صراع بين التجار والحكومة اللبنانية على تخفيض أسعار السلع الأساسية

67 تاجراً أمام القضاء بتهم تهريب واحتكار

أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية)
أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية)
TT

صراع بين التجار والحكومة اللبنانية على تخفيض أسعار السلع الأساسية

أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية)
أبو حيدر في جولة على بعض المحال التجارية قبل أيام (الوكالة المركزية)

تتضارب المعلومات في لبنان حول تراجع أسعار السلع الأساسية التي يستهلكها المواطنون، على خلفية انخفاض سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، وهو ما يشير إلى صراع بين التجار والسلطة اللبنانية التي تقوم، عبر وزارة الاقتصاد، بمهام ملاحقة المخالفين بهدف تخفيض أسعار السلع.
وفيما أعلنت نقابة مستوردي السلع الغذائيّة أنّها بصدد إعادة درس تسعير المواد الغذائية وقامت وزارة الاقتصاد بجولات على المحال التجارية بعدما طلبت لوائح الأسعار من التجّار للتأكّد من خفض الأسعار، يؤكد المواطنون أنّ أسعار السلع والمواد الأساسية لا تزال مرتفعة، وأنّ التراجع لم يطل إلّا مجموعة محدودة جدا من هذه الموّاد. ويكرّر أصحاب المحال التجارية أنّ الجزء الأكبر من المواد لم يتراجع سعره وأنّ ما انخفض سعره كان تحديدا أنواعا محددة من الأجبان والحبوب ومواد تنظيف، مع الإشارة إلى توافر مواد السلّة الغذائية المدعومة بكميات أكثر من السابق.
ولا ينفي المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر أنّ تراجع الأسعار لم يطل كلّ السلع والمواد الغذائيّة، إذ إن بعضها كان «بالأصل مسعّرا على أساس سعر صرف للدولار لا يتجاوز الـ7000»، إلّا أنّه يشير في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى تراجع أسعار العدد الأكبر من المواد الأساسية مثل الألبان والأجبان التي انخفضت بنسبة تتراوح بين 8 و10 في المائة، ومواد التنظيف ما بين 12 و18 في المائة، وكذلك اللحوم 50 في المائة وأيضا الدجاج والبيض، مؤكّدا أنّ معظم السلع الغذائية في الأسواق باتت تسعر‏ على أساس سعر صرف للدولار يتراوح بين الـ6800 و7000 ليرة.
ويذكر أبو حيدر أنّ الوزارة مستمرة في جوالاتها على المحال التجاريّة وأنّ هذه الجولات ستكثّف في المرحلة القادمة، مشيرا إلى أنّها كانت أحالت 67 تاجرا إلى النيابة العامة المالية، فيما خص الإخبارات عن عمليات تهريب أو احتكار.
ويعتبر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أنّ المواد التي يجب أن ينخفض سعرها انخفض بالفعل، أي تلك التي كانت تسعر‏ على أساس سعر صرف يتجاوز الـ7000 آلاف ليرة، أمّا السلع التي كانت في الأصل مسعّرة على أساس سعر صرف لا يتجاوز هذا الحد، فلم يتراجع سعرها.
ويلفت بحصلي إلى أنّ تراجع أسعار السلع يتطلب استقرارا جديا في صرف سعر الدولار، مذكرا بأنّه عندما أعلنت نقابة مستوردي المواد الغذائية أنها ستعيد دراسة سعر بعض المواد كان سعر صرف الدولار 6300 وهو اليوم بحدود الـ7300 ليرة للدولار الواحد، وذلك لأنّ انخفاض الدولار وارتفاعه لا يرتكزان على أساس اقتصادي يساهم بالاستقرار، بل على مناخ تفاؤلي أو تشاؤمي لا يمكن للتاجر الاعتماد عليه، فهو يريد الحفاظ على استمراريته، وبالتالي التأكّد بأنّه عندما يبيع منتجا معينا يستطيع شراء غيره بالمبلغ عينه، الأمر الذي يضمن أيضا عدم انقطاع المواد من السوق.
ولا يبدو أن الأسعار في السوق انخفضت، وتؤكد نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك ندى نعمة أنّه لا يمكن أبدا الحديث عن تراجع للأسعار مع تراجع سعر الدولار، بل على العكس هناك بعض السلع التي شهدت ارتفاعا بالأسعار بشكل ملحوظ وصل إلى الضعف كالأسماك المبردة، مشيرة في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ هناك علامات تجاريّة معينة من مجموعة غذائية مثل الأجبان شهدت تراجعا بالأسعار طفيفا جدا قابله ارتفاع في علامات تجاريّة أخرى للمنتج نفسه، وكذلك الحال في أدوات التنظيف.
ولفتت نعمة إلى أنه بالإضافة إلى ملاحظة ارتفاع الأسعار مع انخفاض الدولار توضح أرقام جمعية حماية المستهلك الاختلاف بين نقاط البيع بشكل لافت ما يعكس الفوضى في الأسواق ويتطلّب تشددا في المراقبة، موضحة أنّ لائحة جمعية حماية المستهلك تضمّ السلع والمواد الأكثر استهلاكا وهي عبارة عن سلة من 145 سلعة.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.