تقرير: خسر ترمب وليس «الترمبية»

خبيرة استراتيجية ترى أن الرئيس لا يزال يحقق نجاحاً على المسرح السياسي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض ويرتدي قبعة عليها شعار حملته «نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض ويرتدي قبعة عليها شعار حملته «نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (رويترز)
TT

تقرير: خسر ترمب وليس «الترمبية»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض ويرتدي قبعة عليها شعار حملته «نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض ويرتدي قبعة عليها شعار حملته «نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (رويترز)

خسر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابات، لكنّ تيار «الترمبية» لم يخسر؛ لأنه ورغم تلك الخسارة، فقد فاز الرئيس ترمب في أجزاء من البلاد ومع الناخبين الذين اهتمّ بهم ترمب لأكثر من أربع سنوات، بحسب تقرير لوكالة «رويترز».
وقال الرئيس دونالد ترمب وهو يختتم حملته الانتخابية بسلسلة من اللقاءات الجماهيرية الصاخبة للحاضرين وسط هتافاتهم، إنهم سيُثبتون لكل الخبراء أنهم أخطأوا مرة أخرى تماماً مثلما أخطأوا عندما فاز على غير المتوقع بالرئاسة الأميركية في 2016.
وفي أحد هذه اللقاءات يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في ولاية بنسلفانيا قال ترمب: «موجة حمراء عالية قادمة»، متوقعاً بذلك زيادة كبيرة في التأييد الجمهوري تدفع به للفوز بفترة رئاسة ثانية. وأضاف: «ما من شيء يستطيعون أن يفعلوه حيال ذلك».

* تصريحات مثيرة للجدل
وذكرت وسائل إعلام أن ترمب خسر السباق الذي سعى فيه للاحتفاظ بالبيت الأبيض وفاز منافسه الديمقراطي جو بايدن نائب الرئيس السابق. ومع ذلك فقد كان أداء ترمب أفضل كثيراً من عشرات الاستطلاعات التي أشارت إلى أنه قد يخسر بفارق كبير، وأثبت أن قاعدة أنصاره أكبر وأكثر ولاءً مما كان مراقبون كثيرون يدركون.
وكان الديمقراطيون يأملون أن يتبرأ الناخبون من ترمب بسبب الفوضى التي اتسمت بها فترة رئاسته وتصريحاته الداعية للانقسام في الحملة الانتخابية. وبدلاً من ذلك حصل ترمب على نحو 7.3 مليون صوت زيادة على الأصوات التي فاز بها في 2016، وفقاً لما تبيّنه النتائج الأولية.
فقد وقف كثيرون من أعضاء الكونغرس الجمهوريين المقبلين على الانتخابات في دوائرهم مع ترمب خلال محاكمته في الكونغرس العام الماضي وفي العام الحالي خلال إدارته لجائحة «كورونا» التي لقيت انتقادات واسعة وكذلك خلال الاضطرابات المدنية بسبب حوادث إطلاق الشرطة النار على عدد من السود.

وكوفئ بعض هؤلاء الحلفاء بالانتصار في انتخابات الكونغرس بما قد يسمح للحزب الجمهوري بالحفاظ على أغلبية ضئيلة. كما كسب الجمهوريون خمسة مقاعد جديدة في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.
وقد تحقق الأداء القوي الذي أبداه الحزب الجمهوري، خلافا لتوقعات المنتقدين والخبراء، رغم الفارق الهائل الذي تمتع به الديمقراطيون في جمع التبرعات في أواخر حملة الدعاية الانتخابية ورغم التحول الحاد في التأييد لصالح الديمقراطيين بين سكان ضواحي المدن الأميركية.
وبلغ السباق المتقارب النتائج ذروته في الأصوات البريدية التي بدأ فرزها في وقت متأخر من عمليات الفرز بولايتي جورجيا وبنسلفانيا، الأمر الذي رجح الكفة لصالح بايدن. غير أن ترمب لم يسلِّم بالهزيمة. فقد سعى الرئيس الذي حصل على أصوات أكثر من أي مرشح جمهوري آخر في التاريخ لنزع صفة الشرعية عن النتيجة بإعلانه، دون أي دليل، أنه تعرض للغش. وعلى الأرجح ستشهد عدة ولايات عمليات إعادة فرز للأصوات كما أن ترمب لا يزال يخوض معارك قانونية لإلغاء النتائج.
وحتى في أثناء فرز آخر الأصوات في الولايات حطمت النتائج آمال الديمقراطيين في انتهاء التيار الترمبوي. وإذا أصبح فوز بايدن رسمياً واحتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ ربما يجد الرئيس الجديد نفسه مكبلاً في مساعيه لسن التشريعات والفوز بتصديق الكونغرس على تعيينات القضاة والمسؤولين في الإدارة.

