الأمن والخطر الصيني يتصدران حسابات واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ

قراءة في جولتي وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين على دول جنوب آسيا

الأمن والخطر الصيني يتصدران حسابات واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
TT

الأمن والخطر الصيني يتصدران حسابات واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ

الأمن والخطر الصيني يتصدران حسابات واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ

في خضم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة، أجرى وزيرا الخارجية مايك بومبيو والدفاع مارك إسبر، اللذان يعدان من أبرز شخصيات الإدارة الأميركية، زيارة إلى 5 دول في جنوب آسيا، هي الهند وسريلانكا والمالديف وإندونيسيا وفيتنام. وجاءت الزيارات بعدما وافقت واشنطن على صفقة جديدة لبيع أسلحة لتايوان بقيمة 1.8 مليار دولار، وكذلك أخطرت إدارة الرئيس دونالد ترمب الكونغرس الأميركي بخططها لبيع منظومة صواريخ «هاربون» بقيمة 2.37 مليار دولار لتايوان، وهي ثاني أكبر صفقة أسلحة تعقد في غضون أسبوعين إلى الدولة - الجزيرة التي تعتبرها السلطات الصينية إقليماً مارقاً، وذلك في رسالة واضحة لإثارة ضيق بكين.
وفي حين تجري غالبية الارتباطات الوزارية، بل اجتماعات القمة، عبر الفضاء الإلكتروني، حملت مسألة سفر المسؤولين الأميركيين رفيعي المستوى إلى دول جنوب وجنوب شرقي آسيا في طياتها رسالة جيوسياسية لا لبس فيها، مفادها أن الولايات المتحدة تبذل أقصى ما باستطاعتها لاجتذاب هذه الدول إلى «تحالف» استراتيجي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الصين، سعياً لتعزيز التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي تعزيز تحالف «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد».

تتميز منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في الواقع، باتساع شاسع، ولطالما تنافست فيها الولايات المتحدة والصين على بسط النفوذ. أضف إلى ذلك أن هذه المنطقة، التي تحتضن ضمن ما تحتضنه شبه جزيرة الهند الصينية، وامتدادها الماليزي المياناماري (البورمي)، عاشت خلال الفترة الأخيرة تضارباً بين المصالح الهندية والصينية، تحديداً في سريلانكا وجزر المالديف. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدول الثلاث التي زارها بومبيو، أي سريلانكا وجزر المالديف وإندونيسيا، تتمتع بأهمية استراتيجية لـ«مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ.

تدريبات مالابار... عودة «كواد»!

