ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

آمال بتحقيق إصلاحات عبر مكافحة الفساد

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»
TT

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

حسم البرلمان العراقي الأسبوع الماضي قانون الانتخابات المثير للجدل، القائم على الدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات. وبعد هذه المرحلة تنتظر الجميع في العراق معركة أخرى مؤجلة هي معركة المحكمة الاتحادية العليا، التي لم يستكمل قانونها بعد، كما لم يكتمل نصابها، وهو أمر يتعذر معه إجراء الانتخابات قبل. ثم، تضاف إلى هذه وتلك معركة أخرى لا تقل حساسية وأهمية عن سابقتيها، هي الرواتب والإصلاح الاقتصادي. ذلك أنه للشهر الثاني عجزت الحكومة العراقية عن تأمين الرواتب لنحو 6 ملايين موظف ومتقاعد إلا عبر القروض التي من شأنها زيادة أعباء المديونية واستنزاف رصيد البنك المركزي، مع احتمال انهيار العملة. ومع أن إقرار قانون الانتخابات بدا إنجازاً، لا سيما أنه جاء تحت وطأة المظاهرات الجماهيرية التي انطلقت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فإن الشكوك ما زالت تحوم حول إمكانية إجرائها في وقتها الذي حدده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهو السادس من يونيو (حزيران) 2021.

قبل أيام فجّر نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي «قنبلة» سياسية حين قال في تصريح متلفز، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أعرب له عن شكوكه بإمكانية إجراء الانتخابات النيابية المقررة في الموعد المحدد يوم 6 يونيو المقبل. وفي حين لم يصدر عن مكتب الكاظمي ما يؤكد هذا الكلام، أو ينفيه، فإن قانون الانتخابات جرى رفعه إلى رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح للمصادقة عليه، وهو ما يعني أنه سيغدو بعد نحو أسبوعين نافذ المفعول.
شاكر حامد، المتحدث باسم رئيس البرلمان، أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه «بعد هذا التصويت يكون قانون الانتخابات الجديد مكتملاً من الناحية التشريعية، وهو الذي اعتمد الترشيح الفردي وأعلى الأصوات ضمن الدوائر المتعددة في 18 محافظة عراقية». واعتبر أن «هذا القانون جاء ملبياً لمطالب المتظاهرين الإصلاحية وتأدية لجزء من الدين لضحاياها». وبما أن الانتخابات مرتبطة بما إذا كانت الطبقة السياسية قادرة خلال الفترة المقبلة على حسم قانون المحكمة الاتحادية، إما بتعديله أو إكمال نصابه، فإن الكلام عن إمكانية إجراء انتخابات حتى في غير موعدها المبكر يعد ضرباً من الوهم.
أما عن الكيفية التي يمكن من خلالها تفعيل المحكمة الاتحادية، فيقول النائب عن كتلة «سائرون» بدر الزيادي، موضحاً «هناك طريقتان لتفعيل عمل المحكمة: الأولى من خلال تشريع قانون جديد للمحكمة، وهو أمر يتضمن الكثير من الخلافات بشأن موضوع فقهاء الدين وخبراء القانون والتصويت بالإجماع أو الأغلبية وغيرها من النقاط. وسيصار إلى تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات بحال عدم الوصول إلى اتفاق نهائي... والطريقة الأخرى، وهي الأسهل، فمن خلال التنسيق مع باقي الرئاسات وتعديل القانون النافذ لإيجاد آلية ترشيح عضوين جديدين بديلاً عن الأول المُحال على التقاعد والآخر المتوفى».
من جهته، يرى آراس حبيب كريم، النائب عن محافظة بغداد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «باستكمال التصويت على قانون الانتخابات، أصبحنا الآن أمام تحديين جديدين، هما: المحكمة الاتحادية والإجراءات العملية الخاصة بكيفية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر». ويضيف حبيب، أن «معركة المحكمة الاتحادية لا تقل خطورة وأهمية، إن لم تتفوق على قانون الانتخابات ذاته؛ لأنه في حال لم يحسم قانونها أو نصابها، فلا قيمة من الناحية العملية للانتخابات؛ كونها ستبقى بلا شرعية طبقاً للدستور». ومن ثم، أشار حبيب إلى أن «الجهود خلال الفترة المقبلة يجب أن تنصبّ على استكمال هذه الأمور، بما في ذلك إجراء الانتخابات عبر البطاقة البيومترية كي نضمن نزاهتها ونقطع طرق التزوير».
وفي المقابل، انتقد الدكتور إياد علاوي، زعيم «ائتلاف الوطنية»، قانون الانتخابات، قائلاً إنه «جاء وفق مقاسات بعض الكتل والأحزاب الحاكمة». وتابع في بيان، أن «قانون الانتخابات سيكرّس الطائفية والمحاصصة، وسينتهي بإجراءات واضحة لتقسيم العراق، كما سيعزز الانقسامات التي يشهدها البلد على صعيد السلطات النيابية والقوى المكوّنة للمجلس». وأشار إلى أن «قانون الانتخابات الجديد سيضعف من دور النائب ويعزز المناطقية على حساب مصلحة البلد العليا؛ الأمر الذي سيرتد على الحكومة».