* طبقات صوّتت لترمب
وأياً كان مستقبل ترمب نفسه، فقد قال ديمقراطيون وجمهوريون، على حدٍّ سواء، إنه سيتعين عليهم أن يأخذوا في حسبانهم استمرار الجاذبية المتمثلة في أسلوبه المثير للجدل على مسرح السياسة الشعبوية.
وقال جو غروترز، رئيس الحزب الجمهوري في فلوريدا، إن رسالة ترمب عن الحرية الاقتصادية حتى خلال الجائحة كسبت أصوات عدد كبير من الناخبين. وأضاف: «صوّت الناس لرئيس الولايات المتحدة بفضل رسائله الإيجابية عن المستقبل وخروجه عن الطرق المألوفة لكي يضع أميركا في المقدمة».

وقال ستو روزنبرغ، المحلل السياسي المستقل، إن السباق الانتخابي أكد سهولة التكيف عند ترمب الذي حرّك أعداداً كبيرة من أنصاره في قاعدة مؤيديه من البيض وهم في كثير من الأحيان من ناخبي الطبقة العاملة وحقق مكتسبات جديدة بين الناخبين ذوي الأصول اللاتينية وهم من الناخبين الأساسيين للتحالف الديمقراطي.
وقال روزنبرغ إن الانتخابات لم تسفر عن «الهزيمة الساحقة» التي كان الديمقراطيون والجمهوريون المعارضون لترمب يريدونها. وأضاف متحدثاً عن ترمب: «من بعض الجوانب لم تكن تلك النتيجة مختلفة عمّا تحقق قبل أربع سنوات رغم فشله في التعامل مع فيروس (كورونا) والاقتصاد».
وقالت كارين فيني، المخططة الاستراتيجية صاحبة الخبرة الطويلة في المعسكر الديمقراطي التي كانت متحدثة باسم حملة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 الرئاسية، إن ترمب لا يزال يحقق نجاحاً على المسرح السياسي باستخدام عبارات مهيجة للجماهير لتأجيج التوتر العرقي والثقافي. وقالت إن تقارب النتائج الانتخابية يثبت «أننا بلد لا يزال منقسماً جداً جداً».

* مخالفة توقعات الخبراء
وأكدت النتيجة الأولية للانتخابات عمق الانقسام الحزبي الذي تعاني منه البلاد. فبعد عام شهد الجائحة وانهياراً اقتصادياً واضطرابات اجتماعية واسعة الانتشار على حوادث قتل السود برصاص الشرطة، أظهرت استطلاعات الخروج لآراء مَن أدلوا بأصواتهم أن قلة قليلة من الناس غيّرت مواقفها الحزبية. فقد بيّنت الاستطلاعات التي أجراها مركز «إديسون للأبحاث» أن ترمب احتفظ بتأييد أغلبية قوية من الناخبين البيض تبلغ نحو 55% بانخفاض بسيط عما حققه في 2016.
وأيّد البيض غير الجامعيين الذين يمثّلون قلب قاعدة ترمب الشعبية الرئيس بفارق يتجاوز 20 نقطة عن التأييد الذي حصل عليه بايدن من هذه الفئة. غير أن البيانات أوضحت أن هامشه في تلك الفئة انكمش بنحو أربع نقاط.

