مثل معظم رؤساء الجمهورية الأميركية، حظي دونالد ترمب بنصيبه من الأفلام التي دارت حوله، وفترة حكمه، حتى قبل أن تصل إلى نهايتها بإعلان فوز جو بايدن قبل ثلاثة أيام. لم يكن هناك بد من ذلك، فمرحلته التي لم تتجاوز أربع سنوات من الرئاسة تميّزت بخضم من الأحداث المحلية والعالمية، ومن القرارات التي أحدثت هزّات إعلامية وسياسية.
كذلك، وبحسبان ما حقّقه من تلك القرارات وتلك التي تحدّث عنها ولم يحققها بعد، فإنّ سنوات حكم ترمب كانت من أكثر سنوات الولايات المتحدة الأميركية اضطراباً حتى من قبل أن يلعب داء «كورونا» دوره الهدّام الذي كان كفيلاً بالتأثير على مستقبل أي رئيس أميركي لو حدث في أيامه.
مثّل نفسه
يجهل البعض أن لدونالد ترمب تاريخاً في السينما والتلفزيون كمنتج وممثل أيضاً. لم يكن بشهرة رونالد ريغَن الذي كان نجم أفلام وسترن وأفلام حربية قبل أن يلتزم بالعمل السياسي وصولاً إلى سدّة البيت الأبيض سنة 1981 وحتى 1989. بل على نحو لم يشأ ترمب التخلي فيه عن صورته الشخصية حتى قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية بدوره.
على سبيل المثال، يُطالعنا دوره - كدونالد ترمب - في «الأشباح لا تستطيع فعله» (Ghosts Can’t Do It) سنة 1989. كان ذلك أول فيلم يؤدي فيه ترمب دوراً، وهو دور مساند نال عليه جائزة رازبوري السنوية كـ «أسوأ ممثل مساند» بينما فاز الفيلم بجائزة أسوأ فيلم وفازت بطلته بو دَريك بجائزة أسوأ ممثلة ونال مخرجه (زوجها جون دَريك) جائزة أسوأ مخرج.
هذا لم يمنع ترمب من معاودة الكرّة سنة 1992 في «هوم ألون 2» وبشخصه أيضاً. الفيلم نال نجاحاً كبيراً أسوة بالجزء الأول، لكن أحداً لم يعر رجل الأعمال النيويوركي ترمب اهتماماً. وهذا بدوره لم يمنعه من الاستمرار فشارك في تمثيل كوميديا عائلية أخرى بعنوان «الأوغاد الصغار (The Litttle Rascals) المختلف هذه المرّة هي أنه لعب دوراً صغيراً بشخصية مختلفة عن شخصيته فهو أب أحد الأولاد الذي يتناولهم العنوان».
من ثمّ عاد ولعب شخصه في خمسة أفلام أخرى بينها «أسبوعا إنذار (Two Weeks Notice) الكوميديا التي قامت ساندرا بولوك ببطولتها. في هذا الوقت طمح للقيام بالإنتاج التلفزيوني وكان له ذلك في سنة 2001. عندما أنتج حلقة خاصة من Miss Universe 2001، وأحب دوره في إنتاج حلقات عن ملكات الجمال، إذ كرّر المهمّة حتى عام 2004. وكثيراً ما تحدّث نقاد التلفزيون في هذا المجال، عن شخص ترمب كونه ظهر في أكثر من حلقة.
17 فيلماً
في الوقت الذي تجذب هوليوود كل محبّ لدور ما في صناعة السينما، هي أيضاً عاكسة لشخصيات الرؤساء الأميركيين من أول رئيس حكم البلاد (جورج واشنطن، 1789 - 1797) وحتى دونالد ترمب نفسه. هذا وجد نفسه موضوعاً في فيلمين ترحيبيين به حُقّقا في عام تولّيه الرئاسة سنة 2016. الأول بعنوان «يدا دونالد الصغيرتان» والثاني «هاي، ترمب يو» (Hey، Trump U!).
من كان لديه مشروع فيلم عن ترمب يستطيع تقديمه اليوم إلى منتجي وشركات هوليوود، إذا كان لديه سبيلاً. هوليوود لم تعلن بعد عن أي مشروع بيوغرافي أو خيالي عن الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، لكن الغالب هو أنّها لن تستعجل هذه المهمّة وإن كانت كلها آذاناً صاغية لمشروع قد يكون مجزياً.
موقف هوليوود من دونالد ترمب، وليس موقفه هو منها بالضرورة، هو ما سيحدّد كيف ستعرضه على الشاشة. هذا باستنتاج كل تلك الأفلام التي حُقّقت عن جورج و. بوش وبيل كلينتون وليندون جونسون وإبراهام لينكولن وجون ف. كيندي وريتشارد نيكسون وحتى باراك أوباما (كونه أقل رئيس تم تحقيق أفلام عنه حتى الآن).