شهدت مياه المحيط الهندي وسواحله تدفقاً لقطع حربية وطائرات هليكوبتر حربية متقدمة، مرسلة من كل من أستراليا واليابان والولايات المتحدة، للمرة الأولى منذ عام 2007. وذلك خلال الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني).
ومن ثم، أجرت القوات البحرية التابعة للدول المشاركة في التدريبات مجموعة من العمليات العسكرية المعقدة السطحية والمضادة للغواصات والمضادة للطائرات، بجانب تدريبات على إطلاق الأسلحة. ومن المقرر عقد المرحلة الثانية من التدريبات والمناورات في بحر العرب، بشمال النصف الغربي من المحيط الهندي، نحو منتصف نوفمبر.
هذا، وتأتي مشاركة أستراليا في تدريبات مالابار السنوية، التي انطلقت هذا الأسبوع في خليج البنغال (بالنصف الشمال الشرقي من المحيط الهندي) بمثابة تأكيد على صعود «كواد» كملمح جديد من ملامح المشهد الجيوسياسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وعلى الرغم من أن جميع القرارات التي صدرت في الفترة الأخيرة لتعزيزها جاءت خلال الأسابيع الأخيرة من أول فترة رئاسية للرئيس دونالد ترمب، يبقى من المحتمل أن تستمر «كواد»، وذلك بفضل الالتزام المؤسّسي القوي تجاهها الذي تبديه العواصم الأربع المعنية جميعها؛ كانبيرا ودلهي وطوكيو وواشنطن.
من ناحية ثانية، نظراً لتركيزها على الصين، قرّرت ألمانيا هي الأخرى تسيير دوريات في المحيط الهندي عبر نشر سفينة حربية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في إطار خطة برلين لمحاولة السيطرة على النفوذ الصيني في المنطقة. واستطراداً، أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور أن بلادها تعمل في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو) بهدف تعزيز علاقاتها مع الدول ذات التوجهات المشتركة مثل أستراليا داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأضافت الوزيرة الألمانية خلال مقابلة أجرتها معها صحيفة «سيدني مورنينغ هيرالد» الأسترالية: «نعتقد أن ألمانيا عليها أن تجعل موقفها داخل المنطقة واضحاً»، متابعة: «أوروبا في الوقت الراهن بدأت تلتفت على نحو متزايد إلى الأجندة الاقتصادية للصين وتكتيكاتها الجيوسياسية».
كرامب كارينباور، التي ما زال يعتبرها كثيرون خلفاً محتملاً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قالت أيضاً للصحيفة: «نحن نأمل في أن نتمكن من نشر قوات العام المقبل. وسنوجه مزيداً من الإنفاق نحو الدفاع خلال العام 2021 عن عام 2020... على الرغم من الأضرار التي ألحقتها جائحة (كوفيد 19) بميزانيتنا. واليوم، تكمن الأهمية الكبرى في تحويل ذلك إلى قوة حقيقية».
من ناحيته، قال العميد البحري أنيل جاي سينغ، الذي يتولى أيضاً منصب نائب رئيس «المؤسسة البحرية الهندية» معلقاً: «في أعقاب اجتماع وزراء خارجية (الحوار الأمني الرباعي) في طوكيو أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، وما تلاه من الحوار الوزاري الهندي الأميركي (2 + 2) في نيودلهي الأسبوع الماضي، تأتي تدريبات مالابار بمثابة مؤشر واضح على زيادة صلابة الموقف الذي تتخذه اليابان وأستراليا والهند راهناً تجاه الصين. كذلك يجري النظر إلى هذه التدريبات باعتبارها دليلاً على الأهمية التي توليها هذه البلدان الأربعة لمسألة الحفاظ على النظام الدولي الراهن القائم على قواعد بعينها ووجود حرية وانفتاح بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ».
إلا أنه حذّر، في المقابل، من أنه «لا ينبغي افتراض أن مشاركة قوات بحرية من الدول الأربع في تدريبات مالابار تعد بالضرورة مؤشراً على تطوير تحالف بحري أو عسكري فيما بينها». وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه في حين لم تُخفِ الولايات المتحدة البعد العسكري لنهجها تجاه الصين في المحيطين الهندي والهادئ، بينما تناصبها الصين قدراً مكافئاُ من العداء، في سياق مساعيها لفرض هيمنتها البحرية الإقليمية، فإن الدول الثلاث الأخرى تبدو أكثر حذراً في نهجها.
وعلى رغم الاستفزازات الأخيرة، مثل المواجهة المستمرة التي بدأتها الصين على طول خط السيطرة الفعلية في منطقة جبال الهيمالايا، فسيكون النهج التدريجي يمثل الخيار الأكثر براغماتية. وأفاد مصدر هندي: «كل هذه البلدان، سريلانكا وجزر المالديف وإندونيسيا، مفتاح النجاح داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ»، مشيراً إلى أن الهند تسعى لإقامة سلاسل إمداد قوية ومرنة معها.

المحطة الأولى... الهند

كانت العاصمة الهندية نيودلهي المحطة الأولى للمسؤولين الأميركيين الرفيعين؛ حيث أجرى بومبيو وإسبر الحوار الثالث (2 + 2) مع نظيريهما الهنديين للشؤون الخارجية إس جايشانكار والدفاع راجناث سينغ.
وفي نيودلهي، وقّعت الولايات المتحدة والهند اتفاقاً تاريخياً للتبادل والتعاون، يسمح للبلدين العملاقين بالتشارك في معلومات عسكرية، بما في ذلك خرائط ملاحية وبحرية ومجموعة أخرى من الصور والبيانات التجارية والجيوفيزيائية والجغرافية والجيومغناطيسية، بجانب بيانات تتعلق بالجاذبية. ومن شأن هذا الأمر، معاونة الهند على الوقوف في مواجهة تهديد الجيش الصيني، المتقدم علمياً وتقنياً، على نحو متزايد على طول الحدود داخل إقليم الهيمالايا الممتد لمسافة 4000 كيلومتراً.
وحول العلاقات الاستراتيجية القائمة، بل المعززة حالياً، بين الجانبين الأميركي والهندي، علّق الكاتب الصحافي بي. كيه. بالاتشاندران معرباً عن اعتقاده بأنه «بغضّ النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لن تتغير الأوضاع الاستراتيجية للهند، وستصبح السياسات المناهضة للصين جزءاً لا يتجزأ من السياسات الخارجية الأميركية من أجل ضمان أمن ورخاء الولايات المتحدة و(العالم الحر)... في الوقت الذي ربما يكون هذا التوجه المعادي للصين جيداً للفوز بالانتخابات، فإنه يتسم بأهمية حيوية لضمان بقاء الولايات المتحدة قوة عظمى أولى».
وسريلانكا... المحطة الثانية

