قرية «دير المدينة» تستهوي علماء الآثار لمعرفة تفاصيل حياة الفراعنة

انطلقت منها «ثورة العمال» وسكنها بناة المقابر الملكية بالأقصر

قرية «دير المدينة» تستهوي علماء الآثار لمعرفة تفاصيل حياة الفراعنة
TT

قرية «دير المدينة» تستهوي علماء الآثار لمعرفة تفاصيل حياة الفراعنة

قرية «دير المدينة» تستهوي علماء الآثار لمعرفة تفاصيل حياة الفراعنة

في الجزء الجنوبي من «جبانة طيبة»، وعلى مقربة من مقابر وادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر)، استوطن بناة المقابر الملكية (رسامين ونحاتين وعمالا)، قرية أطلقوا عليها اسم «ست ماعت» أي «مكان الحق»، والمعروفة الآن باسم «دير المدينة» ودونوا على شقافات من الفخار تفاصيل حياتهم اليومية، بداية من تنظيم العمل، ومروراً بالخلافات والمشكلات والجرائم، وصولاً إلى الطقوس الجنائزية في المقابر، لتروي آثارهم تاريخاً مختلفاً للمصريين عن ذلك الذي خلفه ملوك الفراعنة في مقابرهم.
وتستهوي تلك التفاصيل والكواليس علماء بعثة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، إذ يعكفون حالياً على دراسة مجموعة من مساند الرأس، واللوحات المنقوشة، وموائد القرابين، ومجموعة من الشقافات (قطع من الفخار المحروق كانت تستخدم للكتابة)، وأدوات الرسامين، لاكتشاف معلومات خاصةً عن حياة وتقاليد سكان دير المدينة، وتنظيم رتب فرق العمل، بحسب سيدريك لارشيه، رئيس إدارة المحفوظات والمقتنيات بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، الذي أوضح في تقرير عن «دير المدينة»، نشره موقع المعهد أخيراً، أن «معظم القطع التي تتم دراستها حاليا يعود تاريخها إلى فترة الرعامسة، وأننا لا نعرف سوى القليل عن العمال المسؤولين عن حفر المقابر الملكية في الأسرة الـ18»، مشيرا إلى أن «الدراسة الحالية ستساهم في معرفة التنظيم الإداري للموقع في عصر الأسرة الثامنة عشرة».
وتم الكشف عن مجموعة من الأوستراكا أو الشقافات على يد عالم الآثار الفرنسي برنار رويير في الفترة من 1922 إلى 1951، الذي درس ووثق الكثير منها، على فترات متتالية، لكن «لا يزال هناك نحو 6 آلاف وثيقة لم يتم تحريرها حتى الآن، مما يجعلها أكبر مجموعة من النصوص غير المنشورة»، على حد وصف المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، الذي أكد أن هذه «النصوص تمثل الأنشطة الأدبية لسكان القرية، وهو يجعلها مهمة لمعرفة الممارسات الثقافية في الدولة الحديثة».
الدكتور بسام الشماع، الباحث المتخصص في علم المصريات، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الشقافات تعد من أهم الاكتشافات في دير المدينة، لأنها توثق أسماء العمال، وأيام عملهم، والأدوات التي كانوا يتسلمونها قبل العمل، وحتى أيام غيابهم وأسباب الغياب»، مشيرا إلى أنه من «بين أسباب الغياب التي وثقتها شقافات دير المدينة حضور عيد ديني مدته يومين، أو غياب العامل لأنه كان يصنع الجعة قبيل احتفالات دينية، أو بسبب خلافه مع زوجته، كما وثقت الشقافات غياب طبيب القرية، لأنه كان يرعى مريضا في منزله، كاشفة عن أدق تفاصيل الحياة اليومية للعمال، الذين كانوا يتوارثون مهنتهم».
وسجلت شقافات دير المدينة الجرائم التي حدثت في تلك الفترة، ومن أشهرها جرائم «با نب»، الذي تم توثيق أكثر من 30 اتهاما له، وقيل إنه فاقد عقله أو مجرم بطبعه»، وفقا للشماع الذي أشار إلى أنه كان هناك «محكمة في القرية، أعضاؤها من الضباط والكتبة والنواب، وبعض ممثلي القرية».
ويعود تاريخ تأسيس قرية دير المدينة إلى بداية الدولة الحديثة، (1070/1570 قبل الميلاد) خلال عهد تحتمس الأول، عندما بدأ حفر المقابر الملكية، وتوسعت على مراحل، حتى هجرت في نهاية الأسرة العشرين، في عهد رمسيس الحادي عشر، وتحتوي منازل العمال ومقابرهم. وتعد مقابر «سنجم»، و«باشدو»، و«إن حر خعو»، والمقبرة العائلية لكل من «آمون نخت»، و«نب إن ماعت»، و«خع إم تري»، من أشهر مقابر المنطقة، وفي أقصى شمال «دير المدينة» يوجد معبد مكرس لعبادة الإلهة حتحور يرجع إلى العصر البطلمي تحول إلى دير فيما بعد، ومنه اشتق اسم المنطقة في العصر الحالي، وفقا لموقع وزارة السياحة والآثار، واكتشفت مقبرة سنجم على يد عالم الآثار ماسبيرو في 2 فبراير (شباط) 1886، وكان سنجم يشغل منصب الخادم الملكي في عهد الملك ستي الأول وابنه رمسيس الثاني.
وانطلقت من القرية ثورة العمال، في عهد الملك رمسيس الثالث، 1155 قبل الميلاد، وهي موثقة يوما بيوم وتعد أقدم ثورة في التاريخ بحسب علماء الآثار.
«إقامة الفنانين بقرية بجوار المقابر الملكية التي كانوا يعملون على إنشائها يدل على أن المقابر كانت مشروعا قوميا، وأنه كان هناك تقدير للفنان في مصر القديمة»، بحسب الباحث الأثري الدكتور لؤي سعيد، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تميزت القرية بنظام العمل والحياة، وكان العمل مقسما بين فريقين، فريق اليسار وفريق اليمين، وكل فريق يتكون من رئيس الأعمال والمشرفين، والكتبة والمحاسبين، وقاطعي الحجارة، والنحاتين، والرسامين، والبنائين والنجارين».
وتعتبر قرية دير المدينة في البر الغربي بالأقصر، ومقابر بني حسن في المنيا من «أهم» المواقع الأثرية في تاريخ مصر القديم، بحسب وصف الشماع الذي يقول إن «هذه المناطق تتحدث عن المصريين كشعب وليس كملوك، فمن المعروف أن المعبد كان البوق الإعلامي للملك، لكن مقابر العمال كانت مختلفة، حتى في تصميمها»، موضحا أنه «رغم وجود النصوص الدينية في مقابر العمال إلا أنها اعتمدت على الرسم أكثر من النحت، كما أنها احتوت على مناظر للمتوفى مع أهله وأصدقائه، وهو غير موجود في مقابر الملوك، وصورت المتوفى في مراحل عمرية مختلفة كإنسان له شعر أبيض مثل مقبرة (باشدو)، فهي مقابر مفعمة بالحياة وليست جافة كمقابر الملوك»، على حد تعبيره.
وأضاف الشماع أن «هذه القرية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن العامل المصري مبجل ومحترم ومقدر، وكان يحصل على أجر لقاء عمله، وكان لديه أيام إجازات، ويقسم العمل على ورديات، فلا يوجد عبودية كما يدعي البعض»، مشيرا إلى أن «بقايا المنازل الموجودة في قرية العمال حتى الآن ترد على سؤال أين بيوت المصريين».



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.