ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

آمال بتحقيق إصلاحات عبر مكافحة الفساد

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»
TT

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

حسم البرلمان العراقي الأسبوع الماضي قانون الانتخابات المثير للجدل، القائم على الدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات. وبعد هذه المرحلة تنتظر الجميع في العراق معركة أخرى مؤجلة هي معركة المحكمة الاتحادية العليا، التي لم يستكمل قانونها بعد، كما لم يكتمل نصابها، وهو أمر يتعذر معه إجراء الانتخابات قبل. ثم، تضاف إلى هذه وتلك معركة أخرى لا تقل حساسية وأهمية عن سابقتيها، هي الرواتب والإصلاح الاقتصادي. ذلك أنه للشهر الثاني عجزت الحكومة العراقية عن تأمين الرواتب لنحو 6 ملايين موظف ومتقاعد إلا عبر القروض التي من شأنها زيادة أعباء المديونية واستنزاف رصيد البنك المركزي، مع احتمال انهيار العملة. ومع أن إقرار قانون الانتخابات بدا إنجازاً، لا سيما أنه جاء تحت وطأة المظاهرات الجماهيرية التي انطلقت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فإن الشكوك ما زالت تحوم حول إمكانية إجرائها في وقتها الذي حدده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهو السادس من يونيو (حزيران) 2021.

قبل أيام فجّر نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي «قنبلة» سياسية حين قال في تصريح متلفز، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أعرب له عن شكوكه بإمكانية إجراء الانتخابات النيابية المقررة في الموعد المحدد يوم 6 يونيو المقبل. وفي حين لم يصدر عن مكتب الكاظمي ما يؤكد هذا الكلام، أو ينفيه، فإن قانون الانتخابات جرى رفعه إلى رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح للمصادقة عليه، وهو ما يعني أنه سيغدو بعد نحو أسبوعين نافذ المفعول.
شاكر حامد، المتحدث باسم رئيس البرلمان، أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه «بعد هذا التصويت يكون قانون الانتخابات الجديد مكتملاً من الناحية التشريعية، وهو الذي اعتمد الترشيح الفردي وأعلى الأصوات ضمن الدوائر المتعددة في 18 محافظة عراقية». واعتبر أن «هذا القانون جاء ملبياً لمطالب المتظاهرين الإصلاحية وتأدية لجزء من الدين لضحاياها». وبما أن الانتخابات مرتبطة بما إذا كانت الطبقة السياسية قادرة خلال الفترة المقبلة على حسم قانون المحكمة الاتحادية، إما بتعديله أو إكمال نصابه، فإن الكلام عن إمكانية إجراء انتخابات حتى في غير موعدها المبكر يعد ضرباً من الوهم.
أما عن الكيفية التي يمكن من خلالها تفعيل المحكمة الاتحادية، فيقول النائب عن كتلة «سائرون» بدر الزيادي، موضحاً «هناك طريقتان لتفعيل عمل المحكمة: الأولى من خلال تشريع قانون جديد للمحكمة، وهو أمر يتضمن الكثير من الخلافات بشأن موضوع فقهاء الدين وخبراء القانون والتصويت بالإجماع أو الأغلبية وغيرها من النقاط. وسيصار إلى تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات بحال عدم الوصول إلى اتفاق نهائي... والطريقة الأخرى، وهي الأسهل، فمن خلال التنسيق مع باقي الرئاسات وتعديل القانون النافذ لإيجاد آلية ترشيح عضوين جديدين بديلاً عن الأول المُحال على التقاعد والآخر المتوفى».
من جهته، يرى آراس حبيب كريم، النائب عن محافظة بغداد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «باستكمال التصويت على قانون الانتخابات، أصبحنا الآن أمام تحديين جديدين، هما: المحكمة الاتحادية والإجراءات العملية الخاصة بكيفية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر». ويضيف حبيب، أن «معركة المحكمة الاتحادية لا تقل خطورة وأهمية، إن لم تتفوق على قانون الانتخابات ذاته؛ لأنه في حال لم يحسم قانونها أو نصابها، فلا قيمة من الناحية العملية للانتخابات؛ كونها ستبقى بلا شرعية طبقاً للدستور». ومن ثم، أشار حبيب إلى أن «الجهود خلال الفترة المقبلة يجب أن تنصبّ على استكمال هذه الأمور، بما في ذلك إجراء الانتخابات عبر البطاقة البيومترية كي نضمن نزاهتها ونقطع طرق التزوير».
وفي المقابل، انتقد الدكتور إياد علاوي، زعيم «ائتلاف الوطنية»، قانون الانتخابات، قائلاً إنه «جاء وفق مقاسات بعض الكتل والأحزاب الحاكمة». وتابع في بيان، أن «قانون الانتخابات سيكرّس الطائفية والمحاصصة، وسينتهي بإجراءات واضحة لتقسيم العراق، كما سيعزز الانقسامات التي يشهدها البلد على صعيد السلطات النيابية والقوى المكوّنة للمجلس». وأشار إلى أن «قانون الانتخابات الجديد سيضعف من دور النائب ويعزز المناطقية على حساب مصلحة البلد العليا؛ الأمر الذي سيرتد على الحكومة».

أزمة الرواتب

على صعيد آخر، للمرة الثانية خلال شهرين، يتأخر صرف الرواتب لنحو 6 ملايين موظف ومتقاعد عراقي. وكان السبب المعلن والمخفي هو انعدام السيولة المالية لدى وزارة المالية، وهذا بينما لم يعد رصيد البنك المركزي العراقي قابلاً لمزيد من الاستنزاف. ويأتي هذا الوضع على أثر استنزافه منذ سنوات عبر ما يُسمّى بـ«نافذة بيع العملة» التي تعد إحدى أهم بوابات الفساد في العراق. وفي حين تمكنت وزارة المالية، متأخرة، من صرف الرواتب، مع تقديم الحكومة ما سُمي «الورقة البيضاء» الخاصة بالإصلاح الاقتصادي، فإنها طلبت من البرلمان إقرار «قانون الاقتراض الداخلي» شرطاً لصرف رواتب الشهر الحالي. وفي هذه الأثناء، من المقرّر أن يعقد البرلمان العراقي جلسة حاسمة اليوم (السبت) نشر جدول أعمالها قبل نحو ثلاثة أيام الفقرة الأولى في جدول الأعمال هي التصويت على إقرار هذا «القانون». وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، أعلن أن بمقدور المالية صرف الرواتب لكل الموظفين والمتقاعدين في البلاد خلال هذا الأسبوع بمجرد إقرار «قانون الاقتراض الداخلي»، الذي طلبت بموجبه الحكومة اقتراض نحو 41 ترليون دينار عراقي (ما يعادل 38 مليار دولار أميركي)؛ كي تتمكن من دفع الرواتب لنهاية السنة الحالية، فضلاً عن الالتزامات الأخرى، على أمل البدء بالإصلاحات الاقتصادية المنشودة مع مطلع العام المقبل.
وبالتزامن مع أزمة الرواتب التي بدأت تتأخر على نحو غير مسبوق في تاريخ الدولة العراقية، انطلقت حملة لمحاربة الفساد عبر لجنة مركزية شكلها الكاظمي تمكنت من توقيف عدد كبير من المسؤولين في قطاعات مختلفة، كان آخرهم وكيل وزارة الكهرباء أواخر الأسبوع الماضي. وبينما يأمل العراقيون بتحقيق إصلاحات عبر مكافحة الفساد وتفعيل الاستثمار، فإن الطبقة السياسية العراقية تتبادل كرات الاتهام بشأن مسؤولية كل طرف في مجمل الأزمات التي تمر بها البلاد... ومنها أزمات الداخل وأزمات الخارج.

نهاية الحراك أم تأجيله؟

في سياق متصل، ما كان أحد يتصور أن الحراك الشعبي الذي انطلق في الأول من أكتوبر 2019 يمكن أن يكتب نهايته بنفسه في الذكرى الأولى لانطلاقه.
هذا الحراك الجماهيري دفع ثمنه مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى... وبالتالي، أصبحت له استحقاقات يبحث عنها، في المقدمة منها محاسبة قتلة المتظاهرين.
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأقرب إلى الحراك الشعبي، والذي جاءت حكومته بناءً على ما أحدثه هذا الحراك من متغيّرات، شكّل لجنة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، لكنها لم تعلن نتائجها بعد. ومعلوم أن الحراك رفع الخيَم من ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد، التي فُتحت مع جسر الجمهورية القريب منها بعد سنة على إغلاقها مع الجسر وعدد آخر من الجسور القريبة (السنك والخلاني) التي أغلقت لفترات مختلفة، غير أن قوى الحراك ما زالت من إمكانية الاضطرار إلى العودة إلى الشوارع والساحات ثانية، لكن بوتيرة أخرى... ربما تكون هذه المرة أكثر حسماً. في المقابل، يرى المراقبون والمتابعون، أن الطبقة السياسية العراقية تمكنت من التغلغل داخل الحراك عبر عدد من الأحزاب والقوى. وأنها أسهمت في تفتيت الحراك، مثلما عملت قوى أخرى، أطلقت عليها تسميات مختلفة، في حرف الحراك عن مساره في محافظات الوسط والجنوب بحيث تحولت إلى عمليات تخريب وإحراق مقرات.
المهم أن الأحزاب والقوى السياسية، لا سيما الشيعية منها - بوصفها المستهدفة الأولى بالحراك الجماهيري - تنفست الصعداء جرّاء نهاية الحراك. ولكن في حين يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الإيفاء بوعوده - سواءً للمتظاهرين أو المواطنين - عبر إجراء انتخابات نزيهة في العام المقبل، فإن القوى السياسية ماضية في وضع العراقيل أمام طريقه، وبخاصة، بعدما شعرت أنه بدأ يقترب أكثر من هموم الناس.
ولعل بين أبرز العراقيل التي بدأت توضع أمام رئيس الوزراء ملف العلاقات الخارجية، ولا سيما، العلاقة مع «الجيران» والولايات المتحدة الأميركية. وبما أن ملف العلاقة مع واشنطن يحتل الأولوية الأولى لحكومة الكاظمي، سواء لجهة الوجود الأميركي في العراق أو بناء علاقة متوازنة للمستقبل، فإن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت قبل أيام في الولايات المتحدة أخذت حيزاً واسعاً من اهتمامات العراقيين انطلاقاً من ملف العلاقة الأميركية - الإيرانية المعقّد... الذي بات العراق ساحة له.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.