه واهتمام المشاهدين به بهذه السرعة، مضيفا «توقعت أن يلتفت الناس في البداية إلى العمل بسبب المجهود الكبير الذي بذل فيه، وللمؤثرات والخدع المستخدمة في تصويره، وإخراجه بشكل مختلف ومميز، قبل أن تبدأ مرحلة انتشاره، لذلك أصف ما حدث بأنه نجاح سريع ليس في مصر فقط، بل في أنحاء العالم، حسب التقييم المرتفع له وظهوره في قائمة الـ10 الأوائل في الدول الأوروبية».
وعن إمكانية تقديم جزء ثان من المسلسل، يقول حفظي: «هذا القرار يعود فقط لمنتجيه أي شبكة نتفليكس الدّولية، لكن في تصوري الشّخصي أن نجاح العمل بهذا الشكل قد يعزز فرص تقديم جزء ثان منه».
وعلق محمد حفظي على تسريب المسلسل على شبكة الإنترنت قائلا: «هذا الأمر للأسف كان متوقعا، لأنّ الكثير من الوسائط الإعلامية التي تحترف القرصنة تعمل بشكل غير قانوني، وكصناع للمحتوى شعرنا بضيق شديد لأنّ مجهودنا يضيع هباء، كما أنّه يقلّل فرصة نتفليكس كمنتج للعمل في تحقيق الأرباح ويترك انطباعا سيئا، لدى إدارة الشبكة، لذلك أتمنى تفعيل قوانين الحماية من القرصنة، التي لطالما نادينا بتطبيقها منذ سنوات عدة».
يذكر أن شبكة نتفليكس قد قامت بتصنيف المسلسل عبر موقعها للجمهور فوق 16 عاما.
ويعد مؤلف الرواية الدكتور أحمد خالد توفيق أحد أشهر الكتاب العرب المتخصصين في أدب الرعب والخيال العلمي رغم عمله الأكاديمي في كلية الطب، ومن أشهر أعماله سلسلة «ما وراء الطبيعة» التي بدأ بها مشواره الأدبي، وسلسلتا «فانتازيا» و«سفاري»، ومن أشهر رواياته «يوتوبيا» التي ترجمت لعدة لغات. وقد وافته المنية عام 2018 عقب أزمة صحية مفاجئة بالقلب.
«ما وراء الطبيعة» ليس المسلسل العربي الأول الذي تقدمه شبكة نتفليكس العالمية، حيث قُدّمت أعمال عربية قبله على غرار المسلسلين الأردنيين «الجن»، و«مدرسة الروابي للفتيات».
وتعتزم «نتفليكس» التوسع في السوق المصرية خلال الفترة المقبلة عبر إنتاج مسلسلات جديدة من بينها مسلسل «أبلة فاهيتا»، الذي أعلنت الشبكة عن إنتاجه أخيرا، بجانب إنتاج مسلسل آخر من بطولة النجمة التونسية هند صبري، التي أعلنت الخبر على صفحتها الرسمية على إنستغرام قبل عدة أشهر.
ويرى نقاد مصريون من بينهم أندرو محسن، أنّ نجاح وشهرة سلسلة الدكتور أحمد خالد توفيق، وتصدي شبكة نتفليكس لإنتاجها في مسلسل قصير مكون من 6 حلقات فقط، أدّى إلى نجاح العمل، ويقول محسن لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ هذا العمل استثمارا جيدا للروايات المصرية الناجحة التي تفاعل معها القراء، لذلك أتمنى تحويل أغلبها لأعمال فنية على غرار سلسلة (رجل المستحيل) لنبيل فاروق وغيرها».
ورغم إشادة عدد كبير من المتابعين بالمسلسل الجديد، فإنّ محسن يرى أنّ «تصميم وتنفيذ المؤثرات والغرافيك فقير جدا، بجانب بعض التفاصيل التي كانت تحتاج لإيضاح داخل الأحداث مثل الإشارة إلى أنّ دكتور رفعت إسماعيل طبيب أمراض دم، فمثل هذه التفاصيل ضرورية من أجل سياق الأحداث ولربط المشاهد بالعمل»، على حد تعبيره. لكنّه أكّد أنّ «اختيار أحمد أمين لأداء دور البطولة كان موفقا للغاية»، معتبرا إياه «من أفضل عناصر العمل».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)