وقال مايك مدريد، الذي شارك في تأسيس «مشروع لينكولن» وهو مجموعة من الساسة الجمهوريين السابقين، إنه يعتقد أن «الترمبية» ستبقى قلب الحزب الجمهوري. وأضاف: «ستستمر الترمبية والنزعة الوطنية الشعبية والسياسة القائمة على شكوى البيض المتعلقة بالهوية»، مشيراً إلى أن الأغلبية الكبيرة من الجمهوريين المنتخَبين ليس لديها استعداد يُذكر لشيء مختلف.

* أصوات غير متوقعة
ومع ذلك تشير الاستطلاعات إلى زيادة التأييد لترمب بنحو أربع نقاط مئوية بين الأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية مقارنةً بما كان عليه الحال قبل أربع سنوات. وقد أدلى نحو 39% من ذوي الأصول اللاتينية الأكبر سناً بأصواتهم لصالح ترمب بزيادة 14 نقطة عن عام 2016 في حين أيّد 19% من الناخبين السود بين سن 30 و44 الرئيس، وهو ما يزيد 12 نقطة على الانتخابات السابقة. وفي الوقت نفسه تراجع مستوى تأييد ترمب بنحو نقطتين بين الناخبين البيض الأكبر سناً.
وفي ولاية فلوريدا لعبت زيادة تقدّر بنحو 12 نقطة لصالح ترمب بين الناخبين من أصول لاتينية مقارنةً بعام 2016 دوراً مهماً في تحقيق الفوز له في هذه الولاية التي تشهد تنافساً كبيراً. وأذهلت تلك النتائج خصوم ترمب الذين دأبوا على مهاجمة الرئيس لما يصفونه بتعليقاته العنصرية وسياساته القاسية فيما يتعلق بالهجرة.
وعلى نحو لافت عزز الرئيس التأييد الشعبي له في مناطق يكثر فيها ذوو الأصول اللاتينية في ولاية تكساس فكان أداؤه أفضل بفارق من 11 إلى 27 نقطة في مقاطعات على امتداد الحدود الجنوبية للولاية مع المكسيك.

وفي مقاطعة هيدالغو التي يتجاوز ذوو الأصول اللاتينية 90% من سكانها، حصل ترمب على 40 ألف صوت أكثر مما حصل عليه قبل أربع سنوات، ليرتفع نصيبه من الأصوات من 28% إلى 41%. وقالت أستاذة في العلوم السياسية إن حملة بايدن غير اللافتة التي تجنب فيها اللقاءات الجماهيرية المباشرة على النقيض من ترمب، منحت الرئيس اليد العليا عند بعض الناخبين من أصول لاتينية.
فقد قالت فيكتوريا دي فرانسيسكو سوتو، العميد المساعد بكلية «ليندون بي. جونسون للشؤون العامة» بجامعة تكساس في أوستن: «منطقة ريو غراند فالي، شأنها شأن المناطق الأخرى التي يكثر فيها أصحاب الأصول اللاتينية مثل فلوريدا، مكان شعبي ينتمي بدرجة كبيرة للمدرسة القديمة يحتاج إلى نهج سياسي يقوم على التواصل الوثيق». وقالت إنه ليس من المفاجئ أن يتجاهل الناخبون موقف ترمب من الهجرة لأن كثيرين من ذوي الأصول اللاتينية الذين يعيشون قرب الحدود محافظون إلى حدٍّ ما فيما يتعلق بمشكلات الهجرة.
كما أظهرت استطلاعات على مدار العام أن الناخبين من نساء الضواحي والأكبر سناً حوّلوا ولاءهم عن الرئيس. غير أن ترمب لم يفقد جاذبيته في عيون المتدينين بمن فيهم الإنجيليون والجمهوريون المهتمون بدخلهم الذين أعجبتهم تخفيضاته الضريبية والناخبون البيض في الأغلب من غير الجامعيين والذين كانوا في وقت من الأوقات من أنصار الديمقراطيين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