باريس تعمل على تطبيق {خطة شاملة} لمحاربة الإرهاب

تدفع الدول المغاربية لاستعادة مواطنيها المتطرفين

جنود من الجيش الفرنسي قبل الانطلاق في دورية لحماية «النقاط» الحساسة في العاصمة باريس من الإرهاب أمس (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الفرنسي قبل الانطلاق في دورية لحماية «النقاط» الحساسة في العاصمة باريس من الإرهاب أمس (أ.ف.ب)
TT

باريس تعمل على تطبيق {خطة شاملة} لمحاربة الإرهاب

جنود من الجيش الفرنسي قبل الانطلاق في دورية لحماية «النقاط» الحساسة في العاصمة باريس من الإرهاب أمس (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الفرنسي قبل الانطلاق في دورية لحماية «النقاط» الحساسة في العاصمة باريس من الإرهاب أمس (أ.ف.ب)

عقب الهجمات الإرهابية الثلاث التي ضربت فرنسا بين أواخر سبتمبر (أيلول) وأواخر أكتوبر (تشرين الأول) في باريس وكونفلان سانت هونورين ونيس، عاد الملف الإرهابي ليحتل واجهة الاهتمامات الرسمية والسياسية والإعلامية في فرنسا. وتخوف الرئيس إيمانويل ماكرون، ومعه الحكومة، من أن تستغل المعارضة اليمينية، ممثلة باليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني) واليمين الكلاسيكي (حزب الجمهوريين)، تواتر العمليات الإرهابية المتنقلة سلاحاً بوجه السلطة المتهمة بالعجز والتقاعس، وضد ماكرون شخصياً، في المعركة السياسية المقبلة التي عنوانها الانتخابات الرئاسية في ربيع عام 2022، والتي ينوي خوضها من أجل ولاية ثانية.
وبعد أن كشف ماكرون عن خططه لمحاربة ما يسميه «الانفصالية الإسلاموية» التي ستأخذ شكل مشروع قانون يقدم إلى مجلس الوزراء في التاسع من الشهر المقبل، قبل أن يأخذ طريقه إلى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، فإن تركيزه اليوم يقوم على سد المنافذ كافة التي يتسلل منها الإرهاب.
من هنا، يراد للمقاربة الحكومية هذه المرة أن تكون «شاملة»، بحيث تضرب البيئة الداخلية التي يمكن أن تفرز الإرهاب، وهي التطرف والإسلاموية السياسية، وإغلاق المسالك غير الشرعية التي تمكن المتطرفين و«الجهاديين» من الولوج إلى الأراضي الفرنسية مثلما حصل في نيس، حيث وصل التونسي إبراهيم العيساوي إليها من إيطاليا، وأخيراً التخلص من الأجانب الذين ترى فيهم فرنسا تهديداً لأمنها الداخلي من المتطرفين. وعليه، فإن ماكرون يريد الدفع باتجاه تعاون أوروبي أوثق في محاربة الإرهاب، وهو ما يمر عبر حماية الحدود الخارجية للاتحاد، وإعادة النظر بمعاهدة شينغين.
وفي سياق هذه المقاربة الشاملة، تندرج الزيارة التي يقوم بها وزير الداخلية بطلب من الإليزيه إلى روما وتونس والجزائر ومالطا، وبعدها في الأيام القريبة إلى موسكو. ومنتصف الشهر الماضي، زار دارمانان المغرب للغرض ذاته. وإذا كان مباحثات وزير الداخلية جيرالد دارمانان مع سلطات البلدان الخمسة التي يزورها ستتناول الهجرات غير الشرعية، والتعاون الأمني ومحاربة الإرهاب، فإن غرضها المباشر هو إقناع السلطات المعنية بقبول استرداد مواطنيها الموقوفين في فرنسا، كونهم أولاً مهاجرين غير شرعيين، وثانياً بصفتهم متطرفين راديكاليين، وبعضهم تحت نظام «الحجز الإداري».
وسبق للوزير الفرنسي أن أعلن قبل نحو الشهر أن فرنسا تضم 231 أجنبياً مقيمين بطريقة غير قانونية، وملاحقين بشبهات تطرف، 70 في المائة منهم ينتمون إلى 4 دول، 3 منها من المغرب العربي، والرابعة روسيا التي يزورها دارمانان في الأيام المقبلة.