أزمة الرواتب

على صعيد آخر، للمرة الثانية خلال شهرين، يتأخر صرف الرواتب لنحو 6 ملايين موظف ومتقاعد عراقي. وكان السبب المعلن والمخفي هو انعدام السيولة المالية لدى وزارة المالية، وهذا بينما لم يعد رصيد البنك المركزي العراقي قابلاً لمزيد من الاستنزاف. ويأتي هذا الوضع على أثر استنزافه منذ سنوات عبر ما يُسمّى بـ«نافذة بيع العملة» التي تعد إحدى أهم بوابات الفساد في العراق. وفي حين تمكنت وزارة المالية، متأخرة، من صرف الرواتب، مع تقديم الحكومة ما سُمي «الورقة البيضاء» الخاصة بالإصلاح الاقتصادي، فإنها طلبت من البرلمان إقرار «قانون الاقتراض الداخلي» شرطاً لصرف رواتب الشهر الحالي. وفي هذه الأثناء، من المقرّر أن يعقد البرلمان العراقي جلسة حاسمة اليوم (السبت) نشر جدول أعمالها قبل نحو ثلاثة أيام الفقرة الأولى في جدول الأعمال هي التصويت على إقرار هذا «القانون». وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، أعلن أن بمقدور المالية صرف الرواتب لكل الموظفين والمتقاعدين في البلاد خلال هذا الأسبوع بمجرد إقرار «قانون الاقتراض الداخلي»، الذي طلبت بموجبه الحكومة اقتراض نحو 41 ترليون دينار عراقي (ما يعادل 38 مليار دولار أميركي)؛ كي تتمكن من دفع الرواتب لنهاية السنة الحالية، فضلاً عن الالتزامات الأخرى، على أمل البدء بالإصلاحات الاقتصادية المنشودة مع مطلع العام المقبل.
وبالتزامن مع أزمة الرواتب التي بدأت تتأخر على نحو غير مسبوق في تاريخ الدولة العراقية، انطلقت حملة لمحاربة الفساد عبر لجنة مركزية شكلها الكاظمي تمكنت من توقيف عدد كبير من المسؤولين في قطاعات مختلفة، كان آخرهم وكيل وزارة الكهرباء أواخر الأسبوع الماضي. وبينما يأمل العراقيون بتحقيق إصلاحات عبر مكافحة الفساد وتفعيل الاستثمار، فإن الطبقة السياسية العراقية تتبادل كرات الاتهام بشأن مسؤولية كل طرف في مجمل الأزمات التي تمر بها البلاد... ومنها أزمات الداخل وأزمات الخارج.

نهاية الحراك أم تأجيله؟

في سياق متصل، ما كان أحد يتصور أن الحراك الشعبي الذي انطلق في الأول من أكتوبر 2019 يمكن أن يكتب نهايته بنفسه في الذكرى الأولى لانطلاقه.
هذا الحراك الجماهيري دفع ثمنه مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى... وبالتالي، أصبحت له استحقاقات يبحث عنها، في المقدمة منها محاسبة قتلة المتظاهرين.
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأقرب إلى الحراك الشعبي، والذي جاءت حكومته بناءً على ما أحدثه هذا الحراك من متغيّرات، شكّل لجنة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، لكنها لم تعلن نتائجها بعد. ومعلوم أن الحراك رفع الخيَم من ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد، التي فُتحت مع جسر الجمهورية القريب منها بعد سنة على إغلاقها مع الجسر وعدد آخر من الجسور القريبة (السنك والخلاني) التي أغلقت لفترات مختلفة، غير أن قوى الحراك ما زالت من إمكانية الاضطرار إلى العودة إلى الشوارع والساحات ثانية، لكن بوتيرة أخرى... ربما تكون هذه المرة أكثر حسماً. في المقابل، يرى المراقبون والمتابعون، أن الطبقة السياسية العراقية تمكنت من التغلغل داخل الحراك عبر عدد من الأحزاب والقوى. وأنها أسهمت في تفتيت الحراك، مثلما عملت قوى أخرى، أطلقت عليها تسميات مختلفة، في حرف الحراك عن مساره في محافظات الوسط والجنوب بحيث تحولت إلى عمليات تخريب وإحراق مقرات.
المهم أن الأحزاب والقوى السياسية، لا سيما الشيعية منها - بوصفها المستهدفة الأولى بالحراك الجماهيري - تنفست الصعداء جرّاء نهاية الحراك. ولكن في حين يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الإيفاء بوعوده - سواءً للمتظاهرين أو المواطنين - عبر إجراء انتخابات نزيهة في العام المقبل، فإن القوى السياسية ماضية في وضع العراقيل أمام طريقه، وبخاصة، بعدما شعرت أنه بدأ يقترب أكثر من هموم الناس.
ولعل بين أبرز العراقيل التي بدأت توضع أمام رئيس الوزراء ملف العلاقات الخارجية، ولا سيما، العلاقة مع «الجيران» والولايات المتحدة الأميركية. وبما أن ملف العلاقة مع واشنطن يحتل الأولوية الأولى لحكومة الكاظمي، سواء لجهة الوجود الأميركي في العراق أو بناء علاقة متوازنة للمستقبل، فإن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت قبل أيام في الولايات المتحدة أخذت حيزاً واسعاً من اهتمامات العراقيين انطلاقاً من ملف العلاقة الأميركية - الإيرانية المعقّد... الذي بات العراق ساحة له.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»