وسط المزارع والعيون وفوهات البراكين والحصون، تقع مدينة خيبر، التي جمعت التاريخ والطبيعة في منطقة جغرافية فريدة من نوعها جعلت منها منطقة مهمة تتبع إدارياً اليوم لمنطقة المدينة المنورة في السعودية.
وكانت خيبر محوراً اقتصادياً مهماً في الجزيرة العربية لكثرة الموارد الطبيعية فيها، ومن ضمنها آبار المياه، حيث كانت تحتوي في السابق على أكثر من ثلاثمائة عين جارية، بالإضافة إلى حصونها المنيعة التي كانت سداً منيعاً ضد أي هجمات.
وبين حصون وقلاع خيبر، تجولت «الشرق الأوسط» واطلعت على أهم مواقعها التاريخية، التي شهدت العديد من الأحداث المهمة على مدار التاريخ منذ تأسيسها على يد «العماليق»، وهم من قبائل العرب البائدة على ذكر العديد من المؤرخين. وفي التاريخ، ورد اسم خيبر في كتاب الأشوريين كإحدى المناطق التي استولى عليها الملك البابلي نابونيد، وكانت تابعة لحكمه، وذلك خلال الفترة ما بين 555 إلى 538 قبل الميلاد، كما تشير بعض الدلائل والآثار إلى وجود البشر فيها منذ العصر الحجري.
- أهمية المنطقة اقتصادياً
حسب الباحث في تاريخ خيبر، صيفي الشلالي، فالمدينة اشتهرت قديماً بأنها ريف الحجاز، بل إن سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني صاحب كتاب «أسواق العرب في الجاهلية»، صنفها على أنها مصرف الجزيرة العربية المالي لأهميتها الاقتصادية والنابعة من اتساع الرقعة الزراعية وتوافر المياه، ما أدى لوجود الآلاف من مزارع النخيل.
كما اشتهرت خيبر بسوقها الشهيرة (سوق نطاه خيبر)، التي صنفت كإحدى أهم اثنتي عشرة سوقاً من أسواق العرب في الجاهلية، حيث كانت السوق تعج بأنواع البضائع التي كانت ترد إليها من جميع أنحاء الجزيرة العربية، وكانت تباع فيها جميع أنواع الأسلحة والمنسوجات والسجاد والمنتجات الحيوانية مثل السمن والعسل والمصنوعات الحديدية والأواني المنزلية وغيرها، وقد كانت السلعة الرئيسية التي يتم التعامل فيها كنقد، وكسلعة في الوقت نفسه، هي التمر، فقد كان البيع في هذه السوق بالنقد المتوفر أحياناً، ومقايضة بالتمر أحياناً أخرى، وكانت السوق تزدهر بشكل كبير في الصيف أثناء موسم جذاذ النخيل، حيث يجتمع أغلب تجار الجزيرة العربية في خيبر لمبادلة بضائعهم بالتمر الذي تعود قوافلهم محملة به آخر الموسم.
وقال الشلالي إن الشواهد تشير إلى وجود قديم جداً للإنسان في هذه المناطق يعود إلى عشرات الآلاف من السنين، بناءً على مكتشفات أثرية مثل أدوات حجرية استخدمها إنسان العصر الحجري وجدت في بعض الأنحاء من خيبر.
اشتهرت خيبر منذ القدم بحصانتها، ووعورة مسالكها، وهذا ما جعلها موئلاً للاستيطان البشري منذ القدم.
وهو أيضاً ما شجع الإنسان في هذه المدينة التاريخية على بناء العديد من الصروح للحماية من الغزو، ومن أبرزها حصن «القموص» شامخاً كسفينة في بحر من أشجار النخيل، التي تحيط به من جميع الجهات وهو يعد المعلم الأبرز في خيبر، بالإضافة إلى العديد من الحصون الأخرى التي تتميز بمواقعها الجغرافية المهمة، ومنعتها، ومنها حصن الصعب بن معاذ، القلعة، قِلة، أبي، النزار، الوطيح، السلالم.
-السياحة
وبيّن الشلالي أن خيبر تعتبر منطقة واعدة سياحياً، نظراً لما تزخر به من مقومات سياحية قد لا تجتمع في منطقة واحدة، ويمكن تقسيم المقومات السياحية في خيبر إلى مقومات طبيعية، وتتمثل في الفوهات البركانية التي تقع شرق خيبر، وهي مصدر الحمم البركانية التي تكونت منها حرة خيبر التي تعتبر أكبر الحرار في جزيرة العرب، وتضم جبل الرأس الأبيض ثاني أعلى قمة بركانية في المملكة، بارتفاع 2093 عن سطح البحر، وكذلك فوهة جبل القدر والبيضاء التي تأسر الألباب بتنوع صهارتها البركانية واتساع فوهتها التي يبلغ قطرها 1400م.
كما تضم عدداً من المعالم الأخرى، ومن أهم ذلك الكهوف مثل كهف أم جرسان الذي صنف كأطول كهف طبيعي في الوطن العربي، ثم كهف أم حشيوه (ماكر الشياهين) الذي يبلغ ضعف طول أم جرسان، وبذلك قد يصنف كأطول الكهوف الطبيعية على مستوى العالم، بالإضافة إلى العديد من المناطق ذات التكوينات الطبيعية في شمال خيبر والعشاش وجدعاء وغيرها، ومن تلك المعالم الطبيعية أيضاً العيون الطبيعية التي لا يزال بعضها يتدفق حتى اليوم.
وتتميز المدينة أيضاً بمقوماتها الأثرية، وتتمثل في الآلاف من الأشكال والمباني الحجرية مثل المصائد وأشكال فتحات المفتاح والدوائر والمذيلات، وهذه الأشكال لا يمكن مشاهدتها بشكل واضح، إلا من الجو أو عبر صور الأقمار الصناعية.
- خيبر العصر الحديث
وذكر صيفي أن أهمية خيبر الاقتصادية جعلت منها مطمعاً للدول المتعاقبة على حكم الحجاز والمناطق المجاورة، متأرجحة تارة إلى الحجاز، وتارة إلى الشام، وتارة أخرى إلى جبل شمر، وقد ضمت خيبر للمرة الأولى إلى حكم الدولة السعودية في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود حوالي عام 1792م مع تيماء ووادي السرحان، حيث ضمت إلى حائل بقيادة أميرها آنذاك عبد الرحمن بن معيقل، ثم استولى العثمانيون على خيبر بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، ثم انسحبوا منها، ليدخلها جيش طلال بن عبد الله بن رشيد عام 1853، وبقيت كذلك فترة من الزمن تحت حكم ابن رشيد في حائل، حتى دخلت خيبر مرة أخرى تحت حكم الأشراف تابعة للمدينة المنورة، وانضمت إلى الدولة السعودية الثالثة، لتصبح تابعة لإمارة حائل في عام 1921، وكان ارتباط خيبر بحائل إدارياً فقط، أما مالياً فكانت مرتبطة بالمدينة المنورة، إلى أن ألحقت فعلياً بإمارة منطقة المدينة المنورة عام 1971.
«خيبر» السعودية بلدة العيون والحصون وفوهات البراكين
رحلة قصص التاريخ في أهم موقع اقتصادي بمئات الأعوام قبل الميلاد
«خيبر» السعودية بلدة العيون والحصون وفوهات البراكين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة