أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

السلطات في مقاطعة خيبر عجزت عن مواجهتها

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT
20

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)
متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)
فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)
قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».


مقالات ذات صلة

​نيجيريا: مقتل أكثر من 20 شخصاً في هجومين إرهابيين

أفريقيا الجيش يكثف تحركاته ويدعو قواته لرفع مستوى الجاهزية (الجيش النيجيري)

​نيجيريا: مقتل أكثر من 20 شخصاً في هجومين إرهابيين

في تصعيد خطير شنّ مسلحون من جماعة «بوكو حرام» هجوماً إرهابياً على قرية «كوابري» التابعة لمنطقة هونغ بولاية أداماوا شمال نيجيريا ما أسفر عن مقتل عشرة حراس.

الشيخ محمد (نواكشوط )
آسيا نقطة للجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان (أرشيفية)

مقتل 7 وإصابة 16 بانفجار قنبلة في معقل سابق لحركة «طالبان» الباكستانية

أعلنت الشرطة مقتل 7 أشخاص على الأقل وإصابة 16 آخرين، الاثنين، إثر انفجار قنبلة قوية أمام مكتب لجنة سلام موالية للحكومة الباكستانية في معقل سابق لحركة «طالبان».

«الشرق الأوسط» (ديرا إسماعيل خان (باكستان) )
أوروبا سجن فانديين لا فيي في شمال فرنسا (أ.ف.ب)

الشرطة الفرنسية تنفذ 25 عملية توقيف على خلفية هجمات استهدفت سجون البلد

أوقفت الشرطة الفرنسية 25 شخصاً في أنحاء مختلفة من البلاد في سياق عملية واسعة النطاق بعد 15 يوماً على هجمات استهدفت سجوناً فرنسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا يشارك الناس في مسيرة بيضاء احتجاجاً على مقتل أبو بكر الذي قُتل وهو يصلي في مسجد بعشرات الطعنات في 25 أبريل 2025 بين مسجد خديجة وبلدية لا غراند كومب بجنوب فرنسا في 27 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

المشتبه به في حادث طعن بمسجد فرنسي يسلّم نفسه في إيطاليا

أعلنت السلطات الاثنين أن المشتبه به في حادث طعن بمسجد فرنسي سلم نفسه للشرطة في إيطاليا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ وقفة احتجاجية بالشموع بالقرب من موقع حادثة دهس سيارة حشداً خلال مهرجان «لابو لابو» في فانكوفر بكندا أسفرت عن مقتل 11 شخصاً على الأقل وإصابة آخرين يوم الأحد (أ.ف.ب)

كندا: توجيه تهمة القتل إلى السائق الذي دهس حشد مهرجان فانكوفر

وجِّه الاتهام بالقتل إلى مشتبه به في حادثة دهس بسيارة وقعت السبت، وأسفرت عن مقتل 11 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 5 و65 عاماً في مهرجان للتراث الفلبيني.

«الشرق الأوسط» (فانكوفر (بريتش كولومبيا) )

مقتل 7 وإصابة 16 بانفجار قنبلة في معقل سابق لحركة «طالبان» الباكستانية

نقطة للجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان (أرشيفية)
نقطة للجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان (أرشيفية)
TT
20

مقتل 7 وإصابة 16 بانفجار قنبلة في معقل سابق لحركة «طالبان» الباكستانية

نقطة للجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان (أرشيفية)
نقطة للجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان (أرشيفية)

أعلنت الشرطة مقتل 7 أشخاص على الأقل وإصابة 16 آخرين، الاثنين، إثر انفجار قنبلة قوية أمام مكتب لجنة سلام موالية للحكومة الباكستانية في معقل سابق لحركة «طالبان» الباكستانية في شمال غرب البلاد المضطرب.

تظاهر أساتذة جامعة كراتشي ضد الهند احتجاجاً على هجوم باهالغام في كراتشي 28 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
تظاهر أساتذة جامعة كراتشي ضد الهند احتجاجاً على هجوم باهالغام في كراتشي 28 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

وقال قائد الشرطة المحلي، عثمان وزير، لوكالة «أسوشييتد برس» إن الانفجار وقع في وانا، وهي مدينة رئيسية في منطقة جنوب وزيرستان التابعة لإقليم خيبر بختونخوا.

وأوضح قائد الشرطة أن الانفجار استهدف مكتب لجنة السلام، التي تعارض حركة «طالبان» الباكستانية علناً، وتسهم أيضاً في حل النزاعات بين السكان المحليين.

ووقع الانفجار بعد يوم من إعلان الجيش أن قواته قتلت 54 مسلحاً في عملية عسكرية واسعة بمنطقة شمال وزيرستان المجاورة، بعد محاولتهم التسلل إلى البلاد من أفغانستان.

ولم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن الانفجار، الاثنين، لكن من المرجح أن توجه أصابع الاتهام إلى حركة «طالبان» باكستان، التي كثيراً ما تستهدف قوات الأمن والمدنيين.