اضطرابات إثيوبيا تزيد الشكوك حول مصير مفاوضات «سد النهضة»

عناصر من الجيش الإثيوبي يركبون شاحنتهم أثناء توجههم في مهمة بمنطقة أمهرة بالقرب من الحدود مع منطقة تيغراي التي تتهمها أديس بابا بالسعي للانفصال «رويترز»
عناصر من الجيش الإثيوبي يركبون شاحنتهم أثناء توجههم في مهمة بمنطقة أمهرة بالقرب من الحدود مع منطقة تيغراي التي تتهمها أديس بابا بالسعي للانفصال «رويترز»
TT

اضطرابات إثيوبيا تزيد الشكوك حول مصير مفاوضات «سد النهضة»

عناصر من الجيش الإثيوبي يركبون شاحنتهم أثناء توجههم في مهمة بمنطقة أمهرة بالقرب من الحدود مع منطقة تيغراي التي تتهمها أديس بابا بالسعي للانفصال «رويترز»
عناصر من الجيش الإثيوبي يركبون شاحنتهم أثناء توجههم في مهمة بمنطقة أمهرة بالقرب من الحدود مع منطقة تيغراي التي تتهمها أديس بابا بالسعي للانفصال «رويترز»

ألقت الاضطرابات الإثيوبية الداخلية، بظلالها على مفاوضات «سد النهضة» مع مصر والسودان، وسط مخاوف من «إرجاء بعيد» للمحادثات، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، خاصة بعد أن أحدثت الحرب في إقليم «تيغراي» تصدعاً في الائتلاف الإثيوبي الحاكم بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد. وأعلن الجيش الإثيوبي، نهاية الأسبوع الماضي، الحرب على إقليم تيغراي شمال البلاد، بداعي مواجهة مساعي الانفصال، بعد «هجوم» شنّته عناصر «جبهة تحرير شعب تيغراي» على معسكر للجيش في المنطقة.
ويهدد التدخل العسكري للجيش الإثيوبي، الذي أسفر عن مقتل المئات، باندلاع حرب أهلية واسعة في البلاد، بحسب مراقبين، رغم محاولة آبي أحمد، طمأنة مواطنيه، قائلاً على «تويتر» أمس: «إثيوبيا ممتنة للأصدقاء الذين عبروا عن قلقهم... المخاوف من انزلاق إثيوبيا إلى الفوضى لا أساس لها وتأتي نتيجة لعدم فهم أوضاعنا».
ويتوقع الدكتور هاني رسلان، خبير الشؤون الأفريقية، بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، «اتساع نطاق القتال»، محدثاً «خلطاً للأوراق في إثيوبيا»، في إشارة إلى الائتلاف الحاكم. وأقال آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019، أعضاء بارزين في إدارته، في محاولة للسيطرة على الأوضاع. ومن بين الذين فقدوا مناصبهم قائد الجيش ومدير جهاز الاستخبارات، ووزير الخارجية، والأخير كان يقود مفاوضات «سد النهضة».
ويتوقع أن تحدث الاضطرابات في إثيوبيا تأثيراً على إتمام مشروع «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق، ويثير توترات مع مصر والسودان، الأمر الذي قد يصب في صالح القاهرة. يقول رسلان لـ«الشرق الأوسط»: «إذا استمر القتال، فلن تكون هناك سلطة قوية تستطيع أن تحقق الأهداف السياسية والاستراتيجية من السد»، مضيفاً: «لننتظر إلى أي مدى تتسع هذه الحرب، فلربما تتجزأ إثيوبيا كما حدث في الاتحاد اليوغوسلافي السابق. وتشيد إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، وتتمسك كل من الخرطوم والقاهرة بضرورة الوصول إلى اتفاق «ملزم قانوناً»، يحكم تدفق المياه، وعلى آلية قانونية لحل الخلافات قبل البدء في تشغيل السد، وهو ما ترفضه أديس أبابا.
وقبل نحو أسبوع أخفق وزراء الموارد المائية في الدول الثلاث، في التوافق على «منهجية استكمال المفاوضات»، فيما تقرر أن ترفع كل دولة تقريراً منفصلاً للاتحاد الأفريقي، للنظر في كيفية استكمالها، وهو أمر بات مستبعداً في الوقت الراهن، مع استمرار اشتعال الأحداث في أديس أبابا، بحسب مصدر مصري مضطلع، الذي توقع «مزيداً من التأجيل». ولم تنجح المفاوضات، التي تجري بشكل متقطع، منذ أكثر من 9 سنوات، في التوصل إلى اتفاق.
وتحظى الاضطرابات في إثيوبيا باهتمام مصري بالغ، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل اتهامات إثيوبية غير رسمية، بـ«تأجيج مصر للاحتجاجات»، ودعاوى مصرية مقابلة بـ«استغلالها».
يقول وزير الموارد المائية المصري الأسبق نصر الدين علام، إن «العديد من المناشدات الغربية لمصر لعدم استغلال أحداث إثيوبيا للتخلص من صداع السد». ويضيف مستنكراً: «لا أتذكر نداءً واحداً تم توجيهه لإثيوبيا بعدم استغلال أحداث مصر الداخلية عام 2011 للبدء في بناء السد».
وحذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الشهر الماضي، من «تفجير» مصر للسد، في إطار الضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق.
ويشكي قادة إقليم تيغراي من استهدافهم وإزاحتهم من المناصب العليا. وارتفعت حدة التوتر عندما أجرت تيغراي انتخاباتها بشكل أحادي في سبتمبر (أيلول)، رغم قرار الحكومة المركزية تأجيل الاقتراع الوطني جرّاء فيروس كورونا المستجد. واعتبرت أديس أبابا أن حكومة تيغراي غير شرعية، ما دفع بالأخيرة لسحب اعترافها بإدارة آبي أحمد.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».