أما في العاصمة السريلانكية كولومبو، فقد ألقى الوزير بومبيو بمشروع الولايات المتحدة «مؤسسة تحدّي الألفية»، الذي تبلغ موازنته 480 مليون دولار، جانباً وانطلق في توجيه انتقادات شديدة للصين. ومن جانبها، واجهت سلطات سريلانكا طلبات بضرورة اتخاذها قرارات بخصوص علاقتها بالصين ومراجعة الخيار الذي تعرضه عليها الولايات المتحدة والمتمثل في معاونتها على تحقيق تنمية اقتصادية شفافة ومستدامة. جدير بالذكر في هذا الصدد أنه سبق لبومبيو أن ألغى زيارة كانت مقررة لسريلانكا في يونيو (حزيران) العام الماضي في أعقاب خروج مظاهرة مناهضة للولايات المتحدة هناك. وما يذكر ضمن هذا الإطار أن سريلانكا تقع مباشرة بجوار خطوط الشحن الرئيسية في المحيط الهندي، التي تستخدمها الصين في استيراد الطاقة والمواد الخام من أفريقيا والشرق الأوسط، وتصدير منتجاتها إلى العالم.

تحركات في المالديف

في المحطة الثالثة، التي كانت مدينة ماليه الصغيرة، عاصمة جزر المالديف، ما كان لدى وزير الخارجية الأميركي كثير لينجزه، لأن الرئيس إبراهيم صليح موالٍ للغرب بقوة. ونشير هنا أن نظام الرئيس السابق عبد الله يمين كان موالياً للصين علانية، واقترض منها بشدة من أجل تطوير البنية التحتية للبلاد، وهناك من يقول إنه سقط ضحية شرك الديون الصينية. غير أن نظام يمين خسر في انتخابات عام 2016 بسبب اتهامات بالتورط في الفساد والاستبداد. وحول المسألة الاستراتيجية، يصف بعض المحللين المعنيين بالشؤون البحرية جزر المالديف بأنها «بوابة» بين الممرات الضيقة في غرب المحيط الهندي في خليج عدن ومضيق هرمز من ناحية، ومضيق ملقا في شرق المحيط الهندي على الجانب الآخر. وقد وقّعت الولايات المتحدة «اتفاقية إطارية أمنية ودفاعية» مع المالديف.
الهند، الجارة الكبرى للأرخبيل الصغير، اختارت أن تسرب بحذر حقيقة أن «إطار العمل للعلاقات الدفاعية والأمنية بين الجانبين» جرى «عرضه» على مسؤولي نيودلهي في ماليه «أولاً». ويبدو هذا الأمر مثيراً للاهتمام بالنظر إلى أن الاتفاق جرى توقيعه بهدوء أثناء زيارة وزيرة الدفاع المالديفية، ماريا ديدي، إلى الولايات المتحدة. ولم تكشف تفاصيل عن هذا الأمر بعد. وكانت الهند قد حالت دون إبرام معاهدة دفاعية بين الولايات المتحدة وجزر المالديف عام 2013. لكنها «رحّبت» بالخطوة الأخيرة، وأعلنت على نحو أثار الدهشة إلى حد ما أن الاتفاقية لم تقلص من دور الهند «كجهة موفرة للأمن»، وإنما في الواقع تكمل هذا الدور.
أما، فقد قال من جانبه، في ماليه وبصراحة إن «الحزب الشيوعي الصيني يواصل سلوكه التهديدي والخارج عن القانون والتهديد». وأعلن عن افتتاح سفارة في العاصمة المالديفية. وتجدر الإشارة إلى أنه فيما مضى كان السفير الأميركي لدى سريلانكا مسؤولاً عن جزر المالديف.
منذ عام 2018، عندما أصبح إبراهيم صليح رئيساً، تخلت البلاد عن ميلها السابق نحو بكين، وأعادت صياغة سياستها الخارجية لتعكس العلاقات الأخرى الطويلة الأمد، بما في ذلك مع الهند. وكانت هناك بعض الأصوات في جزر المالديف المعارضة لفكرة بناء صداقة وثيقة للغاية مع الولايات المتحدة والهند. وفي الأيام الأخيرة، وبعد تداول شائعات بأن جنوداً هنوداً سيتمركزون في جزر المالديف، طلبت إحدى وسائل الإعلام المحلية الحصول على معلومات بموجب قانون حق الحصول على المعلومات في جزر المالديف حول عدد أفراد الدفاع الهندي في البلاد، إلا أن قوات الدفاع الوطنية لجزر المالديف قالت إنه من المتعذر الكشف عن هذه المعلومات لدواعٍ أمنية.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».