والمقصود بالموقف هنا هو كيف شهدت سنوات حكم أي رئيس التطوّرات التي دمغت سنوات حكمه. ما الذي حدث خلال فترة حكمه ولماذا تميّزت وبأي أمر. على سبيل المثال هناك سبعة عشر فيلماً تعاملت مع الرئيس الأميركي الراحل جون ف. كيندي. كان الرئيس الخامس والثلاثين في سلسلة الرؤساء الأميركيين واغتيل في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1963 أي قبل مرور 3 سنوات على حكمه.
من بين هذه الأفلام «قرار تنفيذي» (Executive Action) الذي حققه ديفيد ميلر من بطولة بيرت لانكاستر وروبرت رايان حول خطّة لاغتيال الرئيس.
في JFK، سنة 1991، جال المخرج أوليفر ستون طويلاً في حياة جون ف. كيندي وقلّب عدة روايات فيمن وقف وراء اغتياله. ولاحقاً ما حقّق روب راينر (سنة 2016)، فيلمه LBJ الذي تعرّض فيه لفترة الرئيس ليندون جونسون مروراً بحادثة اغتيال جون ف. كيندي. والسنة هي ذاتها الذي تقدّم فيها المخرج التشيلي بابلو لورين مَتّى بتحقيق «جاكي»، الذي أدّت فيه نتالي بورتمن دور زوجة جون كيندي، تتذكر فيه يوم اغتياله (كانت تجلس إلى جانبه في السيارة المكشوفة بأحد شوارع مدينة دالاس) وكيف قفز جونسون على كرسي الرئاسة تبعاً له.
بين مؤيد ومعارض
الحال اليوم هو أنّ البرامج الكوميدية و«التوك شوز» الأميركية واكبت فترة حكم ترمب بالتعليقات الساخرة. البرنامج المعروف بـ«سترداي نايت لايف» تداوله أكثر من مرّة وكذلك تعليقات مقدّمي البرامج الترفيهية.
والحقيقة أنّه في الوقت الذي لم تجد تلك البرامج التلفزيونية الكثير مما يمكن أن يُثير الضحك في شخص بعض الرؤساء الآخرين، ساعدتهم تصرفات ترمب على إيجاد العديد ممن يمكن أن يشكل مواد كوميدية ساخرة، مثل مواقفه المتناقضة حيال وباء كورونا، ومشهده وهو يحمل الإنجيل بالمقلوب، ومثل صعوده طائرة الرئاسة وقد لصقت ورقة «تواليت» بحذائه.
وفي حين أنّه من المستبعد أن تقدّم السينما الأميركية أفلاماً كوميدية عن ترمب لأنّ تلك قد تُثير حنق عدد كبير من المؤيدين له من ناحية، ولأنّ الأفلام الجادة عنه ستكون مطلباً أساسياً في السنوات المقبلة من ناحية أخرى، فإنّه لا يمكن إلّا ملاحظة أنّ هناك (من الهوليووديين) من عبّر عن تأييده له وإعجابه به.
هناك بالطبع الممثل جون فويت الذي عبّر مراراً عن تأييده، كما الممثل غاري بوسي والممثل ستيفن بولدوين (وهو شقيق أليك بولدوين أحد الذين يوالون تقديم شخصية ترمب في البرنامج الكوميدي الساخر «سترداي نايت لايف») والممثل جيمس وودز (الذي قال «ترمب هو وقفة أميركا الأخيرة») وزميله دنيس كوايد (قال: «ما زلت أثق بأنّه أحد أفضل الرؤساء الذين تناوبوا على الرئاسة في هذا البلد») كما الممثلة كريستي آلي («كنت وما زلت معجبة به»).
المشكلة بالطبع أنّ كل هؤلاء من صُنع مجدٍ مضى. المعارضون له في هوليوود ليسوا فقط أكثر عدداً بل أكثر تنوّعاً وشهرة. هناك المخرجة آفا دوفرناي والمخرجان أوليفر ستون وسبايك لي والممثلة جينيفر لورنس (قالت «ترمب لا يمثل القيم الأميركية») والممثل مارك روفالو (قال إن «ترمب هو عدو الشعب رقم واحد»).
ميريل ستريب تذكرت الحادثة التي سخر فيها ترمب من صحافي مقعد خلال أحد المؤتمرات الصحافية، أليك بولدوين قال: «أينما ذهب استغل سُلطته والناس الأقل قوّة منه. أضف إلى ما سبق جورج كلوني و(المؤلّفة) ج. ك. رولينغ و- بالطبع - روبرت دينيرو ومادونا والممثلة - المنتجة غبريال يونيون والكوميدي بن ستيلر والممثلة - المغنية شكيرا كما رتشارد غير.
القائمة طويلة وتزداد طولاً إذا ما أضفنا إليها مجتمع صانعي الأفلام من رؤساء استوديوهات ومنتجين وكبار المستثمرين. هؤلاء دائماً ما مالوا إلى ما يُعرف بـ«اليسار الأميركي» لكنّهم لم يجدوا بين من سبق ترمب من بين الرؤساء المحافظين (نيكسون، جونسون، بوش) من جاهر بعدائه لهوليوود كما فعل ترمب خلال فترة حكمه.