وقالت مصادر فرنسية إن دارمانان سيقدم للسلطات التونسية والجزائرية قائمة بأسماء رعاياهم الذين يوجدون في فرنسا بطريقة غير قانونية، ويشتبه في أنهم متطرفون، وتطالب باريس بطردهم. وتؤكد المصادر نفسها أن نحو 20 تونسياً صدرت أحكام في حقهم، ولم يتم ترحيلهم إلى اليوم بسبب القيود المفروضة جراء وباء «كوفيد-19».
وتجدر الإشارة إلى أن مرتكب مقتلة كنيسة نوتردام في مدينة نيس هو تونسي الجنسية. كما أن الإرهابي الذي قتل 86 شخصاً صيف عام 2016، بدهسهم بشاحنته، هو تونسي كذلك.
واستبق ماكرون زيارة وزيره إلى تونس باتصال مع الرئيس قيس سعيد، كما فعل الشيء نفسه بالاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد عملية كونفلان سانت هونورين، حيث إن الجاني الذي ذبح مدرس التاريخ في تكميلية المدينة المذكورة، وفصل رأسه عن جسده، كان روسي الجنسية شيشاني الأصل.
وتريد باريس من خلال الإسراع في ترحيل الأجانب المشار إليهم، وغيرهم كثيرون، أن تظهر «حزمها» إزاء ملف لا يفهم المواطن الفرنسي العادي أسباب التأخر في إنجازه. والحال أن عقبات كثيرة تحول غالباً أمام تنفيذ عمليات الترحيل، منها الحاجة لقبول «بلد المنشأ» استعادة مواطنيه، ومنها أيضاً الأوجه القانونية التي يستطيع اللاجئ استخدامها لتأخير أو تعطيل ترحيله.
يضاف إلى ذلك عامل «كوفيد-19» الذي يعيق عمليات الترحيل. وهناك دعوات من اليمين إلى وضع جميع الأشخاص الذين يشكلون تهديداً للسلامة العامة في مراكز احتجاز، والضغط على «بلدان المنشأ» دبلوماسياً واقتصادياً، إن ثنائياً أو عبر الاتحاد الأوروبي، في ضوء أن الإرهاب يهدد دوله كافة، حتى ترضخ لاستعادة مواطنيها. بيد أن هناك من يجادل بأن باريس ترفض استعادة «جهادييها» الموجودين في أيدي «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية في شمال سوريا، بحجة أن عودتهم من شأنها تشكيل تهديد للأمن، وبالتالي تتعين محاكمتهم في المناطق التي ارتكبوا فيها جرائمهم.
وبالتوازي، فإن السلطات الفرنسية بدأت بالتضييق على «الإسلامويين»، من خلال إغلاق مساجد وحل جمعيات وطرد أئمة. ويريد دارمانان التأكد من أوضاع 51 جمعية دينية وثقافية إسلامية، وحل من يثبت أنها تخالف القوانين الفرنسية، فيما يستخدم ماكرون خطاباً متشدداً إزاء التيارات الإسلاموية، الأمر الذي أثار ضده موجة احتجاجات في العالمين العربي والإسلامي، وحركة مقاطعة للمنتجات الفرنسية، وانتقادات حادة من الصحافتين البريطانية والأميركية، ناهيك من المظاهرات والتجمعات المناهضة في عدد من البلدان الإسلامية.
وقد سعى ماكرون في الأيام الماضية إلى تصحيح الصورة، وتأكيد أنه لا يحارب الإسلام الذي له مكانه في الجمهورية الفرنسية، بل يحارب الإسلام السياسي والتوجهات الانطوائية، والإعراب عن التمسك الشديد بمبدأ العلمانية، بما فيها الدفاع عن حق نشر الرسوم الكاريكاتورية. أما على المستوى الأوروبي، فإن ماكرون وعد بتغيير بعض قواعد شينغن إبان رئاسة بلاده للاتحاد التي ستحل منتصف عام 2022. إلا أن تعزيز التعاون الأمني بين الدول الأعضاء سيكون على جدول مباحثات وزراء الداخلية الأوروبيين في اجتماعهم المرتقب في الـ12 من الشهر الحالي في برلين.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.